الفصل السادس عشر

69.4K 2.5K 123
                                    

احتيال وغرام

الفصل السادس عشر :-

كانت "أيسل" مستكينة مكانها أمام جثمان والدتها.. تحدق بها بعينان خاويتان.. وجهها شاحب وكأن الروح غادرت جسد والدتها والأنفاس سُرقت منها هي، لا تستوعب... لا تستوعب ابدًا... كيف هكذا فجأة ماتت.. دون أن تعتذر منها.. دون أن تعوضها عما مضى.. دون أن تخبرها بمبررات تُسكت أنين روحها المذبوحة مرارًا وتكرارًا ..!!
ابتلعت ريقها وهي تمد يدها المرتعشة لتتلمس جثمان والدتها وتهزها ببطء وهي تهمس بحروف وجدت المخرج من بين تصنم شفتاها بصعوبة:
-لأ، انتي أكيد ماموتيش
ثم أصبحت تهزها بقوة أكبر متابعة تمتمتها التي قاربت على الغدو هيستيرية:
-قومي انتي ماموتيش انا متأكدة، قومي يلا !!
فحاوط بدر كتفاها مسرعًا وهو يربت عليها برفق، ثم أغمض عيناه محاولاً ايجاد الكلمات المناسبة في ظل صدمته وجموده هو الآخر...
لتكمل أيسل بصوت اكثر هيستيرية وإنفجار ما بعد هدوء العاصفة:
-لأ، مينفعش تموتي دلوقتي.. انتوا اكيد بتمثلوا صح؟؟
ثم نظرت لبدر وسألته بهذيان ترجوه التأكيد على ما يهذي به عقلها لتسكين ذلك الألم الذي إنفجر داخلها كوباء ضاري:
-هي عايشة يا بدر، هما بيضحكوا عليا وبيخططوا لحاجة صح؟ انا كنت حاسه اصلاً
حينها أمسك بدر وجهها بين يداه يهزها برفق وهو يردف بصوت حاني حازم:
-أيسل، أيسل حبيبتي فوقي، ده قدرها..
ثم ضيق عيناه مفكرًا وقد عاد عقله للتفكير الذي توقف لدقائق:
-أيسل ركزي معايا، مريم إتصلت بالبوليس؟
رمقته أيسل بنبرة عابرة ثم عادت تحملق بالجثمان امامها بتوهان وكأنما عقلها شُل تمامًا فلم يعد بمقدورها إعطاء اي استجابة لأي اشارات تخترق حدود العقل..!
فعاد بدر سؤاله بصوت أكثر حزمًا يحاول سرقة الاجابة التي تأخرت في خروجها للنور:
-أيسل ركزي وجاوبيني عشان في كارثة احتمال تحصلنا
حينها عطفت عليه أيسل فنظرت له وحاولت إجبار صوتها على الخروج، فردت بصوت مبحوح وهي تهز رأسها:
-ايوه، ايوه اتصلت بلغت عن شقة دعارة!
فانتفض بدر من مكانه وهو يسحب يدها معه مغمغمًا بجزع:
-طب قومي بسرعة احنا لازم نمشي حالاً
فهزت أيسل رأسها نافية بسرعة وكأنها مصدومة من تفكيره بالرحيل وهي تشير لجسد والدتها المسجي ارضًا:
-لأ لأ استنى، وهي هنسيبها هنا!!؟
فحاول بدر مراعاة حالتها ليجيب محاولاً استجماع تركيزه:
-البوليس زمانه على وصول يا أيسل، ولو حلفنا لهم على المايه تجمد إننا مش احنا اللي قتلناها محدش هيصدقنا، ومتقلقيش البوليس هيجي وهياخدوها واكيد هيبلغوا طه إنهم لاقوها، صدقيني كل حاجة هتتحل إلا احنا حياتنا هتتدمر ظلم لو مامشيناش دلوقتي حالاً كل ثانية بتفرق يا أيسل

لم تجيبه بل ظلت تنظر لجسد والدتها.. فسحبها بدر من يدها متجهًا نحو الخارج، فإنكمشت ملامح أيسل بالألم وكأنها عادت تلك الطفلة ذات الاربع سنوات والتي تُفرق عن والدتها من جديد ولكن.... للأبد دون خيط أمل للعودة..!!!!
حينها هزت أيسل رأسها ولم تشعر بشهقة البكاء التي غادرت شفتاها وكأن روحها الطفولية تغادرها لتتشبث بوالدتها الميتة:
-طب قومي وانا هسامحك، لو سبتيني تاني مش هسامحك والله... قومي بقااا طب انا مسمحاكي خلاص بس قومي يلا نمشي
وحينما كانت على عتبة الباب صرخت صرخة متحشرجة كانت بمثابة صاعق لعقلها المتجمد المصدوم الرافض للتصديق، ولأول مرة تناديها:
-يا ماااامااا قومييي والنبي
كان قلب بدر يلتوي ألمًا على صغيرته التي اتضح أنها عكس ما تتظاهر تمامًا....
كانت تخبرهم أن يبتعدوا عنها تمامًا وأنها تكرههم، بينما تلك الطفلة داخلها لازالت تنتظر أن يعودوا ليتلقفوها بين أحضانهم معتذرين منها عما بدر منهم..!!!!

 " احتيال وغرام " بقلم/ رحمة سيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن