||سندريلا مشوهة||

396 72 52
                                    

في حين أن السيد (عين) كان جالسًا يطالع الأوراق التي يحملها، كان (جيم) يحدق بالثالث الذي يجلس معهم، سحب عينيه عنه إلى هاتفه وأخذ يلعب متناسيًا وجودهما. وبعد وقتٍ انتهى (عين) مراجعة أوراقه ومحادثة الرجل الغريب الذي رحل، لم يجد (جيم) نفسه إلا يبحث عن هاتفه الذي صار بيد (عين).

«لن يتنازل أحدنا صحيح؟ لنستكمل نقاشنا السابق إذًا، كان حديثنا عن الشخصية السادية، ولكن لنغير الدفة قليلًا، لننظر إلى الشخصية الانهزامية، ماذا تعرف عنهم؟» قال (عين) بهدوء وأشار لـ(جيم) أن يبدأ هذه المرة، أراد أن يعرف كيف يراهم حتى يراقب كلماته فلا ينفعل كالمرة السابقة.

«هي شخصية تسير جنبًا إلى جنب مع الشخصية السادية بالرغم من أنهما متضادان بالمعنى؛ فكلاهما يتلذذان بالألم وينتشيان به، لكن الفرق في أن السادي يتلذذ بألم الآخرين، في حين أن الانهزامي يتلذذ بالألم الذي يلحقه بنفسه أو غيره به. سميت بالانهزامية لكون سلوكها يتجه لتعذيب الذات وجلدها لشعور الفرد نفسه بالمتعة أو النشوة النفسية أو الجسدية، سلوكها يتوجه لهزيمة ذاتها. وجدت أن الكتاب الروائيون قلّما تحدثوا عنها في أعمالهم بالرغم من استخدامهم لها، خاصة في الواتباد، فهي كثيرًا ما ترافق الشخصية السادية، ولا يتم عرضها كقضية هامة أو اضطراب نفسي، بل يستخدمونها لأجل الجنس الذي رأيته منتشرًا في هذا الموقع صراحة دون أن يؤثر بالشخصيات أو يهدف لأي شيء، وكأن الشخصية آلة لا شيء يغيرها.

هذا والضعف دائمًا من جانب المرأة التي تنتظر بطلها المغوار، أو التي وقعت في مخالب مجرم عند زقاق مظلم، أو تلك الطيبة حد الغباء التي بطيبتها فقط تفوز بكل شيء في النهاية، يذكرني بشخصية سندريلا التي صبرت ثم صبرت ثم صبرت وأتاها الفرج، حسنًا الصبر محمود، والصبر مفتاح الفرج، لكن لا يعني هذا أن تظل مكتوف اليدين، شخصية كسندريلا وغيرها من الأميرات أعتبرهن شخصيًا شخصيات انهزامية، وقد تلاحظ أن شركات الأفلام مثل ديزني غيرت هذه الدفة؛ بطرحها قصص أميرات قويات، بدءً بفيونا في شيرك، فقد تم تحوير الشخصيات بصورة جذرية وساخرة، غير هذا نجد موانا، آنا وإليسا وتلك الصهباء من فيلم الشجاعة، نسيت اسمها، ما أريد قوله أن تلك الشخصيات ترسخ في الذهن الضعف وقبول المذلة، وتشوه من قيمة المرأة، التي تعتبر جائزة للبطل ليس إلا».

لاحظ (عين) هدوء (جيم) في حديثه، لذا قرر أخيرًا أن يطرح ما عنده بعد أن توقف (جيم) وقفة طويلة، قال: «ما قلته حتى الآن لافتٌ للاهتمام خصوصًا آخر نقطة، هل لاحظت أيضًا أنها غالبًا ما توصف في الروايات بجمالها الملائكي أو الطفولي؟ وتناقضها المستمر؛ فمرة يتلذذون ومرة لا يفعلون؟ أغلب  الكتاب الهواة لا يبحثون عن المعلومات الكافية ليبنو شخصياتهم، وعندما يصفون إحدى شخصياتهم بالانهزامية فإنهم -وكما قلتَ يا (جيم)- يعنون بأنها تتلذذ بالعنف الجنسي، لكن إذا ما وصفتُ إحدى شخصياتهم الأخرى بأنها انهزامية لأنها تعرض نفسها للأذى بسبب الإحساس بالذنب لا شعوريًا أو الحاجة للعقاب، فمثلًا: تجرح أو تحرق نفسها، أو تعرض نفسها للإهانة، أو أن تُربط، أو تُضرب أو تحاول الانتحار فقط لتتألم أو أي سلوك عنيف موجه للذات برغبة من الانهزامي. لا يتقبلون ذلك لأن المفهوم الرجعي للانهزامية هو ما ترسخ في أذهانهم جاهلين حقيقة أنه ربما يكون اضطرابًا كما ذكرت، ولكن يا جيم، ربما نسيتَ أن الشخصية الانهزامية قد تم رفضها كاضطراب نفسي لعدم وجود دراسات كافية حوله في الدليل التشخيصي الرابع والخامس، لكننا كأطباء وأخصائيين فما زلنا نستخدمه أحيانًا».

قبض (جيم) يديه وقال كاتمًا غضبه: «حتى وإن كان ذلك صحيحًا، فهو اضطراب منتشر كما قرأت. ولو أن  الدراسات الأمريكية لم تكفي لتصنيفه كاضطراب نفسي، فإن للشخصية الانهزامية تاريخ طويل يكفي لإثبات كونه اضطرابًا. فطبيعة المرء أن يكون ذو كرامة وأن يهتم لنفسه، لا أن يؤذيها!».

«إذن أتقول أن السادية سلوك طبيعي بينما الانهزامية سلوك شاذ يجب معالجته؟ ماذا إذا أخبرتك أن الانهزامية حسب نظرية فرويد الأولى هي سادية موجهة للنفس؟ أو أنها الأداة المستخدمة للربط بين اللذة التي يحصل عليها الانهزامي من ألمه؟ الانهزامية قد تكون سمة في تكوين الشخص نفسه لا اضطرابًا يا (جيم). الأمر ذاته بالنسبة للشخصية السادية ولكنها تؤثر سلبًا على المجتمع كما أنها تؤدي أحيانًا لخسائر لا يمكن استعادتها.»

«تكون سمة إن كانت أخلاقية دون إيذاء للنفس، وهكذا لن يكون هناك أذى جسدي على الأقل!» هدأ (جيم) بعد ثوانٍ ثم أكمل: «سابقًا كنتُ قد تسرعت بقولي أن متلازمة ستوكهولم والانهزامية طرق لإظهار الحب، لم أفهمهما جيدًا، لكن الآن وبعد قراءتي لهما، فالأول يكون مؤقتًا، ويحدث عندما تقع الضحية بحب خاطفها. بينما الانهزامية قد تكون مؤقتة كسلوك أو دائمة كسمة خُلقية. يمكننا معالجة كليهما بما أن المجتمع لا يستفيد منهما بحالهم هذه، على عكس السادي، الذي يستطيع المجتمع الانتفاع منه إذا ما وجه لعمل يناسبه، كميدان المعارك، أو في التحقيقات، أو حتى إعادة تأهيل أخطر المجرمين، كالإرهابيين مثلًا!»

شعر (عين) برغبة في الضحك، كان يعرف أنه لن يضحك ولكنه سأل محاولًا كبت ابتسامته: «توقعتُ هذا، خيالك واسع، ولولا أني أعرف أنك تعارض استخدام البشر كعينات تجارب لتوقعت منك أن تقول أن المجال العلمي سيحتاج الانهزاميين لإجراء التجارب! الآن دعني أسألك، ماذا كنتُ تلعب أو تشاهد الفترة الماضية؟»

رأى (جيم) البسمة الصغيرة في وجه (عين)، بقي انزعاجه بينما زال غضبه، تمتم: «الحقيقة أنني كنت أقرأ تجميعة قصص لجنود في الحروب… على كلٍ من كان الرجل قبلًا؟» سأل (جيم) مستفسرًا وناسيًا نقاشهم بعد ثرثرته عن الحرب.

أجاب الآخر وبينما يشير لنادلٍ أن يجلب الفاتورة «صديق قديم كنت قد عالجته قبلًا، أتى ليحادثني قليلًا عندما رآني هنا»، رفع (جيم) حاجبيه متعجبًا ومندهشًا.

.__.•.__.

نصيحة من شخص لطيف لم يقتل أحدًا من قبل، أبدًا:

لم أستخدم مصطلح «مازوخية، ماسوشية» لوصف الشخصية الانهزامية؛ فهذه تعتبر إهانةً لهم -وإن كان بعضهم يحب الإهانة اللفظية- وقلة أدب منا، وقبلها إهانة للأديب ليوبولد فون ساخر مازوخ -مازال اسمه يضحكني للأسف😂- الذي رفض استخدام لقبه كاسم لوصف الشخصية الانهزامية أو اضطرابها، بالرغم من إشارة البعض لكونه كان انهزاميًا بالفعل. يالي من طيب😔⁦💛

ماذا تظن أنت عن الشخصية الانهزامية؟

برأيك، هل الشخصية السادية والانهزامية مكملتان لبعضهما؟

ما الذي تعتقده في شخصية سندريلا وما يشابهها؟

المحارب الذي يغيب في الظلام،

إكواريس راجناروك.


نفخة روح |عنصر الشخصيات|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن