الفصل الرابع عشر - في اسكوتلانديار

836 42 2
                                    


ومرة اخرى انعقد مؤتمر في اسكوتلانديار وضم هذا المؤتمر نائب الحكمدار والمفتش كروم والمسيو بوارو وانا وقال نائب الحكمدار لبوارو:
- كانت ضربة معلم تلك التي ذكرت فيها موضوع الجوارب النسائية يا مسيو بوارو فقد ثبت بما لا يدع للشك ان القاتل كان يتظاهر ببيع الجوارب النسائية.
فبسط بوارو يديه وقال:
- كان الأمر واضحا بعد ان سمعت كلمة "الجوارب" تتردد كثيرا على السنة المقربين إلى الضحايا.
والتفت نائب الحكمدار إلى المفتش كروم وقال:
- هل وضحت لك كل غوامض هذه الحالة يا كروم؟
- كلها تقريبا يا سيدي هل اسرد كل ما لدينا من معلومات حتى الآن؟
- ارجوك ان تفعل.
- لقد ثبت لنا انه كان في فندق ببيت بمصيف توركاي قبل وقوع جريمة سيرستون بيوم واحد وقد سجل اسمه في الفندق "ا.ب.سوست" وثبت انه عاد إلى الفندق في ليلة وقوع الجريمة في الساعة العاشرة والنصف مساء اي كان في امكانه ان يستقل قطار الساعة التاسعة والسابعة والخمسين دقيقة من محطة سيرستون فيصل إلى محطة توركاي في العشرة وعشر دقائق..
وصمت المفتش كروم برهة قبل ان يستطرد قائلا:
- وكذلك الحال بشان بكسهيل لقد نزل في فندق جلوب وسجل بنفس الإسم المذكور وعرض جواربه للبيع على اكثر من اثنتي عشرة سيدة منهن المسز بارنارد وغادر الفندق في ساعة مبكرة من مساء وقوع الجريمة ثم عاد إلى لندن في الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح اليوم التالي.. اما بشان اندوفر فقد نزل في فندق ثيثرز وعرض جواربه على المسز فاولر جارة المسز آسكر ـ المجني عليهاـ كما عرضها على اكثر من خمس سيدات اخريات وقد حصلت على الجوارب الذي اشترته المسز آسكر منه لإهدائها لإبنة اخيها ماري دراور كما يبدو.. حصلت عليه من ماري وثبت انه من نفس الصنف الذي يبيعه المستر سوست.
فقال نائب الحكمدار:
- هذا عظيم جدا حتى الآن.
- وبعد المعلومات التي ادلى بها توم هارنيجيان ذهبت بنفسي إلى مسكن المسز ماربري حيث علمت ان المدعو المستر سوست خرج من غرفته دون ان يشعر به احد وقمت بتفتيش هذه الغرفة وثبت بما لايدع للشك انه المجرم المجهول.. لقد عثرت على رزمة من اوراق الرسائل من نفس النوع الذي كتبت عليه رسائله إلى بوارو وكذلك وجدت في ذاخل خزانة الملابس كمية كبيرة من الجوارب النسائية في علب مسطحة ولفافة بها مجموعة من دليل "ا.ب.س" للسكة الحديدية كلها جديدة وكانت اللفافة تشبه لفافات علب الجوارب تماما بحيث يظن الذي يراها لأول وهلة انها تضم علب جوارب لا مجموعة من دليل "ا.ب.س" للسكة الحديدية.
وقال نائب الحكمدار:
- انه حتما مجنون!
وقال المفتش كروم بلهجة الإنتصار:
- وقد عثرت على شيء آخر. عثرت في هذا الصباح فقط ولم تتح لي الفرصة بعد لإبلاغ النبأ رسميا والواقع انني لم اكن انتظر ان اجد السكين المستعملة في الجريمة الأخيرة في غرفته.
فقال بوارو:
- مهما بلغت درجة جنونه فلا يعقل ان يخفي السكين في غرفته.
- ايا كان الأمر فالمجنون ليس شخصا متزن التفكير.. ومن ثم فلا يستطيع الإنسان ان يحكم على نتائج تصرفاته بالمقدمات المنطقية ولهذا خطر لي انه ربما عاد بالسكين إلى مسكنه ولكنه اخفاها في مكان آخر فماذا يمكن ان يكون ذلك المكان الآخر؟ انه قائمة الصالة والمفروض ان احدا لا يحرك قائمة الصالة عن موضعها وبعد الكثير من الجهد استطعت مع رجالي ان نحرك قائمة الصالة قليلا عن الجدار فوجدنا السكين وراءها..
- نفس السكين؟
- أجل.. وكانت لم تزل ملوثة بالدماء.
فقال نائب الحكمدار:
- احسنت يا كروم لم يبق امامنا غير شيء واحد.
- ماهو يا سيدي؟
- القبض على الرجل نفسه.
فقال كروم بلهجة تنم عن الثقة الكاملة:
- لسوف يتم هذا في اقرب فرصة.
والتفت إلى بوارو وقال:
- ما رايك يا مسيو بوارو.
وبذا كان بوارو قد تنبه من ذهوله وقال:
- معذرة ماذا تقول؟
- كنا نقول ان القبض على ذلك المجرم المجنون مسالة وقت.. فما رايك؟
- اوه نعم.. نعم.. بلا شك.
وكان صوته ينم عن شرود الفكر فقال نائب الحكمدار:
- هل هناك مايثير قلقك يا مسيو بوارو؟
- ان هناك ما يهمني جدا ان اعرف الإجابة عليه وهو السبب.. المبرر الدافع على هذه الجرائم.
فقال نائب الحكمدار في ضجر:
- ولكن الرجل المجنون.. الا يعتبر هذا سببا كافيا؟
- لا ياسيدي.. ان هذا لا يعتبر سببا كافيا في رايي.
فقال كروم:
- ربما يتضح لنا السبب عندما نقبض عليه.
وقال نائب الحكدار:
- ترى اين هو؟

***
وتوقف المستر سوست بجوار دكان الفاكهة الواقع امام دكان المسز آسكر عبر الشارع وراح ينظر إلى دكان المسز آسكر. نعم.. ان اللافتة تحمل اسمها بوضوح حلوى وسجائر وصحف وبجانب اللافتة ورقة مكتوبة عليها "للإيجار" لقد اصبح الدكان خاليا بلا حياة.
- " معذرة يا سيدي".
قالتها زوجة الفكهاتي للمستر سوست لكي تتناول بعض ثمار الليمون واعتذر لها وتحرك جانبا..
وفي بطء وتمهل راح يسير متثاقلا في اتجاه الطريق العام المؤدي إلى خارج البلدة ان الأمر الشاق.. شاق تماما لأنه لم يعد يمتلك قرشا واحدا. واشق من هذا انه لم يتناول طعاما طوال يومه ويبدو ان الجوع يملأ النفس بمشاعر غريبة ويجعل الراس خفيفا مضطربا. ولاحت منه نظرة إلى واجهة "كشك" لبيع الصحف فطالعته العناوين الضخمة عن جرائم "ا.ب.س" الرهيبة وعن المجرم الذي اختفى وعن المؤتمر الذي اشترك فيه هيركيول بوارو مع رجال المباحث وتمتم المستر سوست لنفسه قائلا "لو ان المسيو بوارو يعرف..".
وعاد يستأنف السير وقال لنفسه:
- لن استطيع ان امضي هكذا طويلا.
انه يحرك قدما امام قدم يا لها من حركة عجيبة غريبة لمن يلاحظها. ولكن اليس كل انسان حيوانا عجيبا غريبا؟ او ليس هو الكسندر بونابرت سوست حيوانا عجيبا غريبا بوجه خاص؟ لقد كان هكذا دائما.  كان الناس دائما يضحكون منه وعليه.. وهو لايستطسع ان ينحى عليهم باللوم..
إلى اين هو ذاهب؟...انه لايعرف..
لقد وصل إلى النهاية ولم يعد في مقدوره ان يرى شيئا غير تحركات قدميه. قدم تمضي امام قدم ورفع راسه وراى اضواء امامه ولافتة كبيرة مكتوبة عليها "مركز الشرطة" وضحك المستر سوست وقال:
- ماعجب هذا؟
ثم تقدم نحو المدخل وقبل ان يصل إلى اولى درجات السلم تمايل واهتز ثم سقط على الأرض مغشيا عليه.

روايات اجاثا كريستي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن