لأجده فوقي تماما ، ينظر الي بغباوة .. انتفضت بسرعة ، أخفيت تلك الوقة ورسمت نظرة اللامبالاة على وجهي.. لأرفع رأسي وأسأله عم يفعله هنا ، فيقول " جئت لأطمئن عليك " ثم يرفع ذراعه ليحك خلف رأسه ويضيف بتلعثم " احتجت لرؤيتك " ... أضحك باستهزاء ، يضحك بنفس الطريقة ، ونبدأ حديثا طويلا يشوبه التوتر والتحفظ من كلا الجهتين ، لا أحد منا يريد محادثة الآخر لكن لا أحد منا يصبر على عدم محادثة الآخر ، كنا متاشبهين في هذا الأمر مختلفين في كل شيء عداه ... نصل لباب المدرسة أبتسم له ، يرد قائلا "الى اللقاء" ، أستدير وأهمس "وداعا" ، ونسلك اتجاهين مختلفين ، كما نفعل دائما في كل شيء ... ربما لو لم نسلك اتجاهين مختلفين من البداية لم يكن طريقانا ليتقاطعا ....
وأنا أسير وحيدة ، أتذكر حديثنا القصير ، كيف نتحاشى النظر في عيني بعضنا ، كيف نتكلم كالغريبين ، أتذكر الضحكات المزيفة ، وشعور عدم الرضى .... كل ما كان يجول بخاطري هو "كيف وصلنا الى مفترق الطرق هذا ؟" .. السؤال الذي دفعني لفتح كراس الذكريات والعودة الى البداية.. لأول شجار ، أول سر تبادلناه، أول حديث ، وأول لقاء ...
التقينا قبل عامين... لازلت أذكر ذلك اليوم ، كان صباحا مشمسا بجو كئيب نوعا ما ، جوا لم يستطع محو الابتسامة المربعة على وجهي والتي أواجه بها كل جميل وبذيء في حياتي ... وصلت المدرسة واتجهت لصفي كالعادة، لكنني وصلت متأخرة يومها ووجدت أن زميلتي ذهبت لتجلس مع أخرى خشية الجلوس وحدها في حصة الرياضيات المملة لأنها ظنت أنني لن آتي ، رددت عبارات الاعتذار من بعيد لأرمقها بنظرة غير مبالية وأنا أعدل جلستي ... غيابها لم يؤثر علي ، ولم أمانع الجلوس لوحدي يومها ... دخلت الأستاذة ، بدأت الشرح والدوران حول تلك السبورة وهي تلقي درسها بكل دقة وبساطة كأنها ترقص بانتظام على نغم ما ، نغم لا يمكن لغيرها سماعه ، ثم توقفت فجأة على صوت دق الباب ورفعت رأسها نحوه ، قالت بصوت عال صحبته بنظرة مترقبة "تفضل" ليدلف المراقب العام معه تلميذ آخر غريب "هذا تلميذ جديد سينضم اليكم بدءا من اليوم "... ردت المعلمة وعيناها تتفحصان المقاعد " حسنا ، لا يوجد مكان شاغر الا مع زميلتك ، أتمنى ألا يمانع أي منكما " و استدارت دون انتظار الجواب لتواصل شرحها ... اتعرف أن أول ما جال في خاطري آنذاك كان " من هذا الأحمق ، العالم أصبح يعج بالحمقى " ... هل اعتذرت لك عن ذلك لاحقا ؟ .. أنا آسفة لم أقصد ذلك ، أنت أحمق فعلا....
و تطورت بعدها بفترة طويلة الصلة بيننا ، فوجدتني أحكي له عن كل شيء .. ووجدته يفلت بعض الأسرار في حديثه معي ، أو ربما الكثير .... ما أحببته في الأمر برمته كان الاهتمام للذي كنت أحصل عليه منه ، لكن أنا لم أعد أحصل على أي منه الآن ، فلما لازلك أكتب عنه ... ربما بسبب رغبة تقضي بالبوح بكل شيء والتخلص منه .. . أو ربما سبب هذا كله تفجر عدة مشاعر وأحاسيس كتمتها طويلا ...
أول سر أخبرته اياه كان عن عائلتي ومعاملتهم لي ، وأول سر أخبرني به هو تورطه في تعاطي المهلوسات ... لكني على عكسه ، لم أشعر بالراحة لاخباره بذلك ، فالأمر كان مسيطرا علي نوعا ما و أقوى مني بكثير ، ومعرفته تشكل صورة أولية عن مخاوفي ، مخاوفي التي أحتفظ بها لنفسي فقط ... لم أكن معتادة على رؤية الناس لضعفي ولا هو كان معتادا ، لكن بطريقة ما قد ارتاح للأمر بينما ارتعبت منه كليا ..
لكن كيفما كان الأمر ، وأيا كانت ردة فعنا تجاهه ، فقد كان بداية علاقتنا ولازلت لا أصدق كيف تشكلت في ليلة وضحاها ، كيف صرنا مقربين كأننا خلقنا لبعضنا ... علاقة غريبة ومميزة ، لم تكن حبا ولا صداقة لكنها تجاوزتهما الى علاقة أعمق من ذلك ، علاقة لا يمكن وصفها ، علاقة اجتذبت نظرات الاعجاب والحسد أينما حلت ... لقد كانت مميزة لحد بعيد وهو أدرى بذلك ... لا أدري لم فضل الرحيل . . . أمضيت وقتا طويلا أنتظر عودته .. بقلب يفتقده و عقل يمقته ... لقد تصارع الاثنان طويلا ، وصراعهما أرهقني جدا ... لكن قلبي لا يريد أن يجرح مجددا .. لهذا قد يتنازل عن بعض الأشياء .. أو الأشخاص ... أو عنه ان أردت أن أكون دقيقة أكثر ..
كانت الحياة من دونه صعبة ، لأنها كانت تبدو مستحيلة آنذاك ... لم أتخيل نفسي يوما أواجه هذا العالم من دون درعي الحامي ، من دونه ..
لكنني فعلت ، وصمدت مطولا ، لكنني لازلت أعود لمحادثاتني ، أقرأ بعض رسائله المشجعة عندما أشعر بالضعف ، وألقي نظرة على مشاجراتنا لأتذكر سبب ابتعادي عنه اذا ما أردت العودة اليه ...
لازلت أبحث عنه، في وجوه المارة ، في حديث الأصدقاء ، وبين شخصيات القصص التي أقرؤها ... أعلم أنني لن أجد شخصا مثله ... كما أنني لا أريد ايجاد شخص مثله ، فالخروج من تلك الدوامة أفقدني كل قواي ، لهذا فأنا لن أجازف بالدخول في دوامة أخرى ..
لكن أليس الأمل ما يبقينا أحياء ...
لازلت أملك أملا في ايجاد شخص مثله .. وفي عيش قصة مماثلة ، ذات نهاية أجمل ...
قد يبدو الأمر غبيا .. لكن أليس الغباء من شيمي ..
ألم يكن إحدى الصفات التي نتشاركهاعلى أية حال ، لقد صارت هذه القصة مملة جدا ، وانا لا أطيق الانتظار لانهائها ...
أشششش ... استمتع بقراءة ما بقي منها .. لأنه لم يتبق الكثير
أنت تقرأ
كيف_انتهت_صداقتنا
Non-Fictionالكتاب عبارة عن مذكرات فتاة عن علاقتها بصديق مراهقتها اقتباسات من الكتاب : *علاقة غريبة ومميزة ، لم تكن حبا ولا صداقة لكنها تجاوزتهما الى علاقة أعمق من ذلك ، علاقة لا يمكن وصفها ، علاقة اجتذبت نظرات الاعجاب والحسد أينما حلت ... لقد كانت مميزة لحد ب...