الفصل الخامس

71.1K 2.9K 221
                                    

احتيال وغرام

الفصل الخامس :-

كان يطل عليها بجسده دون أن يمسها، وجه "يونس" أمام وجه "ليال" مباشرةً، عيناه السوداء تحاصر بنيتاها تقدح عاطفة ذكورية لا يدري متى اشتلعت بين جنبات صدره وهبت لتنشب بظلمة عيناه..!
بينما ليال كان صوت تنفسها عالي، دقات قلبها في ازدياد مستمر حتى شعرت أن الهواء الذي تسحبه لصدرها لم يعد يجد مكان وسط ثوران تلك المشاعر الحادة داخلها..
أمسكت وجهه قبل أن يقترب منها لتهمس له بصوت خرج مبحوحًا:
-يونس لأ، ابعد يا يونس، بلاش وأنت مش في وعيك
لم يكن يجيب بل كان محدقًا بها، يسمعها ولكنه كان مُلقى بين براثن عالم اللاوعي فلم يعد قادرًا على السيطرة على أي رد فعل...!!
فهمست مرة اخرى بصوت اكثر إلحاحًا:
-ابعد عني يا يونس
ولكنه لم يعط الاستجابة المرجوة بل اقترب بوجهه من رقبتها، مغمضًا عيناه... مستسلمًا لتلك العاطفة التي أحكمت قبضتها الحارة على كل خلية به....
وما إن لمست شفتاه رقبتها البيضاء حتى ارتجفت متفاعلة مع تلك العواطف وازداد إنقباض أنفاسها الثائرة، لتحاول تلفظ تلك المشاعر لخارج شرنقة روحها، فقالت بحروف متقطعة مرتجية:
-بالله عليك أبعد، هتكرهني اكتر اول ما تفوق والله
لم يتزحزح من مكانه لمدة دقيقتان، ثم ابتعد فجأة ليتمدد على الفراش جوارها.. يحدق باللاشيء...!

بينما ليال تزفر بعمق سامحة للهواء ليجتاح رئتاها بارتياح.. لم تكن لتسمح له أن يكرهها أكثر، لن تستطع التأقلم مع حقده إن تزايد..!

رفعت جسدها بخفة تنظر نحوه لتجده أغمض عيناه واستسلم لنوم عميق، فاقتربت منه ببطء لتسند وجهها على صدره الصلب، تطالع ملامحه التي تشع رجولة وخشونة والتي أطاحت بقلبها لتأثره بلعنة ذلك العشق..!
ثم مدت يدها بتردد ولأول مرة تسنح لها الفرصة لتتحسس وجهه بأصابعها المرتجفة، يا الله كم تعشقه... تعشق كل شيء به... وكم يكرهها هو !!..
خرج صوتها مرتعشًا ككليتها وهي تهمس متسائلة وتلك الحسرة تستبيح حروفها لتظهر بشكل بائس:
-أنت ليه مش بتحبني يا يونس؟
ثم هزت رأسها بسرعة وهي تكمل بتوسل وكأنه يسمعها:
-طب مش عايزاك تحبني على الأقل ماتكرهنيش
كبحت بصعوبة تلك الدموع التي لمعت بعيناها، وهي تردف متسائلة بنبرة مختنقة:
-هو انا وحشة يا يونس؟ أنت ليه بتكرهني اوي كده؟!
في اللحظة التالية جاءتها الاجابة متمثلة في هيئة ذكرى مريرة لذلك اليوم، ذكرى لم تغادر عقل كلاهما ولم يتوانى صدأها عن تمرير جوفهم........

حينما أمسكه والده من ذراعه يُعيده مكانه بقوة وهو يردد على مسامعه بحزم كمن يُصدر فرمان موته:
-اقف مكانك، أنت غلطت يا يونس ولازم تتحمل نتيجة غلطتك، البنيه دي ملهاش ذنب في اللي حصل، وخلاص فيروز ماهياش راجعالك تاني بعد اللي حصل، فأعمل حسابك انا هاخدك انت والبنيه دي وهتكتب كتابك عليها عندنا في البلد

ثم عقد ما بين حاجباه ليردف بحدة:
-وبعدين أنت كل حاجة بتكدبك يا يونس، وأنت اصلًا مش فاكر إلا طشاش من اللي حصل، فـ ازاي عايزنا نكدب كل دول ونصدقك أنت ؟
إتسعت عينـا يونس وهو يستمع ما يتفوه به والده، وسرعان ما كان يصيح مستنكرًا:
-لا يا حاج لا، أنا اكتب كتابي على الجرسونه الكدابة ال**** دي؟! ده انا ماستنضفش أشغلها خدامة عندي هخليها مراتي!! مستحيل اللي بتقوله يا بابا أسف هخالف كلمتك المرة دي
دب والده "قاسم البنداري" على الأرض بعصاه بعنف لتصدر صوت كان بمثابة بوق يعلن تأهب الحرب على اقدامها:
-مبقاش قرارك يا يونس، اللي حصل محدش غيرك هينفع يصلحه، وبعدين متنساش إني داخل على إنتخابات والموضوع ده ممكن يُضرني ويضر بسُمعتنا عمومًا، يابني ده احنا في ناس مستنية غلطة لينا !!؟
كان يونس مطأطأ رأسه أرضًا، يشعر أن كل شيء سقط عليه كجبل عتيّ ما عاد قادر على ردعه...!
إلى أن رفع "قاسم" وجهه الملتوي بالتذمر والرفض، ليستطرد في شموخ:
-ارفع راسك يا يونس، اوعى تدي فرصة لحد إنه يوطي راسي او راسك، وبعدين احنا منعرفش الخير فين بس اكيد مش في خطيبتك الملونة المتكبرة دي!!
سافرت عينـا يونس نحو "ليال" التي كانت تراقبهم عن بُعد بصمت مستمرة في البكاء لتثير شفقتهم، عيناه حملت قسمًا بالعذاب والأنتقام... نظرته كانت كطرف سيف أسود حاد لن يعود لغمده حتى يمزقها وسيعلم مَن الذي جعلها تفعل ما فعلت سواء بإرادتها او رغمًا عنها.....!!!

 " احتيال وغرام " بقلم/ رحمة سيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن