الفصل الثالث

146K 5.9K 283
                                    

الفصل الثالث:

وقفت "ريم" في منتصف المنزل تنتظر خروجه من الغرفة المنزوية بأخر الشقة والتي كانت يومًا مخصصه ل "عُمر" كي يضعه في فراشه الصغير الذي لم تمس به أي تغيير حتى بعد مرور سنة على انفصالهما، ففراشه تحرص على تغييره اسبوعيًا بجانب تنظيفها للألعاب وعلب الألوان الصغيرة التي فقدت رونها باشتياقها لسحر طفولته.
غمرتها رغبة عارمه في البكاء والصراخ لتلك الطريقة البشعة التي اقتلع بها ريان صغيرها منها.
ألهذا الحد لا قيمة لمشاعر أمومتها بعد أن توَلت تربيته وعشقته منذ كان وليد يومين ؟!!
نعم، فهي أمه رغمًا عن أنف الجميع وماذا إن لم يقتطع من رحمها لكنه عاش وترعرع في روحها وملئ فراغ موحش داخل قلبها، ولا حق لأحد حتى المسمى بوالده في انتزاعه منها بتلك الطريقة المتوحشة.
حاولت التركيز على تلك المشاعر العنيفة والابتعاد عن أخرى ضعيفة مثيرة للشفقة تدافع بلهفة عن عودة "ريان" وظهوره الغير متوقع لكنها لن تستسلم لأوهامها وقلبها الأحمق مرة أخرى ولن تنساق وراء مشاعرها السخيفة وقد ذاقت بسببها المرار، فإن كان للحب وجود بينهما لما مزقها بتلك الطريقة المروعة.
قطع أفكارها خروج "ريان" من الغرفة، فاعتدلت تنتظره شامخة الرأس بإصرار على فعل ما يمليه عليها عقلها تراقبه يتقدم منها بخطوات غامضة.
ثنى ريان قميصه في طريقه لها ثم توقف يغمض عينيه لحظه واتجه للمقعد جوارها حتى يخلع حذائه في تأني قبل أن يضع ساق فوق الأخرى مستند للخلف بأريحيه يخفي خلف جفونه ثورة كالداهية ستكون هي ضحيتها.
- ممكن أفهم انت ظهرت في حياتي تاني ليه؟
انعقد حاجبيه وهو يمرر إصبعه على شفتيه في تهكم وتفكير ثم قال في نبرة غريبه:
- وإنتِ مكنتيش عايزاني أظهر؟
طالعته كأنه مجنون وعقدت ذراعيها كي تمنع نفسها من الانقضاض عليه لتُمزق وجهه، قبل أن تقول بحده:
- وإنت كنت متوقع إني هرحب بيك تاني بعد اللي عملته فيا؟
- وده يديكي الحق إنك تتخطبي لواحد وإنتِ على ذمة واحد تاني !
أخبرها بنبرة حاده قاتلة وهو يستقيم ويقف أمامها مباشرة غير قادر على التصرف بتحضُر وكل حرف يخرج من فاهها يكوي رجولته، لكنها ابتعدت خطوة للخلف بحذر وقالت في توتر:
- أعتقد الموضوع كده زاد عن حده، إنت بأي حق بتكلمني عن خياراتي،
على ما أتذكر إنت اللي رمتني وطلقتني مش أنا.
- وأنا بردو اللي رديتك لعصمتي وإنتِ اللي فضلتي تبعدي وتعزليني عنك وأنا سيبتك بمزاجك لحد ما أرجعلك مصر،
لكن متخيلتش إنك ممكن يجيلك الجرأة وتعملي مصيبة زي دي.
- ردتني لعصمتك ، يعني إيه ردتني لعصمتك؟
تساءلت بغباء عاجزة عن استيعاب ما يخرج من فمه فابتسم تلك الابتسامة الساخرة البغيضة وهو يمد أصابعه يلمس وجنتها الحمراء من شدة انفعالاتها ثم أردف:
- إنتِ عايزه يبقى معناها إيه؟
- بلاش تهريج وفهمني يعني إيه، لو قصدك ترجعني فأنا مش هرجعلك ولو على جثتي!
هتفت وهي تبعد أصابعه في حده فارتفع حاجبه يحلل كلماتها، تنفس من فمه ببطء سبب أخر يدفعه للتروي ويُذكّره بأنها فاقدة للكثير والكثير بموت ذويها لكن لم يمنعه ذلك من القول بتشفي:
- يعني في شرع ربنا إنتِ لسه مراتي!
حركت يديها بينهما بانفعال شديد قبل أن تتوالى اتهاماتها:
- كذاب، أنا مش مصدقه حرف واحد من اللي قولته، إنت فاكرني عبيطه وهصدَقك،
شرع إيه اللي يخليك تردني بعد سنة طلاق وبعدين بيجاد أكدلي إنك هتبعتلي ورقة طلاقي أول ما تنزل أجازة يبقى إزاي ردتني زي ما بتقول!
عقد ذراعيه وهو يراقبها في غضب يحاول تحليل غضبها أهو صادق أم أنها تعلمت المكر والخديعة في غيابه لتلمع عيناه وقد تَذكّر أمر هام، فبادلها نفس الخطوة ومال لتصبح عينيه الحالكة بغضبه بمستوى عيناها ويتهمها من بين أسنانه:
- لمّا كلمتي بيجاد كان لسه بقالنا شهرين، لكن أنا رديتك بعد ٣ شهور يعني قبل العدة ما تنتهي بأيام وأظن الرسالة كانت واضحة فبلاش كدب عشان تداري على عملتك.
- أداري على عملتي!
لا إنت تطلع برا بيتي حالًا، والكلام اللي إنت بتقوله ده مش صحيح أنا مجاليش أي رسايل بكلامك الفارغ ده.
- لا حصل الرسالة وصلتلك مع عقد الشقة.
حركت رأسها لليسار واليمين بنفي وهي تجزم في ذعر:
عشان تعرف انك كداب، العقد معايا لوحده ومكنش فيه اي رسايل لما وصلي الظرف وبعدين عايز تفهمني انك ردتني زي ما بتقول برساله،
لا انا مش مصدقاك دي أكيد لعبة من ألاعيبك.

فرطِ الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن