الفصل الأول

313K 6.4K 305
                                    

الفصل الأول:

حَل المساء بظلالِه ليُنهي ليلة أخرى من ليالي الخريف الدافئه التي يتحدى هدوءها تلك الأنوار والأصوات السعيدة الصاخبة الصادرة من قاعة للإحتفالات تُنبئ بزيجة ورباط جديد، إبتَعَدت "ريم" عن ساحة المعركة الراقصة التي تدور بمنتصف القاعة متجهه نحو الركن البعيد حيث الحبال البراقه المزينة بالزهور الورديه مَالت تشُم رائحتها الفواحة متناسيه أنها بإحدى حفلات الزفاف التي صارت تبغضها وتكره مشاعرها الزائفه نحوها، نفضّت ٱفكارها السوداويه فلا أحد يبقى من أجل الآخر كما يدعون، لكنها تفعلها من أجله فهو يستحق كل تضحيه قامت وستقوم بها.
إلتفَتت نحو "أحمد" محور تفكيرها الذي إنضم إليها متسائلًا بابتسامة صادقه تُشرِق ملامحه الهادئه والحنونه:
- نروّح ؟
بادلته إبتسامته لكنها هزّت رأسها بالنفي مؤكده بملامح متهكمه:
- وندّي الفرصة لولاد خالك يسرحوا بخيالهم ويطلّعوا كلام جديد، لا شكراً.
ضحك برحابه صدر وتعلقت عيناه بخصلاتها الجذابه بينما يميل ليهمس في أذنها برضا:
- شكراً ليكي ياريم، إنتِ غلاوتك عندي بتزيد كل لحظة عن اللي قبلها.
رَفعِت يديها نحو خصلاتها السوداء المموجه بإحترافيه لتبعدها للخلف ثم أجابته بنبرة مازحه:
- دي أقل حاجة عندي، أنا اصلًا أتحب.
مرّت عيناه فوق وَجهِها الأسمر الخلاب المزين بإبتسامتها فتزيد من جمالِها المشاغب الأخّاذ، ف رَفَع يده فجأه يبعد تلك الخُصلة المتمرده عن وَجهِها وٱبتسم حين إحمرّت وچنتيّها كعادتها الخجوله
- أحمد ماما بتناديك.
إبتعد عنها ليُطالع إبن خالته الصغير ثم نظر لها بابتسامة خفيفه مستأذناً:
- دقايق وهنمشي، كفاية عليكي كده النهارده.
أومأت برأسِها وتابعته ينضم لإحدى خالاته وإبنها المتعجرف، تنهدت متعجبه للهدوء والثقة الذي يتناقش بها أحمد معهما وشعرت بفخر لأنها نوعًا ما كانت سبباً في رجوع تلك الثقة، أعادت إنتباهها إلى تلك الزهور الرائعه دون أن تنتبه لزوجان من العيون يتربصان بها.
تعلقت عيناه السوداء كالبئر العميق والمخيف بجسدها ، وشعر "ريان" بكل عضلة في بدنه تتصلب ل ثوان معدوده عندما لامس "أحمد" ما ليس حقه، حتى أخذت مشاعره تغلي وتتصاعد داخلهُ وكأنه إبريق من الشاي فتلك الخصلات الناعمة كشعر الخيل العربي وُجِدت لتتخللها أناملهُ هو فقط.
مدّ أصابعه لإمساك صغيرهُ صاحب الستة أعوام الذي إنطلق من جواره في لهفه مزّقت كيانه ليسبقه نحو تلك الواقفة بثوب أحمر اللون كالنبيذ مستكملةً طلتها بلا أي مبالاة بعقدٍ أسود يتدلى بمجون فوق مفاتنها.
تابعها تنتفض حين تعلق عمر بخصرها من الخلف كأنها الحياة، فأجبر أصابعها الرفيعة على إعتزال مداعبتها للزينة المغطاة بالورود لتستدير إلى الصغير بملامح مرتبكه ومرتاعه قبل أن تعكس تقاسيمها صدمة كبيرة.
- عُمر..
تغنّت بإسم الصغير بلهفه أعادت النبض لقلب الوالد قبل الولد ثم جثت تضمه بشوق عارم، تُقبِّل كل ما يقابلها من وجهِه البريء فقد مرت سنةً كاملة منذ أن إنتزع منها بقسوة، فكرت بمرارة وشعرت بدموعها تسبق كلماتِها وهي تتساءل:
- عامل إيه يا حبيبي وحشتني يا عُمر، إنت جيت هنا لوحدك؟!
سؤال غبي لقلب ضعيف ملتاع يهوى تعذيب الذات ... مسح الصغير برأسه في صدرها قبل ان يبتعد على مضض مجيبًا:
- مع بابي، أنا بحبك أوي يا ريم إنتِ رجعتي خلاص؟
رسمت إبتسامة ضعيفه تغطي ألم مبرح منبثق من أعماقها وقبل أن تجيبه كان الصغير يستعيد موطنه بين ذراعيها الحانيه دون مراعاه لمعرفة الإجابة أو ربما خوفً من المعرفة.
ضمته إليها في فزع خفي كأنها تتهرب من إنفجار وشيك داخل صدرها ولكن هروبها تلاشى بتروي ما إن إعترض مرمى بصرها خطوات صارمه لحذاء أسود لامع تحفظ صاحبها الجسور عن ظهر قلب، رَفعت رأسها ببطء وقد جفّ حلقها رغمًا عنها وعيناها مع كل جزء من جسده الممشوق
الذي إزداد عرضًا رياضيًا لم يكن عليه منذ سنة مضت، واخيرًا إلتقت عيناها البُنيه كقطعة من الشوكولا المخلوطه بزبدة البندق بعينيه السوداء الجذابه التي تزيد إطلالته الرجوليه أناقة والقادره على محو تاريخ مؤلم محفور في رأسها ليختفي في لحظة العالم سوى من كلاهما فينثُر الحنين ذكريات تمنّت نسيانها ولكن هيهات فما هي القلوب إلا فتات حِطامٍ لنِيران عشقٍ تزداد نحيبً، محمومةٍ بغيوم من ماضٍ هوىَ.

فرطِ الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن