|| السنفور غضبان وحزين ||

376 57 24
                                    

كان النهار على وشك أن ينتهي عندما طلب السيد جيم من صديقه عين أن يرافقه إلى صالة السينما لمشاهدة فيلم السنافر معًا، ولأن السيد عين كان متفرغًا هذه الليلة؛ قرر الذهاب إلى السينما لتحقيق أمنية صديقه في الاستمتاع سويًا ولو لمرة واحدة.

وبينما كان السيد عين يتوجه بالحافلة إلى مكان اللقاء، أخرج هاتفه ليكمل رحلة البحث في أعماق عالم الواتباد العربيّ، فجذبت انتباهه قصة تبعث الكآبة والسوداوية في النّفس، تصفح القصة وتمعَّن فيها، وفي تكوين شخصياتها، ولكنّه بعد حينٍ تساءل مستنكرًا: «ما بال هذه الانطوائية المبالغِ فيها هنا؟ لا يعقل أنّ بطل القصة لم يخرج أبدًا من منزله ولم يتواصل مع أيّ أحد؟ كيفَ يقضي حاجات يومه إذًا؟»

ولأن السيد عين يمتلك القليل من الخبرة في مجال الحزن والكآبة، ظل يبحث عن المبررات ثمّ أضاف: «لا بأس بالانطوائيّة ابتداءً، لكن وجود شخصٍ كهذا يقضي حياته كلَّها بالبكاء والنحيب مُبالغٌ فيه، فالحياة متفاوتة المشاعر لا يعقل أنها ولّت وتركت كل الهمّ والحزنِ في عقر شخصيتنا هذه!»

ثم فكر بعد قراءته المزيد: «تحوّل من هيكلٍ باردٍ لا حياةَ فيه إلى كتلة انفجاراتٍ هائلةٍ لا يمكن كبتها. هذا التغيّر الملحوظ لا يحدث بعد فصولٍ قليلةٍ وأسبابٍ منطقيّةٍ أقل، فالجانبُ النّفسيّ سواءً كان انطوائيًا أو منفعلًا يحتاج لعدّة مؤثراتٍ ووقتٍ طويلٍ ليتنقّل بين حالاته حتى وإن كان متقلّب المزاج.»

وعندما أراد السيد عين إكمال القراءة توقفت الحافلة عند الموقف الذي يريد النزول عنده، فأغلق هاتفه ثم نزل، وبعد مرور عشر دقائق من وصوله الى الصالة التقى بالسيد جيم، حياه ثم دخلا معًا.

حاول السيد عين النظر إلى هاتفه لكي يكمل ما بدأه من نقد؛ ففتح هاتفه خفية عن رفيقه وأكمل القراءة بينما كان جيم مشغولًا بمشاهدة الفيلم وتناول الفشار، فابتسم عندما رأى الشخصيّة تخرج من قوقعتها إلا أنّه سرعان ما تلاشت تلك الابتسامة عندما رأى تأثيرها الاجتماعيّ.

«إنسانٌ بائس يدقُّ أبواب النّاس ليخبرهم كم قضى من عمره في مواجهة الصّعاب والمعوّقات والمشاكل، ويترك انطباعًا سلبيًّا مع كلّ من قابله. ليس على كل الكئيبين أن يكونوا على هذه الشاكلة، قد يكون للحالة النفسيّة تأثيرٌ على البعد الاجتماعيّ للشخصيات، وهذا لا يمنع أن تكون الشخصيّة اجتماعيّة وتتفاعل مع محيطها، ولا يعني أن تتصرف كأنّها سعيدةٌ في الوقت ذاته.»

فقام جيم بسحب هاتفه وإغلاقه بسرعة وهو يقول: «كشفتُ أمرك أيها المحتال، هل كنت تقرأ مجددًا؟ ألم نتفق على أن نستمتع اليوم؟»

زفر عين بانزعاج شديد وأراد استرجاع هاتفه، ولكنه لم يستطع ذلك فأجابه: «أعده لي أيها الأحمق، دعني أكمل هذه الرواية فقط!».

فابتسم جيم بمكر ثم وضع الهاتف في جيبه ورد عليه: «انسَ ذلك، والآن دعنا نكمل الفيلم معًا.»

نفخة روح |عنصر الشخصيات|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن