الفصل العشرين .. والأخير ..

5.6K 140 27
                                    

الهانم_بنت_البواب_2 ..
#لازالت_فاتنتي ..
                             _غَفوةّ مشاعّر أُنثي_

_الموت !!،..
_تلك الطعنة التي تأتيكَ بغتة -على حين غفلة منكَ- لِتشق القلب من المنتصف لوعةً على مفقود !!،..
_فهل سيكفيها البُكاء و يكون بليغاً في التعبير عن حُزنها .. أم أن الوجع سيكون أبعد ما يكون عن مُجرد الدموع .. أم إنها ببساطة لن تجد الفرصة للإفصاح عن ألمها في هَّوجْ الأيام !!، ..
_أم إنها -في حقيقة الآمر- لم يصلها الخبر بَعد ؟!؛..
________________________
_نسيم جديد عليها هّب مُداعباً أهدابها الناعسة .. تطايرت بعض خصيلات شعرها تُداعب وجهها الهادئ بدفئ مصدره روحها ،، أبتسمت بنعاس ثم تململت في فراشها و جذبت الغطاء عليها أكثر -رافضة بشدة- أن تستفيق من ذلك السبات العميق الذي لم يسعفها الحظ -منذ زمن- لنيّل القليل منه و مرت لحظات قبل أن تعود إليها تلك النسمات المداعبة من جديد إلا إنها كانت أقوى قليلاً من سابقتها و جريئة أكثر عن ذي قبل و كأنها أصابع خشنة قليلاً أو ربما .. ربما شفتان تداعبان جسدها الهّش برِقة .. فقطبت جبينها بتذمر طفولي و أولتهُ ظهرها و ضغطت جفنيها بشدة بينما على شفتيها ظهر شبح إبتسامة لم تكتمل تماماً ،،.
و فجأة .. أرتجف جسدها بشدة و تصلبت تماماً حين شعرت بذراع قوية تلتف حولها لتجذبها خلفاً ليرتاح ظهرها على صدر قوي عريض حيثُ شعرت بخفقات صدره تضرب ظهرها بقوة ؛ لا، إن مالديه ليس قلباً -على الإطلاق- و إنما مضخة جبارة تخفق بقوة أزعجتها و آثارت ريبتها و جعلتها تستفيق مرغمة .. إلا إنها لم تتجرأ على فتح عينيها و أزدردت ريقها بصعوبة و أنتفضت بداخلها فجأة عندما شعرت بشفتين دافئتين تضغطان برفق على مؤخرة عنقها الطويل -و بعد فترة طويلة- أبعد شفتيه عنها ليهمس بخشونة أجشة مداعباً أذنها يقول،
: كنتي جميلة جداً إمبارح !!، جميلة بشكل مختلف .. و كإنك الأنثى الأولى و الأخيرة على وجه الأرض !!،.
_شهقت رغماً عنها بصوت لم تستطع كبته و ودت لو تهرب من تحت ذراعيه لتقفز من النافذة سريعاً -خوفاً من مجابهة عيناه بهذه اللحظة- و تصلب جسدها تحت ذراعيه بوضوح و أصبحت إرتجافتها غير مسيطر عليها -على الإطلاق- ،.
_بينما بهتت إبتسامته المنتشية بسعادة دون أن تختفي تماماً و ظهرت القسوة جليّة في عينيه دون صوته عندما أردف هامساً برِقة و عمق وهو يُداعب ظهرها العاري بشفتيه،
: هتلتزمي أسلوب الصُم و البُكم ده كتير !!، .."صمت لحظة ثم أبعد شفتيه عنها و آقترب من أذنها ليبتسم بمكر و يتابع بهمس خبيث وهو يُداعب ظهرها بأنفه".. ،لو مش سامعاني ،أنا ممكن أسمعك بطريقتي الخاصة و ..
: خلااااااااص، .."صاحت بها وهي تصُّم أذنيها بكفيها بتشنج ثم تابعت بحنق".. ،سمعت !،.
_أطلق آنس ضحكة عالية خشنة هدرت بداخل أذنيها .. فعضت على شفتها السفلى و زادت من إنطباق جفنيها بشدة ثم خفتت ضحكته تدريجياً إلى أن صمتت تماماً عندما وجدها صامتة ، جسدها متصلب .. أبعد ذراعه عنها ببطء دون أن يتركها تماماً ثم أطبق على كتفيها بكفيه ليديرها إليه .. فأخفضت رأسها بسرعة إلا إنه كان أسرع منها و قبض بقبضته على ذقنها يرفع وجهها إليه لكنها آيضاً رفضت مجابهة عيناه و أغمضت عينيها تطبق بجفنيها عليهما بقوة بينما مّالت عينيه إشفاقاً عليها و أستطرد متسائلاً بهمس عميق خافت شديد الجدية،
: سامحتيني !!،.
_شهقت بداخلها بصمت و لم تستطع الردّ لحظات .. ربما لإنها -حقاً- لا تملك لسؤاله البسيط جواب !! ..
فإن كانت قد سامحته .. فكيف تغاضت عن كل ما نالها منه !! ؛ و إن كانت لم تسامحه بَعد .. فكيف أستسلمت له جسداً و روحاً و قلبْ بهذا الشكل المُخزيّ المثير للشفقة و الذي يجعلها رخيصة الثمن في نظره _حتي و إن كانت زوجته_ ،..
_كيف تهرب من سؤاله البسيط ذاك ؟ فإجابتها في كلتا الحالتين ستكون ك"عذر أقبح من ذنب" ،..
_الحق يُقال ،إن ليلة آمس كانت مميزة جداً و خاصة بشكل غريب و فريدة و كأن -بالفعل- لا إمرأة غيرها على وجه الأرض .. إلا إنه -ببساطة- أخرجها من ذلك العالم فجأة على الواقع المرير القائم بينهما !!،..
_عندما طّال بينهما الصمت .. أغمض عينيه متنهداً بإختناق ثم فتحهما و تركها ليبعد ذراعيه عنها تماماً و أشاح بوجهه عنها ليستلقى على الفراش بآريحية زائفة ، عقد ذراعيه أسفل رأسه و أصبحت أنفاسه هادرة بغضب و عنف أرهبها و بدأ جسدها في الإرتجاف مجدداً إلا إنها أختارت البقاء على صمتها .. تجاهد خوفها .. ترفض سطوته التي فرضها عليها و ترفض جبروته و تبغض بشدة إرضاء غريزته بإسماعه الإجابة المنشودة الذي ينتظرها ،، أمال رأسه ينظر إليها نظرة سريعة بحدقتين مشتعلتين بصبر يكاد ينفذ ..
_مرت لحظات قبل أن تجحظ بحدقتيها رعباً و تسمرت في مكانها عندما شعرت بالفراش يكاد يسقط بها متهشماً آثر إنتفاضته واقفاً من عليه .. فلم تستطع منع نفسها من القفز سريعاً من فوق السرير لتستقر واقفة على الجهة الأخرى من الفراش ، تلهث بأنفاس ذاهبة خشيةً من أن يهجم عليها في أية لحظة ،، .. إلا إنه وقف على الجهة الأخرى ، عاريّ الصدر ، واضعاً كفيه في خصره .. يرمقها بنظرات وحشية شرسة من أخمص قدميها إلى شعر رأسها لكن نظراته ذابت قليلاً و توقفت عينيه قليلاً ، يتفحصها في قميصه الذي يكاد يبتلعها بداخله .. تبدو فيه صغيرة و ضعيفة و هّشة للغاية .. و وجنتيها ، وجنتيها متوردتان -لا إرادياً- و وجهها شاحب و بشرتها كريمية شفافة تكاد تكشف عن خلاياها ..
_لا يعلم ما الذي جعله يقف مكانه مسمراً أمام هيئتها تلك .. -فتون- .. ستظل دائماً و أبداً شيء جميل غير مفسر أقتحم حياته -على حين غفلة منه- لتسلبه لبُه و أنفاسه و عقله في أبسط هيئة لها و آقل حركة عفوية تصدر عنها ..
كّم هي جميلة !! ،، وجهها قُبلة للنظر .. للسؤال دوماً عما يخطف أنفاسه عند النظر إليها أو الشعور بها حوله !!،..
_بينما كانت هي -على الجهة الأخرى- تنظر إليه بشفتين فاغرتين .. عينيها مثبتتان على عينيه بذهول تقرأ بهما أهولاً ؛أهولاً لا تُعد سوى جزء بسيط مما يجيش بصدره تجاهها في هذه اللحظة على وجه الخصوص؛
.. لقد نفذ صبره .. هذا هو التفسير الوحيد لما تراهُ بعينيه الآن !! .. لقد نفذ صبره منها و من حماقتها و برودها و إزهاق روحها أصبح وشيكاً على يديه ،، .. كانت نظراته شرسة عنيفة تشيّ ببساطة عن عاصفة ضبابية على وشك إقتلاع الأخضر و اليابس بينما ملامح وجهه كانت جدية .. صلبة .. ثابتة و متزنة كما عهدتها منه دائماً ..
_بعد دقائق بغيضة ما كانت تنتهي من الصمت الغامض ، قطع آنس الصمت بينهما عندما همس بشرود قاطباً جبينه بضيق بينما عينيها مثبتتان على عينيها ليقول،
: أحياناً بتكوني قاسية بجبروت، .."صمت لحظة ثم مّط شفتيه ليتابع بنزق يشوبه السخرية".. ،بحس إنك لوح جليد مش بنيّ آدمة !!،.
_عقدت مابين حاجبيها و عبست بشدة و أردفت بحنق وهي ترفع سبابتها في وجهه مُسترعية إنتباهه،
: و أنتَ أحياناً بتنسى نفسك و بتنسى المعاناة اللي تحملتها لوحدي طول الأربع سنين اللي راحوا من عمري هّدر و بتطالب بحقوق وهمية بدون أي وجه حق ،..
_ما كادت أن تتنفس الصعداء بعد إنتهائها من صياحها الهادر الوحشي بوجهه ثم آستدارت تنوي المغادرة إلا إنه أمسكها من مرفقها بقبضته بقوة جعلتها ترتد خلفاً بتعثر و التفتت برأسها إليه بحاجبيان منعقدان بفتور .. بينما كان هو مسلطاً أنظاره على نقطة ما وهمية في آخر الغرفة و أردف يقول بخفوت خطير و حِده شرسة،
: مش هسمحلك تهربي و تخرجي من هنا إلا إذا جاوبتي على سؤالي !!،.
_رفعت وجهها تنظر إليه بحنق غاضب بينما قلبها يقصف كالرعد .. صمتت لحظة تحاول تهدئة صدرها العاصف بجنون ثم رفعت ذقنها بإباء و أجابته بتحدي،
: أفهم من كده إنك مصمم تاخد إجابة على سؤالك ، حاااضر ، ببساطة يا آنس بيه ..لأ.. مش مسامحاك و بعد اللي عملته ده ، إنسى إني أسامحك أبداً ..
_أنهت حديثها ثم آستدارت توليّه ظهرها ، غير قادرة على مواجهة عينيه لحظة أخرى .. أغمضت عينيها .. تعض على شفتها بضيق وهي تتسائل محدثة نفسها بإستنكار،
: ليه !، ليييه يا فتون !! كان إيه ضرورة كلامك السم ده !!،..
_إلا إنها جحظت بعينيها و شهقت فجأة عندما شعرت بكفيه تحيطان خصرها بقوة تديرانها إليه مجدداً .. دافعاً إياه إلى الخلف إلى أن سقطت فوق الفراش ثم إنحنى إليها مُثبتاً كفيه بجانبي وجهها .. مُعيقاً حركتها تماماً .. فغرت فاهها بذهول و نظرت إليه ترمقه بأنفاس ذاهبة رعباً وهو يعلوها و قد آشتد الغضب في عينيه .. لكنه لم يأبه بنظراتها المرتعبة و جسدها المرتجف بين ذراعيه و قلبها الخافق بجنون آسفل صدره و أردف يقول بهسيس غاضب من بين أسنانه،
: أنا أجبرتك !!،
_دفعته بكفيها في صدره تحاول النهوض من ذلك الحجز الذي يحيطها به إلا إنه دفعها مجدداً و أمسك بمرفقيها بكلتا قبضتيه يثبتهما بجانب رأسها بقوة و أستكمل بصوت قاتم .. جليدي يقول،
: مش هتتحركي من مكانك قبل ما تجاوبيني ، أنا أجبرتك !!، خدت منك حاجة غصب عنك !!، .."صمت لحظة ليتابع بحاجبيان منعقدان و جبين مقطب بتساؤل ساخر و إزدراء".. ،أتهجمت عليكي ولا يمكن أغتصبتك و أنا مش واخد بالي !!، .. أنطققققققي !!،.
_صاح بكلمته الأخيرة بصوت جهوري جعلها تنتفض بمكانها و أزداد إتساع حدقتيها ذعراً و أجابته سريعاً تهز رأسها نفياً عدة مرات -خوفاً منه- إلا إنه -في حقيقة الآمر- لم يجبرها بالفعل .. أزدردت ريقها بصعوبة و هي تنظر إليه غير قادرة على النطق بكلمة ..
_ترك مرفقها الأيسر و مد يده فجأة يقبض على ذقنها بقبضة من حديد فأغمضت عينيها لتطبق بجفنيها عليهما تُأن آلماً بصمت بينما أردف هو يقول بصوت جاف خطير في هدوئه،
: و طالما هو لأ .. بتعملي ليه كده !!، قاصدة تنكدي على نفسك و عليّا ليييه !!، إيه كمية القسوة و البرود اللي فيكي دي !!،.
_أزدادات إرتجافتها دون أن تتجرأ على الردّ عليه .. فضغط على فكها أكثر يهزها بقوة وهو يأمرها بخشونة صائحاً،
: أفتحي عينك !!،
_هّزت رأسها نفياً بقوة تأبى الإنصياع لآوامره .. تجاهد بقوة لمنع دمعة خلف جفنيها المطبقان من السقوط .. لكنه عاد ليهز ذقنها بقوة أعنف ، فأضطرت أن تفتح عينيها بضعف و وهن حينها تحررت الدمعتان الحبيستان على وجنتيها بصمت ، فأهتزت عضلة بفكه لوعةً عليها و ترك ذقنها دون أن يحررها تماماً ، بلّ أخذ يدلك لها فكها بكفه بحنو ثم مّال برأسه ليستند بجبينه على جبينها و أغمض عينيه بتقطيبة ليردف بخشونة أجشة هامساً،
: ليه المُكابرة يا فتون !! أنا بحبك و أنتِ بتحبيني .. ليه المُكابرة و القسوة !! ليه نستنى لحد ما البُعد يقضي علينا !! ليييه !!،.
: آ.. آنس !،.
_لم تدري بنفسها إلا و هي تهمس بإسمه متأوهه بخفوت و رجاء ضعيف .. ليتناسى هو كل ما كان منها بكل ما ذكرته حالياً عندما سمع رجائها واضحاً و ظل مكانه مسمراً قليلاً ثم رفع رأسه ينظر إلى وجهها المتألم بحدقتان متسعتان قليلاً لكن بملامح وجه متصلبة .. و لم يلبث أن هبط إليها بوجهه يقتص منها بشدة و عنف .. لم تكن قُبلة بلّ كانت عقاب حتمي و هي من فرضته على نفسها .. و قد كانت هي أكثر من مُرحبة بعقابها عندما رفعت ذراعيها تحيط بهما عنقه بضعف -تحتمي فيه منه- ،..
_و قبل أن يهزمها ضعفها و تعلن إنصياعها الكامل له -جسداً ،و روحاً ،و قلباً ،و قالباً- ، إلا إنها فوجئت به ينتفض مبتعداً عنها و مد يده ليلتقط إحدى الوسائد و غطاء و حانت منه نظرة أخيرة إليها حيث كانت لازالت ممددة على الفراش تنظر إليه بجبين مقطب بتوجس .. بينما أندفع هو خارجاً من الغرفة دون أن ينطق ببنت شفهة و صفق الباب خلفه بقوة جعلتها تنتفض لتعتدل جالسة و أخذت ترمق الباب المغلق بحدقتين متسعتين قليلاً و صدرها يلهث من التوتر .. ثم أخيراً حين تأكدت من إستحالة رجوعه الليلة .. شعرت بقلبها يهدأ ، ليطفؤ فجأة في الفراغ و أرتمت على الفراش و وضعت كفيها على وجهها لتهمس محدثة نفسها بجزع،
: ليه عملت كده !، ليييه !، طالما أنا مسامحاه .. ليه الكلام بيندفع مني و بوجعه بالشكل ده !، لييييه !!،..
___________________________
_بعد مرور عِدة أيام .. الوضع القائم كما هو عليه ..
_لازالت فتون تجاهد لتتسامح مع نفسها -قبل أن يكون معه- ،، تتحين الفُرص للإلتقاء به و عندما تواجهه ، يكون حديثها جاف بارد يشوبه الإمتعاض -على عكس ما كانت تنتويّ أن يكون- ، نظراتها إليه مشتاقة .. مترجية و بداخلها يتلوى لوعةً على ليلة كتلك التي أمضتها بين أحضانه ، ليلة تتصالح فيها مع روحها و معه .. ليلة تتصافى فيها المشاعر بينهما و ينسيا كل ما كان و لا يتذكرا سوى إنهما معاً في عالمهما الخاص بلا هّم ، بلا غّم ، بلا مشاكل و بلا ماضي ..
_في حين إنه أصبح يتجنبها تماماً .. يتجاهل وجودها عامداً متعمداً .. يتهرب منها و من عينيها المترجيتان دوماً .. يعافر مع نفسه محاولاً ترويض مشاعره إتجاهها أبياً الإنصياع لروحه التي تهفى شوقاً إليها .. لا يقترب منها -على الإطلاق- بلّ أصبح يتعمد الغياب عن المنزل فترات طويلة إلى أن يتأكد من إستحالة أن تكون لازالت مستيقظة ،حينها يعود ليلتقط وسادته الملعونة و غطائه الذي أصبح هاجس بالنسبة إليه ،يذكره بتلك الليلة الخاصة في حياتيهما و ذلك الصباح المشؤوم بينهما ،، ثم يهرب سريعاً من محيط تواجدها لينام بمفرده على الأريكة التي تتوسط غرفة الجلوس بالجناح و يستيقظ -متعمداً- قبل الجميع و يذهب إلى الشركة ولا يعود إلا في ساعات الصباح الأولى و ساعده على ذلك التجاهل ، إنشغال الجميع في التحضير لخطبة چويرية .. فأصبح يظهر فجأة و كذلك يختفي .. في حالة من الهدوء و التفسير الأوحد لذلك الهدوء .. ليس إنه هدوء ما قبل العاصفة ، بلّ إنه العاصفة بذاتها ،..
_بينما من جهة أخرى ،،
_كانا چويرية و هاشم يستعدان لحفلة خطبتهما المزعومة ، أجل إنه هاشم ..
و لقد أتفقا كلاهما على أن يجعلا فريد يركض في الأزقة و الشوارع صائحاً بإسمها .. لكي يصبح -مجنون چويرية- كما أصبحت هي -مجنونة فريد- ،..
_في حين أن فريد كان يتابع التجهيزات و التحضيرات بشيء من الهدوء و الصمت الغامض ، دون أن يستطيع تفسير سبباً لتلك الغصة التي تنتاب خافقه كلما رآها ،..
_بينما كانت فرحة تستعد لجلسة المحكمة الأولى التي تم تحديدها في أول مايو القادم .. و في حين أن چياد يتابع أبعاد القضية مع المحامي لحظة بلحظة دون كلل أو ملل ،، .. كانت عُدي من الجهة الأخرى يتابع أعماله بهدوء شديد دون أن يغفل عن متابعة حال زوجته .. لا يسمح لها بالإبتعاد وهي كذلك كانت لا تمكنه الفُرصة لمجرد المحاولة ،..
_بدأت فدوى في التأقلم شيئاً فشيء مع الوضع الجديد الذي يصاحبه غياب زوجها للآبد ، قررت تكريس حياتها لصغيرها على أن تكون له أُماً و أب ،..
_أما عن جنة ، فوضعها الحالي يثير التساؤل حول ما تزعّم عليه .. حالة من الوِد الغريب تحاول إفتعالها بينها و بين عائلة الصاوي بأكملها عدا واحدة منهم .. تتجنبها بكل شكلاً كان و تتحين الفُرص لتهرب منها .. نيرمين .. ، أصبحت تلك السيدة هاجس بالنسبة إليها لا يسعى سوى خلف الشر و هي قررت الحفاظ على ما تبقى لها من صورة جيدة مهتزة بأعين الجميع ، لِذا أبتعدت عنها أو ربما هكذا تدعيّ ،..
__________________________
_يوم الخطبة ،..
_كانت الحفلة رائعة من شدة بساطتها .. آقتصرت على العائلة فقط و بعض الأصدقاء المقربين تلبيةً لطلب چويرية التي أتفقت مع هاشم على أن تكون الحفلة بسيطة لا يحضرها الكثيرون وهو كان من جهته أكثر من مُرحب بهذا الطلب ،..
_بدت چويرية كالبدر في ثوب بلون الورد الچوري ، قصير يصل إلى ما بعد ركبتيها بقليل ، ذو حمالة عريضة بيضاء مطبعة بورود چورية كبيرة ، بدون أكمام ، و جمعت شعرها في ضفيرة جانبية معقدة بدأت من جانب وجهها لتنتهي في آخر شعرها المستريح على كتفها الأيسر  ..
_بينما كانت فتون مثال حيّ على البساطة و الرِقة و الهدوء و الفتنة في الوقت نفسه في ثوب بلون القهوة خاليّ من معالم الحياة .. طويل يصل إلى كاحليها ، يضيق عند الصدر لينزل هفهافاً يداعب خصرها بهدوء ،، ذو حمالة عريضة من نفس لون الفستان و تنتهي عند جانبي صدرها بفيونكة صغيرة و رفعت شعرها لأعلى على شكل ذيل حصان مرفوع .. فكانت إسم على مسمى في فتنتها التي سّلبت أنفاسه ما أن رأها ليقف أمام حُسنها لدقائق صامتاً ،، كانا كلاهما زوجاً مثالياً للأخر حين تجلى هو الآخر في حِلة بنفس لون ثوبها و قميص من اللون البني الغامق .. ليكونا معاً آية في الهدوء .. و الآلم ثالثهما ،..
_و في حين كانت فرحة واقفة ضاحكة بسعادة بجوار چياد الذي كان يمسك أبنتيهما من خصرها ليراقصها بمرح و سعادة ،، كانت غّرام جالسة بجوار عُدي لا تفارقه للحظة .. متمسكة بمرفقه بكلتا كفيها و كأنها تخشى أن يهرب منها ،، و كانت فدوى جالسة بجوار الجدة كوثر ، تتأمل صغيرها الذي أخذ يركض يميناً و يساراً ببراءة ،..
_و في ظل كل ما يحدث من حوله ،، كان فريد واقفاً بعيداً بمفرده -و رغماً عنه- لم يستطع أن يبعد عينيه عن تلك العروس لحظة و عندما تناول هاشم كفها ليضع خاتمه في بنصرها الأيمن ، حانت منها نظرة غير مبالية سريعة إليه .. وحده يعرف إن تلك النظرة كانت تحمل الكثير في لامُبالاتها الزائفة ،، ربما لو رجل آخر غيره لما وجد في إدعاء مبادلتها الحب مُشكلة ، فبطبيعة الحال ليس كل الرجال يكونون دائماً صادقين إلا هو .. بالنسبة إليه هو تحديداً ، لا يستطيع أن يفعل .. كان بداخله يتآكل غضباً على نفسه فهو يشعر بقسوة ما إقترفه في حقها و خاصة عندما آتاها بخبر العريس المزعوم ، بدلاً من أن يُبادلها الحب الذي تستحقه -وهو على يقين بحبها له- ألقاها بيديه بين أحضان رجل غيره ،،..
: مش ملاحظ إنك واقف شبه اللوح !!و إنها خلاص ركنتك على الرف يا معلم !!،.
_آستدار فريد بحدقتين متسعتين قليلاً بصدمة عندما وصل إلى مسامعه ذلك الصوت الذكوري الخشن الخافت الساخر ، فوجد آنس واقفاً بجواره رافعاً إحدى حاجبيه بسخرية و يديه في جيبي بنطاله ،،
_عقد فريد ذراعيه أمام صدره و هّز رأسه إيجاباً ثم أجابه يقول بصوت أجوف،
: ملاحظ ،.
_هّز آنس رأسه بشرود وهو لا ينظر إليه ، بلّ كانت عيناه عالقتان بتلك صاحبة الثوب ذو الفيونكة و ذيل الحصان الذي يستفزه لكي يجذبها منه معاقباً إياها على حالة الكبت الميؤوس منها الذي أصبح يعانيه مؤخراً .. زّفر آنس بنفاذ صبر عندما وجدها جالسة تتوهج برِقة بين ذلك الجمع إلا إنها -في حقيقة الآمر- لم تكن هنا تماماً ،بلّ كانت شاردة بعيناها .. يرتكز بصرها على نقطة ما وهمية على الجدار المواجه لها و مرت لحظات قبل أن يشيح بوجهه عنها ثم ترجل خارجاً من القصر ليقف في البهو الواسع و أخرج سيجارة ليشعلها و ينفث دخانها بعنف عله يهدئ تلك النار المتأججة بداخله ،..
_لحق به فريد و آقترب منه ببطء حتي أصبح واقفاً بمحاذاته .. ناظراً إلى الليل الأسود أمامهما بشرود ثم أردف متسائلاً بخفوت،
: بالمناسبة ، إيه أخبارك أنت و فتون !!،.
_أخذ آنس نفساً عميقاً ثم تنحنح مجلياً نبرته ليردف بخشونة مغيراً الموضوع،
: مش وقته، .."ثم آستدار إليه و قطب متسائلاً" .. ،طمنيّ أخبار موضوع الحادثة إيه !، متابع مع الطبيب الشرعي التطورات ولا إيه !!،.
_أومأ فريد برأسه إيجاباً و أجابه بجدية شديدة،
: أتطمن ، متابع معاه أول بأول و إن شاء اللّٰه التقارير النهائية هتظهر في خلال يومين بالكتير ،..
: عظيم ،
_همهم بها آنس بخفوت ثم أبتسم ليتابع بجدية مرِحة وهو يربت على كتف فريد بإمتنان،
: بس تصدق باللّٰه ، أنا مش عارف أشكرك أزاي على العريس اللقطة ده ! .. أنا مديونلك بحياتي بجد لإنك خلصتني من هاشم ، .. أنت عملت معايا واجب مش هنسهولك !،.
_أطلق فريد ضحكة عالية و ما أن أنتهى ، حتي هّز رأسه بسخرية ليردف بيأس،
: أيوة يا أخويا ، من غبائي خلصتك منه و لبست فيه أنا ،..
_أصدر آنس قهقهة خافتة ثم رّبت على كتف فريد ليتابع بجدية و هدوء،
: أبعد عنها لفترة و سيبيها تجرب حظها مع غيرك يا فريد، .."صمت لحظة ثم مّط شفتيه تزامُناً مع هّزة لكتفيه ليتابع حديثه ببساطة".. ،اللّٰه أعلم !، مش يمكن كل ده حصل علشان في النهاية تكون لهاشم !، ربنا أكيد ليه حكمة من خطوبتهم !،..
_آستدار إليه فريد في حركة خاطفة ينظر إليه بحاجبين مرتفعين و عينان متسعتان قليلاً بذهول ليقول بسخرية،
: مين بيقول الكلام ده !، أنت آخر واحد يتكلم عن معاملة الستات يا آنس !،.
_أطلق آنس ضحكة مرِحة ثم هّز كتفيه ببساطة و أجابه يقول بشيء من الكبت،
: كل إنسان بيكون في غاية الحكمة وهو بينصح غيره !، و أنا -عن نفسي- مش بقبل الإستسلام للآمر الواقع، .."ثم وضع كفه مفروداً على صدره علامة النزاهة و الشرف و أستكمل بفخر مرِح".. ،و أعتقد إني أستحق وسام الشرف على كفاح الأبطال اللي بخوضه حالياً مع حرمنا المصون ،..
_أطلق فريد ضحكة عالية و هّز رأسه مؤيداً بينما رّبت آنس على كتفه و تابع بخشونة،
: فكر في كلامي ،.
_عبس فريد و هّز رأسه موافقاً بصمت بينما تركه آنس و دّلف داخل القصر باحثاً عن فاتنته .. فهو لا يطمئن كثيراً حين تغيب عن عينيه لفترة طويلة .. فلربما ركبت صاروخاً إلى العالم الآخر هرباً منه ،..
___________________________
_بعد مرور ما يقرب إلى الأسبوعين ،..
: محكمة !،.
_صّدعت تلك الكلمة في أرجاء قاعة المحكمة لتهدر مخترقة أذنيها بقوة عصفت بأعماقها لترتجف بجزع و كان هو أول من شعر بإرتجافتها عندما أرتجف كفها بين كفيه و أصبح جسدها -في لحظة- في برودة الثلج و تصلبت أناملها تزامُناً تجمد الدماء في عروقها .. شدد چياد من الإمساك بكفيها .. نظرت إليه بجبين مقطب بآسى ، فهمس لها بحركة من شفتيه دون أن يصدر صوتاً يقول بحنو،
: أنا معاكي .. متخافيش !،.
_أبتسمت له إبتسامة مهتزة ثم حانت منها نظرة إلى كفيهما معاً و شردت .. شردت في مشهد كهذا كان كفيهما متشابكان بنفس الصورة ، في وقت كهذا آقرب إلى ساعة العصاري لكن مع إختلاف الأماكن و الحدث و قِلة الوجوه المحيطة بهما ،.
#Flash_back ..
_كان قد مّر أسبوعين على تلك الحادثة المشؤومة التي أفقدتها أعز ما تملك .. كانت لاتزال في المشفى ، ممددة على فراشها ، مغمضة عينيها و دموعها تنساب بصمت و آسى على وجنتيها عندما وصل إلى مسامعها صوت إحداهما يتنحنح بخفوت .. ففتحت عينيها لتجد أمامها شاباً يبدو في أوائل العشرينات ذو لحية خفيفة جداً و يحمل بين يديه باقة ورد منتقاة بعناية و دقة .. نقلت نظراتها بينه و بين الباقة بجبين مقطب بإستغراب و رفعت كفيها لتمسح بأناملها دموعها المنسابة فوق وجنتيها لتردف متسائلة بإستفهام،
: مين حضرتك !!،
_أجابها چياد بخفوت،
: چياد الصاوي ، أنا ..
_قاطعته فرحة لتهز رأسها بتفهم و أستكملت هي عوضاً عنه بهدوء،
: عرفتك ، حضرتك اللي وصلتني المستشفى ، أنا فرحة .. أتفضل !،.
_همهمت بالكلمة الأخيرة وهي تشير بكفها إلى الكرسي المقابل للفراش تدعوها للجلوس .. فوضع چياد الباقة بعناية على الكومود بجوارها ثم جذب الكرسي ليضعه بالقرب من الفراش و جلس ليتنحنح بتردد و أردف متسائلاً،
: أنتِ بخير دلوقتي ،مش كده !!،.
_فرحة بسخرية،
: حسب فكرتك عن الخير !،
_تنهد چياد بآسى و مرت لحظات وهو ينقل نظراته بين وجهها و بين كفها الموضوع بجوارها على الفراش بآريحية ثم دون تردد مّد يديه ليتناول كفها بين كفيه ليقول،
: تتجوزيني !!،.
_جحظت فرحة بعينيها و شهقت بغير تصديق و قبل أن تنطق ببنت شفهه أخرى .. أستكمل هو حديثه يقول ببساطة وهو يهز كتفيه بإستسلام،
: مفيش قدامنا حل تاني ، الحيوان اللي وصلك لهنا هربان و أبوكي متهمني أنا في اللي حصلك، .."صمت لحظة ليتابع بخيبة آمل".. ،ده بِخلاف إن أعز صحابي شهد زور و ثبت التهمة عليّا و أبوكي بيساومني .. إما أتجوزك أو يسجني !!،.
………
: تؤجل الجلسة إلى أول يونيو القادم على أن يستدعى كُلاً من .. الشاهد الأول / مصطفى سالم الجندي ،و المدعي عليه / نادر صفوت نادر ،و والد المدعية / عاصم الجوهري .. ،رفعت الجلسة ،..
_أفاقت فرحة من شرودها منتفضة على تلك الكلمات لتشهق فجأة بجزع ، فوضعت كفها على فمها لتقول بذعر تأبى التصديق،
: هيستدعوا بابا !!،.
_رّبت چياد على كفها و ضمها إليه ليقول بحنو،
: متخافيش .. عامل حسابي ،..
__________________________
_بعد مرور ثلاثة أيام دون أن يرى بعضهما البعض لحظة منذ حفل خطبة چويرية و هاشم ،.
_عاد من عمله هذاً اليوم مبكراً -رغماً عنه-  عندما شعر بدوار خفيف .. ذقنه الغير حليقة و عينيه الحمراوين ، خير دليل على عدم الإستكانة للحظة نوم منذ عِدة ليالٍ .. و كيف يهنأ و الفاتنة ذات ثوب القهوة تزوره في منامه ما أن تغفو عيناه و ذكرى ليلتهما الوحيدة تؤرقه كل ليلة ..لينهض لاعناً موبخاً نفسه على ذلك الضعف الواهن الذي ينتابه في حضرتها ..
_دّلف إلى جناحهما بصمت ليغلق الباب خلفه بهدوء و خلع سترته ليلقيها بإهمال على أحد المقاعد و إتجه إلى مرحاض الغرفة وهو يرفع كُميَّ القميص إلى مرفقه لكنه توقف فجأة عندما وجد الباب يفتح لتخرج منه وهي تجفف يديها بمنشفة صغيرة ..
_وقف مكانه و كذلك تسمرت هي مكانها و تلاقت أعينهما ، أرتبكت و أخفضت وجهها سريعاً و أخذت تفرك يديها ممتنة لتلك المنشفة التي تخفي إرتجاف يديها و مرت لحظات قبل أن تزفر بإختناق عندما تذكرت تجاهله لها طوال الأيام الماضية ،.
_طال الصمت بينهما كثيراً حتي أصبح كثيفاً .. خانقاً .. محرجاً و لم يبد على وجهه الجامد إنه ينويّ الكلام قريباً وهو واقفاً يرمقها بصمت من أخمص قدميها إلى شعر رأسها ،واضعاً كفيه في جيبي بنطاله .. لِذا تنحت هي عن طريق المرحاض و أتجهت إلى غرفة النوم دون أن تنطق ببنت شفهة ،.
_تنهد آنس بنفاذ صبر ثم دّلف إلى المرحاض و بعد إنتهائه من حلق ذقنه و أخذ حمام .. دّلف إلى غرفة النوم ليجدها واقفة بمفردها تنظر من النافذة محدقة في الظلام أمامها ، كانت مستندة بإحدى مرفقيها إلى شّراع النافذة و أستندت بجبينها إلى كفها بينما اليد الأخرى تسللت ببطء أسفل سترة منامتها و أخذت تملس على بشرة بطنها المسطحة بشرود غريب لتهمس محدثة نفسها وهي تبتسم بإرتجاف،
: لازم أقوله !، لازم يعرف !، .. لازم أسامحه و يسامحني .. ، علشانها هي مش علشاننا ،.
_تنحنح آنس بخفوت يسترعى إنتباهها ، فأنتفضت سريعاً و أنزلت ذراعيها بجانبها و آستدارت إليه تهز رأسها متسائلة عما يريده بصمت ، فأجابها آنس بخشونة،
: ممكن نتكلم شوية !، فيه موضوع مهم جداً لازم يكون عندك عِلم بيه !،.
_تنهدت تنهيدة عميقة و أردفت متسائلة بتعبير وجه متعب للغاية،
: مش دلوقتي لو سمحت أنا تعبانة و عاوزة أنام !!، ينفع نأجله !!،.
_هّز رأسه نافياً و أجاب،
: مش هينفع يتأجل يا فتون ، لو سمحتي !، لازم تفهمي اللي بيحصل مني أنا شخصياً علشان تكوني مدركة إن ده حقي و حق أخواتي و أنا بدافع عنه و تكملي بعدي .. في حالة إن يجرالي حاجة في أي لحظة !!،.
_قطبت بعدم فهم و أتجهت إليه من فورها لتقف في مواجهته متسائلة بإستغراب،
: حق إيه و أكمل إيه و يجرالك إيه ، مش فاهمة !،.
_حاوط كتفيه بكفيه و دفعها للخلف إلى أن أجلسها على طرف الفراش ثم جذب مقعد طاولة الزينة ليجلس عليه أمامها و أجابها بهدوء يناقض تأزم الموقف يقول،
: عاصم الجوهري !،
_زفرت بضيق و أردفت متسائلة بحنق،
: يعني أنت مش لاقي حد تكلمني عنه غير عاصم الزفت !!،
: فتون !، .."همهم بها آنس بصرامة مقاطعاً ليستكمل".. ،الوضع جديّ ولا يحتمل أي سخرية أو خناق .. لو سمحتي أسمعيني من سُكات و بعدها قولي اللي أنتِ عاوزاه !،.
_رفعت حاجبيها بإستغراب و أردفت متسائلة بحذر و قد بدأ القلق يدب في أعماقها،
: سامعاك !،.
_أخذ آنس نفساً عميقاً و زّفره بقوة ليردف،
: بإختصار ، أنا حالياً أكاد أكون متأكد إن عاصم الجوهري هو السبب ورا حادثة أبويا ،، ده بِخلاف إنه لما عِرف إني عرفت بدأ يهددني بكل الأشكال الممكنة و أولهم بيكي ،..
_جحظت بحدقتيها ذعراً و همست بتلعثم متسائلة،
: يعني إيه !، هو .. هو يعني ممكن يوصلي و أنا ه .. هنا !!،.
_قطب جبينه غضباً و أسرع بضمها إلى صدره و كأنه يطمئنها إلا إنه -في الواقع- كان يلتمس منها الطمأنينة و أردف يقول بخشونة أجشة،
: متخافيش ، أنا حمايتك و طول ما أنا موجود على وش الدنيا .. محدش يقدر يلمس شعرة منك ،..
_أبعدها عنه قليلاً لكن دون أن يحررها تماماً ليلتقي بعيناها و تابع حديثه بجدية شديدة،
: في حاجة كمان ، أنا عارف إنك مش هتعرفي تواجهي بعض الأشخاص في عيلتي في حالة إن يجرالي حاجة و لذلك قررت أحول كل أملاكي بإسمك بنفسي بما إن الموضوع لازال تحت تحكمنا علشان أكون متطمن عليكي ،..
_عقدت حاجبيها قليلاً بعدم إستيعاب ثم همست بإستنكار وهي تهز رأسها نفياً بإعتراض،
: لأ ،.
_تنهد آنس تنهيدة عميقة و عاد ليجذبها إليه مجدداً إلى أن أرتاحت رأسها على صدره و أخذ يمسد لها شعرها بحنو وهو يقول بإجهاد،
: كده أفضل يا فتون .. أنتِ وريثتي الوحيدة و أنا عاوز أتأكد من ده بنفسي ، علشان مش عاوزك تتعبي في الإجراءات ،.
_شهقت فتون باكية و أغمضت عينيها تستسلم لذلك الإحساس الرائع بالدفئ بين أحضانه -ربما للمرة الأخيرة- و رفعت ذراعيها بتلقائية تحاوط بهما عنقه و جذبته إليها أكثر لتردف همساً في أذنه بخفوت،
: أنت مينفعش يجرالك حاجة ، أنا قولتلك قبل كده .. أنت لو سبتني ، أنا هقتلك !،.
_قاطعتها ضحكته الخشنة ليردف بعد أن أنتهي قائلاً بإستنكار ساخر،
: يعني هموت و كمان هتقتليني ، مفيش رحمة نهائي !!،.
_لكمته في معدته بغضب و أبتعدت عنه لترفع سبابتها في وجهه تقول بصرامة مُشبعة بالقسوة،
: مش عاوزة أسمع كلمة زيادة في الموضوع ده ، واضح !!،.
_مّط شفتيه و هّز رأسه بيأس ثم أردف يقول بإستسلام،
: حاضر ،، حاجة أخيرة .. أنا عينت حراسة على القصر و أتنين منهم هيكونوا مسئولين عنك أنتِ بس ، فياريت يا فتون بلاش تتعبيني و تتعبيهم و كوني متعاملة لحد ما نقفل موضوع القضية دي للآبد ، ممكن !!،.
_أومأت برأسها موافقة بجبين مقطب بعدم إستيعاب إلا إنها لم تكن في حال يسمح لها بالمناقشة أو الإعتراض ،.
                                                    ……………………………………
_كانت الرؤية أمامها منعدمة .. هدوء غريب آثار ريبتها .. الظلام الأسود -ليس فقط يحيط بها- ، بلّ تسلل إلى داخلها إلى أن أصبح قلبها مظلم كذلك .. عزاؤها الوحيد إنها تعلم إنها في النهاية سينتهي بها المطاف في قلاع حمايته ..  إلا إنها بدأت ترتاب فالظلام لا ينتهي مهما أبتعدت ، فأخذت تركض و تركض و أصبحت أنفاسها لاهثة بصعوبة .. إلى أن وجدته .. كان واقفاً هناك في نهاية الممر المظلم و هذا ما أعطاها الآمل و أزارها على المتابعة ،..
_كان واقفاً بهيئته الصلبة المعهودة و يبتسم لها مشجعاً على المثابرة ..
: آنس !!،.
_صاحت بها و الصدمة تجلل وجهها عندما وصلت إلى أخر الممر لتجده مُلقى أرضاً و الدماء تحيط به من كل مكان .. لتتلاشى فجأة إبتسامتها ، كما لو إنها نور و أنطفأ .. جلست القرفصاء بجواره و رفعت رأسه لتضمها إلى صدرها.. صعقتها تعابيره .. كانت عيناه العسليتان تحترقان في محجريهما .. خطوط وجهه متقلصة تعبر عن عمق الآلم الذي يعانيه ..
_لوهلة أنفرجت شفتاها قليلاً و كأنه موشك على قول شيئاً ما .. لكن صوته لم يخرج ، فأغلقهما و أغمض عينيه بعدها بإجهاد إلا إنه عندما وجد صوته همس لها بتحشرج ضعيف مجهد و نبرة متحشرجة ليقول بكلمة واحدة عصفت بكيانها و جعلتها تجحظ بذعر،
: عا.. عااااصم !!،.
_شعرت بأنفاس متهدجة خشنة تأتي من خلفها .. فحانت منها إلتفاتة إلى مصدر تلك الأنفاس البغيضة التي تحمل عبق رائحة كريهه ، لتجده أمامها واقفاً بشموخ في نهاية الممر بدلاً من آنسها .. يسد المخرج الوحيد لها من تلك الظُلمة سداً ..
_جحظت بحدقتيها و شهقت مفزوعة و تراجعت للخلف تلقائياً وهي تزحف على الأرض إلى أن وصلت إلى جدار خشبي منع إبتعادها أكثر .. تسارعت أنفاسها و همست بترجي يكاد يسمع تقول بتشنج،
:آنس قووووم !، آآآنس !!،.
_لكنه حاول و لم يستطع .. و فجأة مّال عاصم عليها كالوحش ليرفعها من خصرها عن الأرض حتي كاد أن يقسمها إلى نصفين و أخذ يدور بها في الظلام و يدور إلى أن شعرت بدوار شديد يعصف بها و أخذت تصرخ و تصرخ مستنجدة بآنسها أن يلحق بها ، إلا أن صرخاتها ضاعت هباء وسط ضحكات عاصم الوحشية الذي جذبها فجأة ليسقط بها في هّوة سحيقة .. ينهل منها بشراسة و من كل ذرة في روحها و كيانها قبل جسدها ،..
_إنها تتذكر هذا الموقف جيداً ،، هناك ما سيوقفه قريباً .. لا تتذكر تماماً ماهو ، إلا إنه سيتوقف عند نقطة ما .. إلا أن الزمن يمر بهما دون أن يتوقف أو يوقفه أي شيئاً كان .. يديه و شفتيه تنهش جسدها الغض نهشاً دون أدنى رادع ،..
_بدأت تصرخ من جديد عالياً لكن صوتها لا يخرج أبداً .. صرخاتها ترتد للداخل مجدداً لتصعق قلبها بقوة كالسياط يمزقها تمزيقاً بينما هو يتابع ما يفعل دون أدنى شعور بالرحمة .. و حين تمكنت من رفع عينيها المذعورتين إلى عينيه التي تحولتا من الشراسة إلى بركتين عميقتي السواد لم تتبينهما تماماً .. رفع فمه ليهمس أمام فكها بصوت لاهث جعلها ترتجف بشدة،
: آنس أنتهى !!،.
_هّزت رأسها نفياً بعنف و حاولت الصراخ مجدداً و هذه المرة نجحت .. فخرج صوتها مدوياً و أنتفضت جالسة في فراشها و العرق يتصبب على جبهتها حتي ألتصقت خصلات شعرها بجانبي وجهها الشاحب كالأموات ،، لترى إنها لازالت داخل حصون قلعته أي إنها لازالت بأمان .. فهمست بلا وعي دون أن تستفيق تماماً،
: آنس ما أنتهاش ،، آنس موجود !،.
_هّبت واقفة سريعاً لتتجه إلى غرف الجلوس حيث وجدته يترجل من المرحاض وهو يربط رابطة العنق خاصته و ما أن رأها أمامه بتلك الحالة حتي قطب جبينه بقلق و تقدم منها في خطوة واحدة سريعة و حاوط كتفيها بكفيه متسائلاً،
: أنتِ كويسة !،
_أبتسمت له و هّزت رأسها إيجاباً ثم حانت منها نظرة إلى ساعة الحائط فوجدتها السادسة صباحاً ،قطبت بحيرة و أردفت متسائلة،
: أنت رايح فين من بدري كده !!،
_كاد أن يجيب إلا إنها قاطعته عندما تابعت تقول بإبتسامة حانية،
: لو رايح الشركة ، أستناني عشر دقايق بالظبط أجهز و نروح سوا !!،.
_عقد مابين حاجبيه بعدم إستيعاب لذلك القدر من الحنان الذي أنسكب عليها فجأة لتغمره به ، إلا إنه أجابها بهزة نافية من رأسه ليقول بآسف،
: ياريت !، بس أنا مش رايح الشركة للآسف ،.
: أومال رايح فين !!،
_تسائلت بها فتون بحيرة ، فأجابها ببساطة وهو يتجه إلى الى أحد الأدراج ليتناول ساعة معصمه ليضعها في معصمه الأيسر وهو يقول،
: وصلني مكالمة من مول الغردقة ، فيه مشكلة حصلت هناك و لازم أحلها بنفسي و لذلك مضطر أسافر الغردقة !،.
_بساطة حديثه كادت أن تصيبها بجلطة على القلب من شدة بروده و لامُبالاته في الأيام الأخيرة و كأن تبلدها الجليدي أصبح عدوى و أنتشرت فجأة بينهما فأصابته بأضعاف برودها ،..
_تخصرت بكفيها لتتسائل بتذمر،
: مسافر و أنا آخر من يعلم !! يعني أنا لو مكنتش سألت .. مكنتش هعرف و كنت هبقى نايمة على وداني ، مش كده !!،.
_فرد ذراعيه على طولهما ببساطة ليجيبها بهدوء ماكر،
: أكيد لأ ، كنت هتتبع نهجك و أسير على خُطاكي و أكتبلك Note "ملحوظة" و أسيبهالك على المراية ،.
: أنت بتتريق !!، .." هتفت بها فتون بحنق غاضب ثم رفعت سبابتها في وجهه لتستكمل بتنبيه ساخر".. ،أنا لما سيبتلك Note على المراية كنت رايحة الجامعة مش مسافرة يا أستاذ ،..
_أجابها ببساطة يقول،
: إذا كنت أنا نفسي مكنتش عارف ،، الموضوع حصل فجأة و المكالمة لسه واصلني من ساعة بالكتير و كنت هعرفك !،.
_زمّت شفتيها بتذمر و عقدت ذراعيها أمام صدرها لتصدر أروع وجه غاضب من الممكن أن تراه يوماً ، حانت منه نظرة إليه بطرف عينيه وهو يرتدي سترته الرمادية اللون ، فأرتسمت إبتسامة جانبية على ثغره و مرت لحظات قبل أن تقطع هي الصمت عندما هّزت كتفيها بإستسلام و أردفت تقول بإبتسامة راجية،
: خلاص بما إنك مش رايح الشركة و كمان مسافر .. فأنا بنتهز الفرصة السعيدة دي علشان أطلب منك أجازة علشان أروح أزور ماما و بابا اللّٰه يرحمهم و بالمرة أعدي على الحيّ .. أطمن على توحة ، ممكن !!،
_سحب نفساً طويلاً و زّفره ببطء قبل أن يتوجه إليها ليمسك بكفيها و أتجه بها إلى الأريكة و جلس عليها و أجلسها بجواره ثم أستطرد يقول بهدوء و كأنه يهدهد طفلة مسترضياً إياها على موافقته،
: إيه رأيك لو نأجلها لما أرجع إن شاء اللّٰه و نروح أنا و أنتِ مع بعض نزورهم .. و كمان نقضي باقي اليوم كله مع توحة ولو تحبي نبات هناك كمان ، ممكن !!،.
_أجابته فتون بحيرة قائلة،
: طب ما أنا ممكن أروح المرة دي لوحدي و لما ترجع بالسلامة نروح تاني سوا ولا إيه !!،
_أومأ برأسه موافقاً بتفهم زائف و أردف،
: طبعاً ممكن بس أنا أفضل إنك تنتظريني و نروح سوا ، علشان أكون متطمن عليكي و أنا مش موجود ،..
_رفعت حاجبيها بذهول و أردفت بغير تصديق و سخرية،
: يعني معين 2 حراس شبه ضلفة الدولاب لحمايتي و مع ذلك قلقان و هتحبسني في البيت طول ما أنت مش موجود !!،.
_هّز رأسه إعتراضاً و قال بنزق حانيّ،
: مش فكرة حبس ،، لكن أنا بكون خايف جداً طول ما أنتِ مش قدام عيني و شايفك حواليا !!،.
_كافأته بأجمل إبتسامة رأها على وجه إمرأة يوماً ، فكانت ك"قُبلة الصباح" بالنسبة إليه و جعلته يبتسم تلقائياً عندما وضعت كفها على كفه برفق و همست،
: متخافش، .."ثم عقدت مابين حاجبيها و رّبتت على صدرها بكفها الآخر علامة الشرف وهي تقول بجدية مرِحة".. ،وراك رجالة ،..
_أتسعت إبتسامته حتي أصبحت ضحكة خشنة خافتة وهي تراقبه بإبتسامة راضية ، أتسعت حتي شملت وجهها بأكمله و ما أن أنتهى حتي هّز كتفيه بإستسلام ليقول بخشونة يشوبها بعض التردد،
: خلاص يا فتون ،، بما إنك مش قادرة تستني لما أرجع .. روحيّ ،.
_أتسعت حدقتيها قليلاً بسعادة و تلقائياً أرتفعت قليلاً في جلستها و طّبعت قُبلة سريعة على وجنته و قالت،
: شكراً !،.
_تسمر مكانه لحظات و تصلب جسده مشدوهاً و أرتجفت عضلة في فكه بصدمة و ظل ينظر إليه لحظات طويلة بعينين متسعتين قليلاً و عندما طّال سكونه ، هّزت رأسها مستفهمة بتقطيبة حائرة .. بينما أزدرد هو ريقه و صمت لحظة ثم هّب واقفاً في حركة خاطفة و كأن عقرب قد لدغته لتوها وهو يقول بتلعثم خفيف،
: طيب .. أنا ماشي ،،.
_أمسكت بمعصمه سريعاً هاتفة،
: آنس !!، .."تنهد آنس بكبت وهو يهمس محدثاً نفسه".. ،
: السَّتْ دي مش هتجيبها البَّر النهارده !!،.
_التفت إليه بعنقه يقول بخفوت خشن،
: نعم !!،.
: متتأخرش علينا !،
_همست بها بإبتسامة حالمة ببهجة غريبة و بريق لم يستطع هو تبينه عندما هّز رأسه بعدم فهم و قطب متسائلاً بحيرة،
: عليكم ؟،
_كتمت ضحكتها بصعوبة وهي تقول ببساطة و كأن شيئاً لم يكن،
: أقصد عليّا يعني !،
_رفع إحدى حاجبيه بتوجس وهو يقول،
: مش مرتاحلك !!،
_ضحكت فتون بخفة ثم هّزت كتفيها ببساطة و قالت بمكر و إشراق،
: مش يمكن محضرالك مفاجأة !!،
: مفاجأة !!،
_أعاد عليها آنس جملتها بغير تصديق وهو يرفع حاجبيه مذهولاً ،، بينما تركت معصمه و وقفت هي أيضاً و أردفت تقول بلامُبالاة وهي تتجه إلى المرحاض،
: متاخدش في بالك ، روح أنت شوف أشغالك و لما ..
_قاطعها هو عندما جذبها من مرفقها فجأة إليه بقوة .. فشهقت بجزع ثم زّفرت لتتابع بحنق،
: مش ناويّ تبطل همجيتك دي أبداً ،، عاوز توقفني .. أمسكني بالراحة مش هتخلع دراعي علشان تلفت إنتباهي لكلام جنابك ،..
: حمدللّٰه على السلامة، .."صاح بها آنس ساخراً ثم تابع وهو يربت على كتفها بقوة و كأنها أحد أصدقائه و ليس إمرأته ليقول".. ،كنت واحشني يا راجل و اللّٰه !! .. طولت الغيبة و قلقتني عليك !،.
_دفعت كفيه عنها بعنف ثم أولته ظهرها و عقدت ذراعيها أمام صدرها لتقول بتذمر طفولي غاضب،
: أنا غلطانة أصلاً إني بعبرك !!،.
_أتسعت إبتسامته ثم تقدم خطوة منها إلى أن أصبح يلامسها بجسده ، فشعرت بصدره يعلو و يهبط خلف ظهرها بسرعة فضحته و كشفت الستار عن حقيقة بروده المصطنع .. فأبتسمت هي الإخرى خفية بينما حاوط هو كتفيها بكفيه و مّال عليها ليهمس في أذنها بنبرة عميقة خشنة يقول،
: أنا مع شديد الآسف مضطر أخرج دلوقتي إلا إني أوعدك إني هرجعلك بسرعة البرق ،.
_لم تستطع فتون كتم ضحكة خجولة أنطلقت منها لا إرادياً .. فصاح آنس بكبت مزمجراً،
: أووووف !!،.
  _آستدارت إليه وهي تعض على شفتها خجلاً و همست له تقول برجاء،
: متتأخرش عليّا !،
_ضاع بعينيه في عينيها لحظات طويلة قبل أن يتنهد تنهيدة مطولة ليردف قائلاً بغرابة،
: مش هتأخر .. المهم أنتِ متتأخريش !،.
_عقدت مابين حاجبيها بعدم فهم و تسائلت،
: مش فاهمة ، تقصد إيه !!،
_مّط شفتيه و هّز كتفيه ببساطة ليقول،
: مش عارف !، الكلام خرج مني بتلقائية !!،.
_أبتسمت له و هّزت رأسها بيأس ثم تابعت بنعومة،
: طيب أمشي أنت علشان متتأخرش !، في أمان اللّٰه !!،.
: خليّ بالك على نفسك ،.
_كانت هذه الجملة آخر ما نطق به آنس قبل أن يميل عليها ليطبع قُبلة طويلة على وجنتها اليُسرى ثم أبتعد عنها بأعجوبة و ترجل خارجاً من القصر إلى حيث ترسى به السُفن ،..
____________________________
: أنتِ فين يا فدوى !!،
_أردفت بها فتون هاتفياً بإستنكار غاضب وهي تستقل المقعد الخلفي بجوار آنس الصغير داخل السيارة التي وضعها آنس تحت تصرفها بسائق خاص و أثنين من رجال الحراسة يتبعونها في سيارة أخرى و واحد معها في ذات السيارة ،.
_أجابتها فدوى قائلة بخفوت،
: في إسكندرية و معايا فريد هزور حازم اللّٰه يرحمه !،
_فتون بتذمر،
: ما أنا عارفة إنك في إسكندرية .. بس سيبالي أبنك ليه يا أختي !!،
_فدوى بهدوء،
: لإني مش عاوزاه يعيش حاجة زي دي أو يشوفني و أنا في الحالة دي ..
_تأففت فتون بحنق ثم تابعت بإستسلام،
: طيب خلاص ، على العموم أنا أخدته معايا و رايحين نزور بابا و ماما و بعدها هطلع على السيدة ،، تمام !!،
: ماشي ، باي ،..
_أغلقت فتون الخط ثم آستدارت برأسها إلى الصغير و هتفت متذمرة،
: أنا مش عارفة أنا خلفتك و نسيتك ولا إيه بالظبط !!،
_رفع الصغير إحدى حاجبيه بترفع و غرور وهو يقول،
: أنتِ تطولي !!،
_شهقت فتون بخفة و جحظت بحدقتيها و لم تستطع النطق ببنت شفهة أخرى ،..
_بينما من جهة أخرى ،..
_كان آنس على الطريق السريع حين سمع صوت رنين هاتفه ليلتقط سماعة الأذن و يجيب بخشونة قائلاً،
: ألو !،
: آنس بيه معايا !!،
_تسائل بها الطرف الآخر على الهاتف بحذر ، فأجابه آنس : أيوة ، أتفضل .. مين حضرتك !!،.
_أجابه الأخير قائلاً بجدية،
: مع حضرتك الدكتور شوقي شريف الطبيب الشرعي ،.
_هّز آنس رأسه متذكراً و قطب جبينه ليقول بتركيز شديد،
: أهلاً و سهلاً يا دكتور ،، خير !!، حصل جديد !!،.
: أيوة حصل .. أنا كنت بعتت لحضرتك الملفات اللي تثبت إدانة عاصم الجوهري في حادثة والد حضرتك -رحمه اللّٰه- مع شاب بثق فيه جداً إلا إن الشاب ده أختفي و مش عارف أوصله من ساعتها و ده أكدلي شكوكي الأيام اللي فاتت إن أنا متراقب و حضرتك كمان متراقب ، فأنا فضلت إني أحذرك بنفسي !،.
_لم يستطع آنس إبداء أي رد فعل عندما وجد سيارة نقل كبيرة تأتي من على بُعد بسرعة رهيبة دون أن تحاول تفاديه و كأنها تتقصده .. فحاول آنس ضغط مكابح السيارة إلا أن الفرامل لا تعمل .. جحظ بحدقتيه مصدوماً وهو ينظر إلى مكابح السيارة المفسدة بفعل فاعل و ما كاد أن يعتدل لينظر إلى تلك السيارة .. حتي وجدها تصطدم فيه و بشدة ..
_أرتدت السيارة للخلف و أرتطمت رأسه في المقود بقوة جعلته يفقد الوعي تماماً و الدماء تزرف منه بغزارة .. إلا أن صاحب السيارة لم يكتفي .. هبط من فوقها عشر رجال و بأيديهم عصيان ضخمة ما يعرف ب"الشووم" و فتح إحداهما باب السيارة و جذب آنس من داخلها و ألقاهُ أرضاً و سقطوا بالعصيان فوق جسده بكل قوتهم .. واحدة على قدميه و أخرى على عظام صدره و أخرى على ذراعيه و رأسه و مع كل ضربة كان جسده ينتفض في الأرض بقوة مزمجراً كالأسد الذي يقطع الآدميين النياط فوق جسده وهو يصرخ ألماً ثم يعود ليفقد الوعي مجدداً و يستفيق مرة أخرى تزامُناً مع قوة ضرباتهم التي لم يستطع تحملها أكثر و زمجر زمجرة خشنة أخيرة قبل أن تنقطع أنفاسه فجأة و تستقر خفقات صدره للآبد ..
_من جهة أخرى ، في حيّ السيدة زينب .. تحديداً في منزل السيدة فتحية ،..
_شهقت فتون فجأة بجزع و تسارعت أنفاسها و أخذ صدرها يعلو و يهبط بإضطراب .. رّبتت السيدة فتحية على فخذها وهي تقول،
: بسم اللّٰه الرحمن الرحين .. مالك يا بنتي !!،.
_وضعت كفيها على صدرها تهدئ من روعها وهي تهمس بلا وعي،
: مش عارفة !!، قلبي أتقبض فجأة و حسيت إني مش قادرة اتنفس .. حسيت، .."همهمت بها تبلعثم ثم آستدار برأسها إلى فتحية و قالت بإختناق".. ،ح..حسيت إني هموت يا توحة !!،.
_قطبت فتحية و قالت،
: يا ساتر يارب !، فال اللّٰه ولا فالك يا بنتي .. بعد الشر !،..
_فجأة دويّ في الحيّ صوت بوق بائع حلوى غزل البنات .. ليأتي الصغير راكضاً إليهما و أردف يقول برجاء،
: عاوز غزل بنات !،
_جففت فتون دمعاتها العالقة بأطراف أهدابها و قالت،
: حاضر يا حبيبي ،، .." ثم آستدارت إلى فتحية و قامت على مضض وهي تقول".. ،هنزل أشتريله و أرجع لأحسن ده مش هيبطل زنّ لو ما أشتريتلهوش ،،.
_أومأت فتحية برأسها .. فأتجهت فتون إلى الأسفل و معها آنس الذي أبىّ بشدة الأنتظار في الشقة و ذهب معها .. قطبت فتون بحيرة عندما وجدت باب البناية المتهالك خالي من زوجيّ الثيران الذي عينهما آنس لحراستها إلا إنها لم تهتم و أتجهت خلف مصدر بوق بائع الحلوى الآتي من إحدى الحواري الجانبية و ما أن خطت قدماها أولى الخطوات بداخل الحارة .. حتي وجدت كف عريضة سمراء خشنة تكُبل فمها و أنفها بمنديل ورقيّ .. حاولت الصراخ إلا أن صوتها لم يخرج منها و جحظت أعينها في محجريهما عندما شعرت بإحداهما يجذب الصغير من بين يديها ليضعه في سيارة سوداء كبيرة ..
_بعد لحظات طويلة من التلويّ بجسدها محاولة الإفلات منه .. فقدت الوعيّ تماماً ، فحملها و وضعها في نفس السيارة و أستقل المقعد الخلفي بجانبها بينما أستقل الآخر المقعد الأمامي و أدار المقود و رحلاّ ..
___________________________
_مع غروب الشمس ،،.
_ترجل هاشم خارجاً من الشركة متجهاً إلى سيارته بتثاقل .. كان مرآب السيارات فارغ تماماً و قد رحل الجميع .. لم يبقى سوى سيارته فأتجه إليها ببطء .. لكنه توقف فجأة عندما شعر بخطوات تأتي من خلفه .. فآستدار قاطباً .. فوجدها ..
_شرد لحظات يتذكر أين رآها !!، إنه على يقين إنه قد ألتقى تلك العيون قبلاً !!، .. أكدت له هي شكوكه حينما آقتربت منه لتردف متسائلة بحيرة،
: مساء الخير !!، حضرتك أستاذ هاشم قريب فتون مرات آنس ، مش كده !!، .."ثم رفعت كفها تشير إلى نفسها وهي تقول".. ،أنا جنة !،
_أجل إنها هي !، .. الآميرة الباكية .. التي أصطدمت به من قبل وهي خارجة ركضاً في ذلك اليوم الذي شَّنت به فتون إعلان الحرب العالية الثالثة !!، .. أبتسم بشرود عندما تذكر صغيرته الشرسة إلا إنه أفاق سريعاً على صوت جنة المتسائل بحذر،
: أستاذ هاشم ، حضرتك كويس !!،.
_هّز رأسه ينفض تلك الأفكار عنها و قال،
: أه كويس ،، خير يا أنسة جنة !!،.
: كنت محتاجة مساعدة حضرتك لإني عارفة أنت بتعز فتون قد إيه .. قولت مفيش غير حضرتك هيساعدني !!،.
_همهمت بها جنة بشيء من التلعثم ،، فقطب هاشم بحيرة و تسائل،
: مش فاهم !،و إيه علاقة فتون بالموضوع !!،.
_بللت جنة شفتيها بطرف لسانها و سحبت نفس طويل ثم زّفرته ببطء و حسمت آمرها أخيراً لتقول،
: عاوزاك تساعدني إني أثبت برائتي قدام آنس .. لإني في الحقيقة مخنتهوش زيّ ما الكل فاهم !، .. أنا أتلعب بيا زي ما أتلعب عليه بالظبط !،.
_قاطعهما رنين هاتف جنة بنغمة الرسائل و كانت رسالة من كارما و ما أن فتحتها حتي جحظت بحدقتيها و شهقت مصدومة .. قطب هاشم بقلق و تسائل،
: حصل حاجة !!،
_لم تستطع أجابته ، بلّ أدارت الهاتف إليه فوجد أن فحوى الرسالة عبارة عن صورة لسيارة متهشمة و بجوارها جثة هامدة مُلقاة أرضاً و رجال الشرطة و الإسعاف تحيط بها من كل مكان و فوق الصورة كان الخبر الصحفي بالخط العريض و كان ،،
" وفاة رجل الأعمال المعروف و وريث عائلة الصاوي .. آنس الصاوي .. في ظروف غامضة" !!،..
……………………
#النهاية ،..
أنتظروني مع الجزء الثالث من ثلاثية -بنت البواب-

غفوةَ مشاعر أُنثىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن