||الشخصية الثانوية: بين النقص والكمال||

691 95 58
                                    


طرقات متتالية تتابعت على باب السيد عين، دقائق مرت قبل أن يفتح الباب بطلته الفوضوية، جيم الذي اعتاد مظهر عين المهندم دائمًا استغرب منظره هذا، حيث سأله قائلًا:

- مالذي حدث معك؟ ما هذا الشكل؟

"بعض الزكام" أجابه عين بصوتٍ محتقن، ثم دخل تاركًا الباب مفتوح بعده سامحًا لجيم بالدخول.

"تبدو منهكًا جدًا، عليك الذهاب لأحد أقاربك ليهتم بك قليلًا خلال فترة مرضك" قال جيم وهو يهم بالدخول، تجاهل عين حديثه ليكمل جيم قائلا وهو يُخرِج مجموعة ظروف من حقيبته الجانبية "بالمناسبة هذه الظروف وصلت لك، وأنا هنا لتوصيلها".

استغل جيم انهماك عين في فتح واحد من تلك الظروف، حيث بدأ بمسح الصالة بعينيه اللتين تسمرتا على شاشة التلفاز المشغلة على أحد الأفلام، استغرب الأمر حيث لم يكن يتوقع أن عين من هواة الأفلام.

بعد مدة من التحديق نبس جيم قائلًا: "أتعلم؟ على الرغم من أن الفيلم هذا جميل، إلا أنني استغربت بعض الشخصيات، حيث كانت ناقصة الأبعاد وغير واضحة المعالم" قال جيم وهو لا يزال مستمرًا بالنظر لشاشة التلفاز.

انتشل حديث جيم عين مما كان يفعله حيث أجاب بعد ما أخذ نظرة على شاشة التلفاز قائلًا: "مثل من؟".

- مدير المدرسة العجوز، وذو الشعر الأبيض مثلًا.

-هذا طبيعي، كونها شخصيات ثانوية وليست شخصيات مركزية تدور دائرة الأحداث حولها، وبالمناسبة هذا موجود في الروايات أيضًا، ولا يُعتبر عيبًا فيها.

تفكر جيم في الجواب، لكن ما لبث أن داهمه سؤال آخر لم يتردد في طرحه: "لكن أليست جميعها شخصيات؟ هل هناك فرق بين أن تكون الشخصية ثانوية أو رئيسية مركزية كما تطلق عليها؟".

عطسة داهمت عين أوقفته عن محاولة الإجابة عن السؤال، لذا أشار لجيم بالجلوس وجلس هو أيضًا لكن بعيدًا عنه.

"إذًا، سألتني عن الفرق بين نوع الشخصيتين، لذا نعم هناك فرق بين النوعين، حيث أن الشخصية الثانوية هي شخصية مكملة للشخصية الرئيسية وداعمة لها، قد تكون هذه الشخصيات ناقصة الأبعاد أحيانًا، لكن هذه ليست مشكلة كونها تؤدي وظيفتها من إكمال الأحداث والتفاصيل".

-لكن، كون الشخصية ناقصة فنحن وقتها لن نعرف عنها شيئًا أو عن خلفيتها، وهذا يعني ضعفًا في الشخصية.

ابتسم عين على محاولات جيم في ربط كلامه من الجلسات السابقة، لذا علق قائلًا "محاولاتك في ربط كلامي ببعضه من أول لقاء وحتى الآن جيدة، لكنها فاشلة بعض الشيء" امتعض وجه جيم من هذا التعليق وهم بالرد عليه، لكن عين سبقه قائلًا "تتميز هذه الشخصيات يا جيم بالسهولة ، حيث أن الكاتب لا يُتعِبُ نفسه في الكتابة عنها ، والقارئ لا يبذل جهدًا في فهمها أو الحاجة للبحث عنها والتعمق فيها كما يحدث مع الأبطال . غالبا ما تكون من النوع الثابت ، أي لا يتغير قوسها العاطفي، بل تلتزم الصورة الأولية التي رسمت لها، وتقدم وظيفتها الموكلة إليها ثم تختفي من سياق الأحداث، أو لا تختفي، لكن ظهورها يصبح أقل".

-رويدك يا رجل، لا تتكلم بهذة السرعة، يصعب فهمك وأنت ذو صوت واضح، لذا لا تتوقع أن أفهمك وأنت بهذا الصوت المخنوق الراكض!

تجاهل عين محاولة جيم الفاشلة في السخرية منه، لذا أكمل حديثه: "ومن أشهر الشخصيات النمطية مثلا " زوجة الأب" التي تمتاز بالحقد والشر، "متنمر المدرسة" الذي يخافه جميع الطلاب، "رجال الدين والراهبات" الذين يمتازون بطيبة القلب والحكمة، عادة ما تكون لهذه الشخصيات نسخ أولية في ذهن القارئ والكاتب، حيث يسترجع هذه النسخة تلقائيًا متى احتاجها ، يستعملها الكاتب متى أراد لأداء مهمتها، دون أن يبذل جهدا في تفصيل أبعادها المختلفة".

"لكن أليس دور الشخصية الثانوي قليل الأهمية ومهمل؟" ألقى جيم بسؤاله بعدما عاد للوضع الجدي في الحديث مع محاولة التركيز لفهم كلام عين السريع.

-لا حيث أنه لو كان وجود هذه الشخصية غير مصيري، لكن به تأثير في سير الأحداث، فالشخصية الثانوية ذات دور مهم في هندسة البناء الروائي كما يُطلق عليها.

أكمل عين كلام جيم قائلًا "لذا عادة ما تأتي الشخصيات الثانوية لتسهم في تطوير الأحداث ودفعها للتقدم والاستمرار في النمو، كما أنها تساعد البطل وتدفعه لحدث أو موقف محدد.

-تمامًا، وكمثل هذا لدينا مثلا المدير العجوز من الفيلم الذي وعلى الرغم من أنه شخصية ثانوية فيه، إلا أنه ساعد البطل في الكثير من الأحداث، وكذلك الأمر بالنسبة لأبيض الشعر، الذي وكمثال بسيط فبعض أفعاله في الجزء الأول كان لها تأثيرها بعلاقته مع البطل حتى جزء الفيلم الثامن، وبالمناسبة هذا الفيلم مقتبس من رواية أصلا.

تزامن إنهاء عين لكلامه مع وقوفه وذهابه للمطبخ، دقائق مضت ثم عاد حاملًا بيده كأسين من الشوكولا الساخنة، والذي من أحدها لجيم.

-شوكولا حقًا؟ اعتقدت أنك من عشاق البرتقال يا رجل.

-نعم لكن نزلة البرد تحتاج لمشروباتٍ ساخنة، كما أنه لا ضير في التغيير بين الفينة والأخرى.

بعد جملة عين تلك بقي الشابان يشربان من كأسيهما بصمت، لكن عين آثر تمزيق الصمت بقوله: "أتعلم؟ سمعت ناقدًا عظيمًا يقول ذات مرة "أن ظهور الشخصيات المساعدة في مسرح الأحداث ليس عشوائيًا ، أو ضربا من الصدفة ، بل هو ظهور ودخول مدروس ، له أسبابه ووقته المحدد ، لأن لكل شخصية ثانوية دور منوط بها ، تقوم به لتثري المتن الروائي قبل أن تختفي . عندما يستمر حدث معين لمدة طويلة في الرواية ، يمكن أن يسبب ذلك الملل للقارئ ، وهناك يجب خلق شيء يهز القارئ ، ويجعله ينتفض من ملله ، بخلق صراع جديد ، أو إشراك شخصية جديدة ، وذلك هو الوقت المناسب لتظهر الشخصية المساعدة الجديدة"* لذا لا تعتقد أبدًا أن الشخصيات وجدت لغرض عبثي، واعلم أنه لكل شخصية هدفها المحدد ورسالتها في الرواية" .

الاقتباس من كتاب مفاتيح نقدية لفريق النقد.

كتبه العضو: زبرجد

نفخة روح |عنصر الشخصيات|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن