الفصل السابع عشر-الكسندر بونابرت سوست

759 44 0
                                    

لم احضر للمقابلة التي تمت بين هيركيول بوارو والمدعو الكسندر بونابرت سوست لأن القاضي لم يصرح بزيارته الا لبوارو فقط ولكني ساسرد فيما يلي تفاصيل ما دار بينهما بدقة كاملة على حديث بوارو معي بعد ذلك.. لقد بدا سوست منكمشا على نفسه ولاح كأنما ازداد جسمه انحناء وهو لا يكف عن العبث باصابعه في اطراف معطفه ومرت برهة طويلة ـ كما اخبرني بوارو دون ان ينطق احد بكلمة ـ وانما جلس الإثنان كل في مواجهة الآخر في هدوء واسترخاء وقال بوارو اخيرا بصوت رقيق:
- اتعرف من انا؟
فهز الرجل راسه ورفع وجهه إلى بوارو وقال وهو يطرف بعينيه:
- لا.. لا اعرفك.. هل انت احد المحامين في مكتب المستر لوكاس؟
- انني هيركيول بوارو.
وحرص بوارو ان يلاحظ بدقة تاثير هذا الإسم ورفع هذا وجهه مرة اخرى وتمتم ببساطة:
- آه..نعم.
وبعد لحظة عاد يقول بصوت ينم على الإنفعال وكانما بدا يتذكر:
- آه المسيو بوارو هيركيول بوارو.
- انني الرجل الذي كنت تبعث اليه برسائلك.
فجأة اغضى المستر سوست بعينيه وقال باضطراب:
- انني لم اكتب اليك ابدا هذه الرسائل لم اكتبها انا هذا ما قلته كثيرا طوال جلسات التحقيق.
- اعرف هذا ولكن اذا لم تكن انت كاتبها فمن يكون؟
- احد الأعداء لا بد ان لي عدوا من الناس جميعا يعادونني ولا ادري لماذا انها مؤامرة ضخمة مدبرة ضدي ولكن لماذا؟
فصمت بوارو برهة وقال:
- هل كان الناس يعادونك حتى وانت طفل؟
- لا.. لا.. لا اظن كانت امي شديدة الحب لي وكانت تركز كل آمالها الكبار في شخصي ويعتقد اني ساكون عظيما يوما ما.. ولهذا اسمتني الكسندر بونابرت وكانما الإسم وحده يمكن ان يخلق من صاحبه شخصيا عظيما ولكنها كثيرا ما كانت تؤكد لي ان الإنسان هو سيد مصيره وان في مقدوره ان يحدد مستقبله كما يشاء.
وصمت برهة قبل ان يستطرد قائلا:
- ولكنها كانت مخطئة وهذا ما عرفته بنفسي لأني لم اكن من الأشخاص الذين يمكن ان يظفروا بمكانة رفيعة في الحياة كنت دائما ارتكب الحماقات التي تثير سخرية الناس مني وهكذا اصبحت خجولا خائفا من الناس ولشد ما عانيت من سخرية زملائي في المدرسة من اسمي..
ومرة اخرى لزم الصمت فترة وجيزة قبل ان يردف قائلا:
- وماتت امي ماتت ميتة حزينة ساخطة والتحقت بالمعهد التجاري وتخرجت متخلفا فيه عن جميع زملائي وانا اذا كنت ابدو امام الناس غبيا الا أنني في الواقع لست غبيا.
- انني ادرك هذا استمر.
- ولشد ما كنت اتالم كلما رايت الناس ينظرون الي على اني انسان غبي متخلف ابله وقد ازداد شعوري بالألم اثناء التحاقي بالعمل ككاتب في احدى الشركات.
واشرق وجهه فجأة حين استطر يقول:
- ولكنني استمتعت بالفترة التي قضيتها بين زملائي الجنود في الحرب لأني وجدت نفسي فجأة في مستوى واحد معهم ولكنني للأسف اصبت بجرح في راسي فسرحت من الخدمة العسكرية لأني اصبت بسبب ذلك الجرح بداء الصرع والواقع انني لا اعرف على وجه التحديد ماذا دهاني فاحيانا اقوم باعمال على غير وعي مني.
- وبعد ذلك؟
- اشتغلت كاتبا في شركة ولكنني لم احسن القيام بعملي فكان زملائي يتخطونني في الترقيات واصبح مرتبي لا يكاد يكفي ضرورات الحياة لا سيما بعد الإرتفاع الجنوني في الأسعار ولهذا السبب رحبت بالعمل كمندوب متجول لمصنع الجوارب النسائية نظير مرتب ثابت وعمولة على البيع.
وهنا قال بوارو برفق:
- ولكنك علمت ان اصحاب المصنع ينكرون انهم عهدوا اليك بعمل كهذا!
فقال سوست وقد عاوده الإضطراب:
- لأنهم مشتركون في هذه المؤامرة وان معي ادلة مكتوبة معي رسائل مرسلة من ادارة المصنع فيها التعليمات عن الأماكن التي يجب ان اذهب اليهم واعرض عليهم الجوارب.
- ان هذه الرسائل مكتوبة على الآلة الكاتبة.
- طبعا لأن ادارة المصنع لا بد ان تكتب رسائلها على آلة كاتبة.
- ألا تعرف ان في الإمكان معرفة نوع الآلة التي كتبت هذه الرسائل؟
- طبعا هذه مسالة بديهية.
- لقد ثبت ان هذه الرسائل مكتوبة على الآلة الكاتبة التي وجدت في غرفتك.
- ان هذه الآلة ارسلتها ادارة المصنع لي عند بدء التحاقي بالعمل.
- اجل ولكن هذه الرسائل ارسلت اليك بعد استلامك الآلة ومعنى هذا انك كتبت عليها الرسائل وارسلتها إلى نفسك.
- لا هذا لم يحدث انها جزء من المؤامرة.
- ومجموعة كتب دليل ا.ب.س للسكة الحديدية التي وجدت في غرفتك؟
- لا اعرف عنها شيئا لقد ظننت انها لفافة تحتوي على علب جوارب.
- لماذا وضعت علامة المسز آسكر في اندوفر؟
- لأني قررت ان ابدأ عملية البيع معها ان على الإنسان ان ينظم اعماله ويحدد مرحلة البدء.
ثم اردف قائلا في انفعال شديد:
- انها مؤامرة دنيئة ضدي وليس ادل على ذلك من وجودي في ليلة جريمة بكسهيل في مكان بعيد في ايستبورن حيث كنت العب الدومينو مع المستر سترانج.
فهز بوارو كتفيه وقال:
- من السهل ان يخطىء الإنسان في التاريخ لاسيما اذا كان الخطأ في تاريخ يوم واحد ان رجلا عنيدا مثل سترانج يرفض ان يعترف بخطئه مهما تكن الظروف ومن السهل عليك ان تكتب في سجل الفندق تاريخ يوم سابق او لاحق على يوم الجريمة دون ان يفطن احد إلى هذا.
- لقد كنت العب الدومينو في تلك الليلة.
وفجأة هتف الرجل قائلا في الم:
- آه عاودني الصداع انه مؤلم مؤلم انه يجعلني في بعض الأحيان لا ادري ماذا اقول او افعل.
وانحنى بوارو نحوه فجأة وقال:
- ولكنك تعلم انك ارتكبت هذه الجرائم اليس كذلك؟
ورفع المستر سوست وجهه وبدت نظراته هادئة بسيطة وكانما قد تلاشت من نفسيته
رغبة للمقاومة واخيرا قال:
- نعم اعلم.
- وانا على حق في قولي انك لا تعرف لماذا ارتكبت هذه الجرائم اليس كذلك؟

- نعم اني لااعرف لماذا.

روايات اجاثا كريستي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن