8. طريق

2.7K 419 221
                                    

مساءً مليئاً بالسعادة😁😍

الفصل الثامن: طريق.

عطوني رأيكم+علقوا عالفقرات
قراءة ممتعة للجميع 💚

.
.
.
.
.
في الساعة الثالثة صباحاً من تلك الليلة خرجتُ من غرفتي لأشرب الماء، كنتُ قد استيقظتُ بسبب حلمٍ راودني وقررتُ أن أبقى لبعض الوقت حتى لا أعود لرؤية الأحلام مجدداً..
فتحتُ باب غرفتي ومشيتُ بهدوء في الطابق العلوي نزولاً للأسفل لكن صوت أبي في الصالة استوقفني.
كان يبكي، أنا لم أفهم أي شيء لكن كل ما فهمته أنه كان يبكي، وتلك الفكرة جعلتني مذعوراً!..

استندتُ بجسدي على حافة الدرج ونظرتُ للأسفل بهدوءٍ شديدٍ حتى لا يلاحظني، كان يقف في العتمة، على سجادة صلاته الخاصة، متجهاً للقبلة ورافعاً يديه لله، ويدعو بكل ما لديه من شعور، يدعو لي!!

كان يبدو مكسوراً، يدعوه بذل محتاج، على الفور صعدتُ مجدداً للأعلى دون أن يراني، استندتُ على الجدار أسمع صوت بكائه، لكني لم أقدر على فعل أي شيء، كنتُ واقفاً وحسب، أنا أعلم أن البكاء بين يدي الله خير، ولكن أن أكون أنا السبب، لم يكن ذلك شيئاً أستطيع تقبله، لم أستطع أن أتقبل أن أبي يبكي وهو يدعو لي، يدعو الله أن يهديني، وأن يعيدني للطريق.. الطريق الذي ضللته بيدي..!!

في اليوم التالي لم يكن أبي مختلفاً عما اعتدتُ عليه كل يوم، بل كان كما هو تماماً، يتصرف كما يفعل كل يوم، هذا جعلني أفكر، هل هو يفعل ذلك كل يوم؟؟!

خلال ثلاث أسابيع أخرى واصلتُ مراقبة ما يفعله، في كل ليلةٍ كنتُ أراه في الساعة الثالثة صباحاً يصلي ويبكي، يدعو لي قبل آذان الفجر لأنه الوقت الذي يُستجاب فيه الدعاء، يترك سريره المريح وينهض ليتوضأ وسط البرد الذي بدأ يجتاح الجو، مرت ثلاثة أشهر على بداية سنتي الجامعية بالفعل وهأنذا أدرك هذه الحقيقة، أمي كانت تقوم معه في كثيرٍ من المرات، ولكن لا أدري لم كانت دموعه تكسرني، أنا كنتُ دوماً متعلقاً بأبي، وبما يفعله أبي، وحتى بالجبروت الذي يملكه أبي، كنتُ دوماً أراه مثلي الأعلى، والمصدر الذي أسرق منه القوة لأني كنتُ شخصاً يكره الضعف، كنتُ أشعر بتلك الدموع كسيوفٍ تطعن في صدري، وفي الكثير من المرات كنت أجلس على الأرض مستنداً على الجدار وتتساقط القليل من دموعي، لكني لم أبكِ بكاءً حقيقياً قط، كنتُ أشعر بقلبي يصبح متحجراً أكثر.

مزاجي أصبح سيئاً جداً، اختصرتُ الكثير من المحادثات مع أوس الذي استعاد صحته بعد أن تغيب لأسبوعين، أصبحتُ أنزعج من أي تصرفٍ يقوم به الآخرون، سألني بعضهم عن سبب صراخ تشارلا علي في مقهى الجامعة وأجبتُهم بوقاحة، كل ما حصل أني غدوتُ وغداً!!

"لا ترهقوا آباءكم بعصيانكم، والله إن دمعةً واحدةً تجري على لحية أب كفيلةٌ بإغراقكم في ظلمات الحياة" أنا الآن أفهم معنى ذلك، لأنني بالفعل غارقٌ تماماً، ومنحدرٌ لأسفل الهاوية، شخصٌ سيء، مزاجه معكر طوال الوقت، لا يقدم خيراً لأحد، ولا يحب أحداً، ولا يحبه أحد، أنا بالفعل هناك، في تلك المرحلة المعتمة التي ما عاد ثمة أي شعاع نورٍ قد ينتشلني منها، في ذلك النفق المظلم الذي لا يملك ضوءاً يرشد لنهاية، أنا فقدتُ كل شيء، كل الطرق، وكل الأفكار، وكل الأمور الجميلة التي أحببتُها وآمنتُ بها ذات يوم لم تعد موجودة، وإنما ضاعت من بين يدي أيضاً.

Strangers in London | غرباء في لندنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن