بارت 4

951 70 4
                                    

زي النهاردة من 18 سنة بنتي اختفت تمامًا وبدون ما تسيب أي أثر، خلفناها أنا وزوجتي لمَّا كُنا لسّه مُراهقين، عشان كدا دايمًا بنحِس إننا خسرناها من وقت طويل أوي، اسمها كان سوزان، وكان عندها 4 سنين بس لمّا اختفت، كانت محوّر حياة زوجتي بالكامِل، عشان كدا أنا مُتفهّم تمامًا الصدمة الغير طبيعية اللي زوجتي مُصابَة بيها، إحنا الإتنين مرينا بصدمات كتير طول حياتنا، بس الصدمة بتاعة فُقدان سوزان كانت مُدمّرَة تمامًا بالنسبة لزوجتي
الشُرطة دوَّرِت عليها لمُدة شهور، أعتقد كمان إن عملية البحث المرة دي كانت أطوَل بكتير من أي حالة تانية، وأعتقِد كمان إن دا بسبب الجحيم اللي كانت زوجتي بتمُر بيه وبتوريه لأي حد بيفكّر يقرّب منها في الوقت دا، كُل فترة كانوا بيوصلوا لدليل جديد، قبل ما كُل حاجة تتدمَّر تمامًا بعد كدا، في النهاية.. قرَّروا يوقَّفوا رحلات البحث عن سوزان، قالولنا إنهم شبه مُتأكِّدين إنها لسَّه عايشة، بس على الأرجَح مش هنشوفها تاني، وإننا لازم نتأقلَم على الحياة من غيرها
ولأن زوجتي قعدت فترة طويلة جدًا متروحش الشُغل بعد اختفاء سوزان، سارة – زوجتي – اتفصلِت من شُغلها، وبقت بتقضي كُل وقتها في أوضة سوزان، أحيانًا بتحضُن لعبها لفترات طويلة من الوقت، لكن لعبتها المُفضَّلة كانت عربية مطافي لونها أحمر وفيها زرار لمَّا بتضغَط عليه بيعمِل صوت سارينة، طبعًا البطاريات فضت من زمان، وعلى الأرجح هي مش شغَّالة بعد الوقت الطويل دا خلاص، دايمًا كُنت بحِس بالذنب لأني قدرت أعدي الأزمة دي وأتجاوزها، مش عارف إشمعني أنا قدرت وهي لأ، يمكِن دي الطريقة اللي ربنا خلقني بيها ولا دا جُزء من شخصيتي
كُل سنة في نفس التوقيت دا، سارة بتُصاب بنوبة اكتئاب، ودا طبيعي بسبب الأخبار السيئة اللي سمعتها في نفس التوقيت دا، بالنسبة لكتير من الناس، راس السنة بتكون احتفال بقدوم سنة جديدة، فرصة للتغلُّب والتعلُّم من أخطاء السنة اللي فاتِت، لكن بالنسبة لسارة.. فترة الأعياد دي بتفكرها بالذكريات السيئة اللي مرَّت بيها
عشان أكون صريح معاكُم.. السنة دي كانت مُختلِفة شوية، كُل ما بفكَّر في اللي حَصَل بحِس إن قلبي بيتقبَض أوي، أنا محتاج أفضفض.. محتاج أتكلِّم.. محتاج حد يسمعني عشان أقدر أركِّز وأفكَّر بشكل هادي، خصوصًا إن زوجتي مينفعش تعرف أي حاجة
اليوم بدأ زي أي يوم 1 يناير في الدنيا، زوجتي قاعدة في أوضة سوزان وحاضنة لعبها، وأنا بستعِد عشان أعمِل الفطار عشان أحاول أهوّن عليها وأفرحها شوية
أول حاجة غريبة حصلت في اليوم كانت لمَّا قرَّرت أخرج أشوف صندوق البريد بتاعنا، وبرا.. لقيت ظرف واحد بس في الصندوق
سمعت صوت سارة جاي من جوا البيت وهي بتقول: " محدِش هيبعت لنا أي جوابات النهاردة، مُمكِن تقفِل الباب، الجو برد أوي "
ضحكت وأنا بقول لها: " إنتي عارفة إني دايمًا بنسى أقفِل الباب، دي غلطتِك إنتي إنك وافقتي تتجوزيني من البداية، ويبدو إن حد قرَّر يبعت لنا جواب أهو "
" محدش هيبعت لنا النهاردة غير فواتير أو حاجة، وأنا مزاجي وحش النهاردة، سيبه عندك على الترابيزة "
حطيت الظرف على الترابيزة الصُغيّرة اللي في المطبخ، وسارة قرَّرت تطلع الحمّام تاخد شاور سريع
صبيت لنفسي كوباية قهوة، قعدت على الكنبة أدام التليفزيون، وبدأت أدوَّر على أي حاجة أتفرّج عليها، لفيت القنوات كُلها تقريبًا من غير ما ألاقي حاجة تُثير اهتمامي، بعدها بشوية حسيت بالزهق، وبدأت أفكَّر في الظرف، عندي مُشكلة أنا مع الجوابات وهقولكُم ليه.. لو هي فاتورة فعايز أعرف هدفَع كام عشان أعرف هيفضل معايا كام، ولو شيك فعايز أعرف جالي كام عشان أعرف بقى معايا كام، من يوم ما سارة فقدت شُغلها وحالتنا المادية بقت سيئة جدًا، ودا خلاني حريص أوي في كُل تعاملاتي المادية
مسكت الظرف ووقفت للحظة ثابت مكاني قبل ما أفتحه، مكتوب على الظرف من برا عنوان بيتنا، لكن مش مكتوب أي حاجة عن المُرسِل، مكتوب كلمة واحدة بس على الظرف بخط غريب وسيء جدًا، مكتوب (ليك)
بدأت أشُك إن اللي جوا الظرف دا حاجة مالهاش علاقة بالفلوس، وبدأت أكون فضولي أكتر، يا رب تكون سارة مسمعتش الشهقة العالية اللي شهقتها وأنا بقرا المكتوب في الجواب، الجواب كان مكتوب على ورقة قديمة مكرمشَة ومكتوب عليها بنفس الخط السيء:
(عيد موت سعيد ليَّا..
عيد موت سعيد ليَّا..
عيد موت سعيد لسوزانو الحلوة
عيد موت سعيد ليَّا!)
وقفت مكاني وأنا حاسِس بالذهول، قريت المكتوب بنفس النغمة بتاعة أعياد الميلاد، قطعت الجواب بسُرعة ورميته في سلة القمامة، سمعت سارة وهي بتخرُج من الحمَّام، كُنت قاعِد مكاني وأنا مصدوم، إزاي حد يقدر يعمل مقلَب زي دا في أسرة مرَّت بصدمة زي اللي إحنا مرينا بيها؟ إزاي أصلًا حد في الكون يعرف باسم سوزانو دا؟ محدش كان يعرفه غير أنا وسوزان بس! حتى سارة متعرفش حاجة عن الاسم دا؟ دا كان سرنا أنا وسوزان قبل ما تختفي!
بعد دقايق سمعت سارة وهي بتنزل، وبعد شوية قعدت على الكنبة جنبي وبدأت تدوَّر في القنوات، كُنت قاعِد ساكِت مصدوم، لقت مُسلسل جريمة من مُسلسلاتها المُفضَّلة وبدأت تتابعه، بس أنا كُنت في دنيا تانية، كُنت بفكَّر في الجواب وفي مليون حاجة تانية
بمرور الوقت كُنت بحاول أنسى الجواب، وإتشغلت في اليوم، رحت أنا وسارة مطعمها المُفضَّل، كُنت عازمها على العشا، رحنا السينما، وجبتلها هدية مُميَّزة، كٌنت عايز أهوِّن عليها اليوم دا، خصوصًا بعد اللي حَصَل لمَّا سوزان اختفت، أعتقد إنها بدأت تتغلَّب على الأمر
لمَّا وصلنا البيت سارة قرَّرِت تطلع تنام، كانت مبسوطة واليوم كان عدا بشكل مُمتاز، قُلتلها إني كمان شوية هطلَع أنام أنا كمان عشان عندي شُغل الصُبح بدري، بدأت أقفل كُل الأبواب والشبابيك، قبل ما أطلَع فوق بصيت من شباك المطبخ بالصُدفة ولمحت حاجة بتتحرَّك في الحديقة الخلفية، حاجة مُختبئة ورا شجرة ضخمة برا
أنا بطبعي شكَّاك وخوَّاف، عشان كدا قرَّرت أخرج عشان أستكشِف وأشوف إيه اللي برا، مسكت تليفوني عشان أستخدمه ككشَّاف وخرجت برا، كُنت متوتِّر وبترعِش، مشيت لحَد الشجرة وهناك لقيتها..
عربية المطافي الحمرا ومربوط فيها 5 بالونات طايرين في الهوا، وعلى البالونة اللي في النُص كان متعلَّق ملحوظة مكتوبة على ورقة مكرمشة قديمة، أجبرت نفسي على إني أقرَّب من اللعبة ومسكت الملحوظة عشان أقراها، كان مكتوب:
(وصلَك الجوَاب؟ بصراحة.. بدأت أحِب الموضوع تحت هنا "
كانت مكتوبة بنفس الخط السيء اللي كان مكتوب بيه الجواب، كُنت على وشك أقع على الأرض من كُتر الصدمة، أو من كُتر الخوف، أو يمكِن بسبب الشعور بالذنب، ومُمكِن يكون بسبب كُل دا في نفس الوقت
أنا عايز أكون صريح معاكُم، محدش منكُم يعرفني، ودا أكونت فيك، يعني محدش هيعرف أنا مين أصلًا
صوت العيّاط المُستمِر مكان طبيعي، الفلوس اللي بتتصرَف على البامبرز واللعب كانت أكتر من الطبيعي، الحضانة كانت كُل أسبوع تطلب فلوس بحجة شكل، حياتي كُلها كانت بتتدمَّر بسبب البنت دي، قربت أفلِس، أنا أصلًا مكُنتش عايزها، دي كانت غلطة لعينة، وكان لازم أصلَّح الغلطة دي، على ما يبدو.. إن كُل حاجة عملتها على وشك تتكشَف النهاردة
احكموا عليَّا لو حابِّين، قولوا أي حاجة حابين تقولوها، أنا معنديش مشكلة
بس كان لازم أعمِل اللي عملتُه
ولو رجع بيّا الزمن هعمِل دا تاني وتالت ورابع
.
.
.إتنين بس في العالم كُله يعرفوا اسم سوزانو..
الأب والبنت الميتة، الموضوع مش هيحتاج عبقري عشان نعرف إن الأب هو اللي ورا كُل دا، أكيد مش بمزاجه ولا بإرادته.. بالعكس.. عقدة الذنب هي اللي بتحرك عقله الباطن عشان يلاعبه ويهدده بكشف كل حاجة
الراجل عقله الباطن بيلعب بيه، عقدة ذنبه هي اللي بتخطّط للموضوع، هو اللي بعت الجواب لنفسه، هو اللي خرج اللعبة المفضلة للبنت من البيت، هو اللي بيهدد نفسه بدون ما يعرف
ويبدو إن التهديد نجح لأنه اعترف بالموضوع، صحيح من أكونت فيك ومحدش عارفه لسّه بس هي مسألة وقت ويا هينتحر يا هيعترف بكل حاجة
كان ممكن أشك في الأم لولا حاجتين.. أولًا موضوع الاسم اللي محدش يعرفه غير الأب والبنت بس، وثانيًا لو هي الأم.. ليه سكتت وصبرت 18 سنة كاملين؟

قصص رعب 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن