الفصل الثالث عشر
لم تعد تستحمل، دموعها جفت ولم يعد في مقلتيها غير العذاب، فالآن زوجها بين الحياة والموت وعلاجه ليس بيد طبيباً وإنما علاجه بيد الله أولاً وبعد ذلك هذا العشب الذي يسمى بالسنا مكي، كلما حدقت بحبيب عمرها وجدت أن مرضه يزداد، كيف له أن يتحمل هذا الوجع، وكيف لها ألا تتذوق من ألمه، فهو تؤام الروح الذي تتقاسم معه كل شيء، قامت من مكانها وأسرعت إلى المرحاض، توضأت ثم خرجت حتى تدعو إلى الله وتصلي صلاة الحاجة لمن يقدر على كل شيء، فرشت سجادة الصلاة وبدأت تقرأ القرآن في خشوعٍ ظاهر على وجهها، انتهت بعد عشر دقائق من الصلاة، بتلك اللحظة قالت بصوت شبه صارخ:
_ يارب إنت قادر يارب على كل شيء السحر إنت قادر تنهيه خلصه منه ورجعه بخير
انزلقت دموعها بعد أن اجتمعت في مقلتيها من جديد، قامت من مكانها وقلبها يرتجف، دلفت لداخل الغرفة فوجدته مغمض العينان، قررت أن تفعل له صحن من الشربة لعلها تكون وجبة خفيفة على معدته، انحنت قليلاً نحو رأسه لتقبلها باشتياقٍ جمٍ ثم قالت بحنو:
_ حبي ليك هيحارب أي حاجة تقف قصاده حتى لو كانت قوية والسحر دا مجرد ضعف لإنه معمول من الشر .
اعتدلت في وقفتها ثم خرجت من الغرفة بعد أن نظرت له، دلفت إلى المطبخ فلم تجد أي خضار بالثلاجة بعد أن فتحتها، تأففت بشدةٍ حيثُ أنها وضعت يدها على خدها بيأسٍ ملحوظ، كانت على تلك الحالة ما يقارب عشر دقائق من الوقت ولكن فاقت من تلك الحالة التي وصلت لها حين تذكرت بأن هناك أرض زراعية بعيداً عن مكانهم بحوالي نصف ساعة...
خرجت من المطبخ وفتحت باب المنزل لتهرول حتى تأتي له بكل ما يحتاج....
__________________________________________
صدمة ألقمت لسانه، حدق بها ثم ابتلع ما في حلقه قبل أن يقول:
_ عاوزة إيه؟ ممكن تقولي تاني..!!
ردت عليه بلا مبالاة، لتجعله يجن من برودها:
_ محشي وياريت بقى يكون ورق عنب وبتنجان بليز
كور يده بانفعال، جذ على شفاه وبعد ذلك قال من بين أنيابه:
_ محشي بتنجان ما هي فعلاً بتنجان في الكوسة إنتي
متأكدة إنك عاوزة تكملي تعليمك في ايطاليا
أومأت له برأسه وهي تمد شفتها للأمام وتقول بحزنٍ كالأطفال:
_ بس متفكرنيش عشان جدو مش راضي وإنت اتجوزتني
تنهد بقوةٍ من تفكيرها لهذا الموضوع وندمها الشديد على جوازهم، عاد ليتحدث معها ولكن بضيق شديد حيثُ قال:
_ طب خلصي هتأكلي إيه حضرتك...؟ وطبعا مش محشي!!
وضعت يدها على رأسها كنوعٍ من أنواع التفكير العميق ولكن تلك الحركة ليس إلا للأطفال، كان ينظر لها وهي بتلك الحالة دون أن تنتبه له، يشعر بأنه أبٍ لطلفةٍ مجنونة، كان يأتيه شعور الحنين والاشتياق حيثُ أنه يتمناه أن تدخل بين ذراعيه وتكون أسيرته فقط، نعم أسيرة الأسد الذي لا يتمنى أحد أن يتعامل معه بسبب قسوته ولكن تلك القسوة ترحل أمام بحور عيناها، خفقاته تريد أن تحس بأن فوادها أصبح بداخل أعماقها فيكونان قلبًا واحدٍ، فاق من أحلامه عندما تكلمت أخيراً:
_ زنجر سوري بليز..
كانت تتحدث وهي تقفز من كورسيها وكأنها اكتشفت شيءٍ لم يكن موجود، بتلك اللحظة انتبهت لصوتٍ يقول:
_ ستقلع الطائرة أرجو من الجميع ربط. أحزمة الأمان..
بعد تلك الجملة الشهيرة والتي نسمعها دائما في المطار، بدأت تتحرك. الطائرة، أغمضت "لين" عيناها بخوف شديد ثم وبحركة مفاجئة أمسكت يد "زيدان" وقالت برعب:
_ "زيدان" خليك جنبي أنا خايفة..
شعر "زيدان" بأن الحياة بدأت تبتسم له مع أول طريق للثقة التي قطعتها بيدها في الماضي، سيعود كل شيءٍ من جديد، ملس على الحجاب الخاص بها وبعد ذلك قال بثقة:
_ أنا جنبك وهفضل ماسك أيدك فمتخافيش
شيءٍ ما بداخلها اطمئن، ابتسمت له بسمة صغير بعد أن فتحت عيناها...
________________________________________
في منزل عائلة الأسيوطي..
كان الليل قد حل عندما دلف أحد عمال منزل الحاج "أحمد" وقال بلهجة سريعة:
_ كل حاجة تمام يا بيه البيت بقى جاهز تأمر بحاجة تانية
هز "أحمد" برأسه لينظر بعد ذلك لزوجة ابنه التي كانت تجلس بجانب "عبد القادر" و "محب" ليقول باستعداد للرحيل:
_ جاهزين نرجع بيتنا....بيتك جاهز يا ست البنات.
ابتسمت له "مها" فدائما كانت تعشق أن يناديها هكذا، ردت عليه وهي تستعد للمغادرة:
_أنا جاهزة ياعمي..
وبالفعل قاموا كل من زوجها وابنها، جاءت بتلك اللحظة "كاملة" والدموع غزيرة بمقلتيها، بدأت تتحدث بخيبة أمل:
_ برضه هتمشوا..
أمسكت بيدها "مها" بعد أن قامت من مكانها لتذهب لها..ثم ردت عليه بحب:
_يا أبوي عليكي يا "كاملة" بتعيطي كتير والباب في وش الباب متخلنيش أزعل منك
أنهت حديثها لتبدأ في مسح دموعها التي انزلقت على وجننيها بغزارة، احتضنتها "كاملة" ثم توجهت إلى والدها وهي تقول بدلال:
_ طب هي وضحكت عليا بكلمتين وإنت إيه يا حاج "أحمد"..
وضع يده على رأسها، وبدأ يتحدث بحنو كبير:
_ حبيبتي كل يوم هكون عندك ومش هيفرقني عنك إلا النوم وبعدين إنتي في نعمة عن"فخرية" مشفتهاش خالص بسبب سفرها..
أومأت برأسها في طاعة ثم انحنت على يده لتقبلها بتلك اللحظة قال "سالم" بجدية:
_ المكان اللي تستريح فيه على راسي يا أخوي و...
توقف عن الحديث وإكماله عندما صرخت "هانم" بشدةٍ:
_ الحق يا ابا الحاج "سالم" مصيبة
كانت تركض باتجاههم كالخيل السريع، وقفت أمامهم وظلت تلهث أنفاسها، بتلك اللحظة تحدث "أحمد" بهلع:
_ في إيه يا بت يا "هانم" بتصرخي كدا ليه..
________________________________________
كانت بغرفتها بين أحضانه مغمضة عينها وهي لا تعلم لما ضعفت له، بتلك اللحظة ملس "محمد" على شعرها ثم قال باستغراب:
_ بس أنا مش فاهمك يا "نور" مش عاوزة تروحي أي بلد ولا عاوزة تعملي شهر عسل تاني وكنتي غيرانة من أخواتك ليه طيب؟!!
حاولت أن تهرب من حديثه فقالت:
_ تحب أعملك إيه على الغداء النهاردة يا سابعي..؟!
جذ على أنيابه بانفعال فدائما تضع نفسها في أخطاء وهي لا تعلم سببها، رد عليها بتلك اللحظة بهدوء عکس ما بداخله من الغضب:
_ أنا بقول إيه وإنتي بتقولي إيه؟ سهل عليکي تغلطي نفسك وصعب عليكي تقولي السبب أنا واثـ...
اسكتته.بطريقتها الخاصة حين رفعت رأسها وأقتربت من شفاهه حتى تتذوق منهما طعم الحب، بادلها المشاعر التي تحتوي على لغة العشاق ثم أخذها إلى عالم لا يعرف غيرهم...
___________________________________________
وصلت إلى المنزل بعد أن أوصلها ابن عمها "مصطفى"، نظرت له ببسمة صغيرة وهي تقول له بامتنان:
_تسلم يا" مصطفى " على التوصيلة..
بادلها الابتسامة ثم قال بحنو:
_ خلي بالك من نفسك يا "أمل" وبلاش تمثلي إنك بتبتسمي مفيش حد هيحس بيكي غير اللي منك يا ست البنات..
أين كنت يا أنت حين كانت بحاجة لك، الآن تشعرون بها وكيف ذلك وهي حتى الآن لا تبوح بوجعها، هكذا كان يقول قلبها قبل عقلها....كانت شاردة ولم تنبه له حيثُ أنها انشغلت في التفكير في أوجعها التي تنهش في روحها للدرجة أنها تمنت أن تموت وتتخلص من كل شيء، بهذا الوقت فاقت من أحبال شرودها على صوته:
_ "أمل" ...!!!
ردت عليه بتعب:
_ ها..
شعر بأنها تحمل شيءٍ بداخلها ولا تريد أن تخبره لأحد، ولذلك قال بهدوء:
_ العيلة كلها حاسة بيكي ومن تغيرك ممكن تقولي إيه اللي وجعك وافتكري دايما إن صديقک المقرب...
ابتسمت له بحب ثم قالت بتمرد قليل:
_ مفيش حاجة والله يا "مصطفى" هدخل أنا بقى و...
لم تكمل حديثها حيثُ استدارت بظهرها حتى تشير له نحو المنزل ولكن الصدمة التي رأتها ألقمتها بشدةٍ..
___________________________________________
بعد أن أخذت أنفاسها، وتناولت القليل من الماء، تحدثت أخيراً:
_ الطيارة اللي فيها "زيدان" باشا..!!
جحظ الجميع أعيانهم بها، اقتربن الأمهات بهلعٍ ليتحدثن معًا بصوتٍ يملؤه الرعب الشديد:
_ مالهـا...!!
عادت تكمل حديثها ببكاء:
_ بيقولوا وقعت يا باشا..!! حتى شوف في التلفزون..
لم يحقق معها أحد، أسرع الجميع نحو التلفاز، تحدث "سالم" بصراخ:
_ افتح يا "علي" التلفزون نشوف اللي حصل مع أخواتك.
أسرع بالفعل "علي" حتى يفتح التلفاز المتواجد بالحديقة، كان يحاول ألا يبكي من تلك الصدمة، بالفعل يغار من تقرب العائلة من ابن عمه الأكبر ولكن من سيتحمل أمورهم، من سيضع يده على كتفه حتى ينصحه، هو كل شيء في تلك اللحظة ايقن بأنه يحب "زيدان" ..
استدار حتى يقول لجده بحزن:
_دي القناه يا جدي..!!!
تراقب الجميع الخبر الذي كان يقول فيه المذيع:
_ نتأسف أن نخبركم ونخبر اهل الحالات المصابة أن الطائرة التي انقلعت من مطار القاهرة الدولي منذ ساعتان قد وقعت وهناك ست حالات مصابين والباقي توفوا..
كان الخبر بالنسبة لهم كالصعقة التي وقعت فوق رأسهم، ابتلع "عبد القادر" ما في حلقه حين قال:
_ حد يعرفنا قصدهم على أي طيارة والطيارة راحة فين.
___________________________________________
عادت إلى المنزل بعد وقت کبير، كانت ترجد بقوةٍ، تحمل أشياء قليلة بيدها ولكن كان هذا بالنسبة لها أمل كبير.
دلفت إلى المنزل ولكنها لم تجد "أحمد"، جحظت عينها بصدمة شديد ثم وبحركة مفاجئة صرخت بشدةٍ:
_" أااااااااااااحمد"
كانت تنادي عليه وكأنها تبحث عن طفلها الصغير، خرجت مرة ثانية من المنزل. انتابها حالة من الجنون الحاد، أصبحت تبكي بهسترية كبيرة، وقعت أكثر من مرة وهي تركض، الندم سيطر عليها..، تحدثت بتلعثم:
_.. اااا أنا السبب في اللي حصل... سبتك بس ارجع جبتلك العشب اللي الست قالت عليه..
وقفت بمنتصف الطريق محتارة، اتذهب إلى اليمين أو اليسار إيهما ستجد فيه رفيق الدرب، أغمضت مقلتيها بشدة ثم سارت بالجانب الأيمن..
وبالفعل قطعت نصف الطريق إلى أن وجدت ما لا تتوقع أن يحدث معه للدرجة أنها هلعت من تلك المفاجأة
__________________________________________
استيقظت من غفلتها بفزع جم، ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة ثم قالت بصوت هامس يشبه الصراخ:
_ "زيدان"..
انتفضت عندما وجدها ترتجف بتلك اللحظة، أصبح الأسد الآن كالقطة أمام رعبها نعم هي فقط من يحن ويقسوه عليها، الغضب لعقابها، والحنين لخوفها، سيكون كل شيء بالنسبة لها، لقبه سيستعرضه على من يستحق فقط ولكن هي لا..
أمسك بيدها وبدأ يقول بحنو:
_ مالك يا"نجاة"
رفعت رأسها برجاء ثم تحدثت بذعر:
_ في حد وحش أوي كان بيخنقني يا "زيدان" احنا مش هنكمل مع بعض...
دا اللي حصل
حديثها وجع قلبه ولكنه عاد وأطمن عندما عادت الثقة له، قبلها من وجنتيها وقال بتحدي:
_الموت بس اللي هيفرق بنا يا "نجاة"...!
كانت تعلم بأن ثقته دائما تكون صحيحة ولكن تلك المرة ستخونه بشكل كبير، هذا كان يقين عندها لذلك وبحركة مفاجئة، فتحت ذراعية بيدها وألقت نفسها بداخلهما..
نظر لها ثم ابتسم وقال لنفسه:
_ ااه يا طفلتي لو تعرفي الحقيقة....
___________________________________________
استغرب" مصطفى" من تحديقها الشديد، نظر لما تنظر له فوجد ما لم يتوقع أبداً، حيثُ أن هناك من تقف مع زوجها ويبدو أنها كانت تخرج من عش الزوجية التي تحلم به أي فتاة...
أسرعت له وهي تقول بانفعال:
_إيه دا؟ إيه اللي بيحصل دا و "نعيمة" بتعمل إيه هنا.
ارتعدت "نعيمة" وكانت خائفة من عائلة "الأسيوطي"، لم يتيقن" طارق" أن "مصطفى" معها وبدأ في اهانتها.:
_ مالك بترتعشي كدا ليه يا "نعيمة" واحدة زيها مش عارفة حتى تجيب عيل يبقى ملهاش حق تتكلم أبداً.
نظرت له ولتلك السيدة الذي يهينها أمامها، صرخت بوجهه بصدمة:
_ هو دا حبك ليا يا "طارق" هي دي العيشة لو كنت أعرف إن وعودك اللي وعدهاني قبل جوزنا هتكون كدا وإنك هترجع فيهم أنا مكنتش حبيتك لإن كل أفعالك بتقول إنك مش راجل.
رفع يده حتى يصفعها بشدة ولكن وجد من يمسك معصمه بقوةٍ، نظر له فوجد أنه "مصطفى" شعر أن الدماء التي في جسده تجمدت فهي تقومه ولا تسرد للعائلة ما يؤلمها حتى هو يعاملها بدلال أمامهم واليوم بانت الحقيقة..
___________________________________
يتبع..
#كوكب_ميرو
#نجمة_الروايات
شكرا للناس اللي احترمتني وبرضه بشكر اللي مستحملوش غيابي.
والله الفون بايظ جداً فعذروني
أنت تقرأ
أسيرة الأسد
Misteri / Thrillerوحشٍ قاتل كالأسد مفترس لا يعرف إلا القسوة الجميع بالنسبة له ولا شيء، يشعر أنه ملك العالم وانتابه شعور أن الحياة أصبحت تحت أقدامه جعلها أسيرته منذ أن أصبحت شيءٍ هام بحياته وضع لها قانونه الخاص، لا يحق لها أن تعيش فقط تستمع لحديثه حتى ولو كان سبب ف...