||الانطباعات الحسية للشخصية||

262 44 30
                                    

هدوءٌ يطغى على المكان في صباحٍ كئيبٍ يقتل عين المسكين الجالس على مكتبه. حاول جاهدًا البقاء مستيقظًا؛ فقد سهر الليل كله في منزل أبيه الذي أصابته وعكةٌ مفاجئةٌ، كلما التفت بانت له الأشياء من حوله كأنها وسادةٌ أو سريرٌ يناديان عليه كي ينام.

اهتزَّ هاتفه ليخرجه من شروده. كان جيم المتصل، وتذكر أنه لم يجب على أيٍّ من اتصالاته البارحة. رفع هاتفه وابتدأ الكلام: "صباح الخير".

جاءه رد صديقه الغاضب: "أي خيرٍ؟ اتصلت بك عشرات المرات البارحة ولم تجب، أين كنت؟ ولماذا صوتك يبدو متعبًا؟".

"آهٍ، نعم أعتذرُ؛ والدي كان مريضًا واضطررت للبقاء عنده والاهتمام به حتى ساعات الفجر. لا نوم، لا إفطار، لا راحة" أجابه بصوتٍ متهدجٍ.

قال جيم بنبرةٍ فرِحَةٍ مصطنعة: "حسنًا، يبدو أن استراحة الغداء اليوم ستكون برفقتك. عشرون دقيقةً وأكون باب العيادة"، ثم أنهى المكالمة.

• • •

دخل جيم ودخلت معه الروائح الشهية التي داعبت أنف عين، فابتهجت أساريره، وتكشّفت أسنانه مبتسمةً، فضحك جيم بخفة.

"فطائر بالقرفة، وأخرى بالمربى، ووجدت صنفًا جديدًا؛ خبز طري مع قطع البندورة والزيتون والجبن والزعتر، وأحضرت كوبين من الشاي بالنعناع".

نهض عين كي يساعده وقال ممازحًا: "يمكنك تخيل معدتي تزقزق الآن كما في الأفلام".
حرك جيم يديه بدرامية وتحدث: "هذا هو عين ذو النكات السيئة الذي أعرفه".

أخذ عين فطيرةً واسترسل الكلام: "جيم الرائع، لا أعرف حقًّا كيف أشكرك على اهتمامك!".
رمقه جيم بنظرة غاضبة ورد: "يا رجل، إن لم أهتم أنا بك، فمن سيفعل؟ أحسست أنك في مأزقٍ ما، وواجبي الوقوف بجانبك طبعًا".

هزّ عين رأسه وأكل بصمتٍ، ثم راوده سؤالٌ فاستفسر: "وكيف عرفت أني في مأزق؟".
فكر جيم قليلًا قبل أن يجيب، ثم قال: "ليس من عادتك عدم الرد على مكالماتي، وصوتك عندما كلمتني بدا مختلفًا".

رفع عين إبهامه صانعًا إشارة الإعجاب، ثم ابتلع ما في فمه وقال: "هذا لأنك تملك انطباعًا مسبقًا عني؛ لو أنك معتادٌ على عدم ردي على الهاتف، كنت ستنسى الأمر. في كثيرٍ من الأحيان نخال أن إحساسنا تجاه أمر معين هو مجرد شيءٍ داخلي دون سبب، لكن إن فكرنا جيدًا فسنرى أن أحاسيسنا وتصرفاتنا مبنيةٌ على حوادث وانطباعات سابقة".

ارتشف جيم من كوب الشاي وأردف بإعجاب: "نعم، هذا منطقيٌّ للغاية. هل لاحظت مثلي مسبقًا أن الكتّاب لا يركزون على الانطباعات الحسية في أعمالهم؟".

"في الواقع نعم، غالبيتهم ينسون هذا بالفعل؛ مثلًا نجد أن البطل قلقٌ حيال صديقه، لكن في ذات الوقت لا يذكر أبدًا سبب القلق، لماذا البطل قلق؟ لأنه قلق فقط، وهذا غير منطقيٍّ البتة.
لو كانت فتاةٌ خائفةٌ من حدثٍ معين، هذا الخوف سيكون مبنيًا مسبقًا بحدثٍ مماثل مرت به سابقًا، أو ربما سمعت إشاعاتٍ، أو قرأت على الإنترنت، وغيرها، لذا على الكاتب ذكر انطباعات الشخصيات المسبقة وسببها، سواء بأسلوب مباشر أو غير مباشر، كي يكون إحساس شخصيته منطقيًّا".

ذكر جيم مثالًا استذكره فأضاف: "هذا يشبه فيلمًا شاهدته من فترة، البطل يخاف من الأماكن المغلقة لأن والده اعتاد حبسه وتعنيفه في مكان مغلق في صغره".

عمَّ السكون مجددًا، فكسره جيم بسؤالٍ آخر: "هل تملك انطباعاتٍ مسبقةً عني؟".

وضع عين يده على رأسه وحركها متظاهرًا بالتفكير بشدة، ثم أجاب ساخرًا: "لدي الكثير من الانطباعات حقيقةً، أهمها أني في كل مرة أتصل وأخبرك أني جائع، تأتيني بطعامٍ شهيّ؛ الخبز الجديد هذا مذاقه أسطوري"، أنهى كلامه وضحك.

رفع جيم عينيه بامتعاضٍ وقال: "حسنًا أيها الحساس، سأعود إلى العمل الآن، ومساءً سترافقني في زيارةٍ لوالدك، وستعدُّ لنا العشاء انتقامًا من استغلالك لطيبة قلبي وحبي للمخبوزات".

قهقه عين وقال: "اتفقنا يا رفيق".

• • •

-هل تبرزون الانطباعات الحسية في أعمالكم؟ وهل ترونها ذات تأثير إيجابي على القصة؟

-كوكب.

نفخة روح |عنصر الشخصيات|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن