الفصل الثاني عشر

70.5K 2.9K 228
                                    

احتيال وغرام

الفصل الثاني عشر :-

تفرق جفنـا أيسل ببطء لتبزغ بُنيتاها شبيهتا القهوة من بينهما، وما إن أحكمت قبضتها على زمام الوعي حتى هبت منتصبة لتجلس وهي تنظر حولها لتجد نفسها جالسة في سيارتها جوار "بدر" الذي كان جالسًا جوارها وابتسامة واسعة مرسومة على شفتاه وما إن رآها وقد استعادت وعيها حتى قال مشاكسًا:
-صباح الخير يا روحي
فإتسعت عينـا "أيسل" بصدمة وهي تستوعب أن الذي إختطفها ببساطة لم يكن سوى زوجها المصون "بدر"...
فإحتدت نظراتها حتى أصبحت سهام تراشقت داخله ومن ثم صاحت فيه بغيظ:
-أنت اللي عملت كده يا مستفز
فهز بدر رأسه نافيًا بابتسامة واسعة باردة جعلت الشياطين تتقافز برأس أيسل:
-تؤ تؤ ادائك مش عاجبني يا أيسل يا بنتي، أي حد روح الاجرام تهفه يجي يخطفك عادي كده وانتي تقعي زي الفرخة الدايخه على طول؟! طب كنتي قاومي شوية وأنا اسكتك بطريقة هموت وأسكتك بيها !!
قال اخر كلماته بمكر رجولي وهو ينظر لها بطرف عيناه، لتتجاهل أيسل المغزى الوقح الذي وصلها من كلماته وهي تمسك رأسها متأوهه لتتابع والقهر يتقافز من عينيها:
-معلش أصل في عربية نص نقل خبطت دماغي
فاقترب بدر منها مقبلاً مقدمة رأسها بحركة خاطفة هامسًا في حنو:
-معلش يا بيبي ما انتي لو مكنتيش عاملالي سبع رجاله في بعض مكنتش لجأت للطرق الاجرامية دي وكنت جيت قولتلك إننا مسافرين الصعيد زي اي زوجة طبيعية لكن آآ......
فصرخت أيسل مستنكرة:
-مسافرين فين؟
لتتسع ابتسامته المشاكسة وهو يخبرها بحروف بطيئة:
-الصعيد يا حبيبتي
لتزمجر فيه أيسل بانفعال:
-حبك برص، صعيد إيه انا مش هسافر في حتة وقف العربية ونزلني
فنفى بدر برأسه ببساطة ثم أردف في جدية تامة:
-لأ، مينفعش.. انا عايز أشوف أهلي، وكمان لازم نبعد شوية على الأقل لحد ما نشوف حمايا وحماتي ناويين على إيه، ومريم كمان اكيد مش هتسكت
-لأ يا بدر أنا مش هسيب مامي لوحدها مينفعش
تمتمت بها بإصرار وهي تحاول فتح باب السيارة ولكنه كان مقفل الكترونيًا، لتسمع بدر يستطرد بتهكم:
-لأ متقلقيش هنرجعلها حاضر ونموت انا وانتي ومامي وكلنا !
رمقته أيسل بنظرة حادة ليحاول بدر تهدئتها وهو يهتف بهدوء متفهمًا قلقها:
-يا أيسل ربنا يهديكي افهمي، اولاً مامتك مش قاعدة في القصر لوحدها في ناس شغالة وفي بواب وشباب واقفين على الباب ٢٤ ساعة، وغير كده اصلاً هما مش هيعملوا لمامتك حاجة لكن انتي اللي ماستبعدش ابدًا إنهم يأذوكي بأي طريقة
زفرت أيسل بضيق وهي تقلب كلامه في عقلها ولم تعلق، فأكمل بدر:
-وبعدين حماتي حبيبتي موافقة جدا على قراري وهي اللي جهزتلك شنطة هدومك كمان!
وعندما تمسكت بالصمت ولم ترد ايضا، قرر بدر ارتداء لباس العابث المشاكس وهو يميل برأسه قليلاً نحوها متابعًا يسألها:
-طب أقولك بيت شعر يخرجك من المود؟
فرمته ايسل بنظرة مستفهمة ليتنحنح بدر قبل أن يقول بجدية رسمها بمهارة والشقاوة تلمع في حدقتاه:
-سرحتُ في الغنم كي أنساكي، ولكني في وجه كل معزة أراكي !
كادت أيسل تضحك دون إرادتها ولكنها حافظت على هيئتها الغاضبة وهي تضربه على ذراعه بغيظ و تزمجر فيه بوجنتان محمرتان من الانفعال:
-أنا معزة!! انا معزة يا بدر؟؟
ليردد بدر من بين ضحكاته الصاخبة غامزًا إياها بعبث:
-أحلى معزة شوفتها في حياتي، هو في معزة شعرها أحمر هيجنني وقمر كده!
ثم أمسك بذراعه يصطنع الألم مغمغمًا بمكر:
-خفي ايدك يا معزتي، حاولي تبقي رقيقة شوية!
فزفرت أيسل بغرور مصطنع وهي تغمض عيناها وأجابت:
-أنا اوردي رقيقة أصلاً!
ليميل بدر برأسه نحوها يغازلها متساءلاً بمرح:
-انتي جايه من الارض ولا جايه من السما؟!
لترد أيسل بكل تلقائية نابعة من الغيظ الذي أحرق اعصابها:
-جايه من عند أمك!
ليضرب بدر خلفية رأسها وهو يصيح بذهول:
-أمك!! أمك يا بيئة، فين أيسل هانم الرقيقة البسكوته بنت الحسب والنسب!
فأمسكت أيسل يده التي تضربها وصاحت فيه بحنق:
-ما أنت اللي خرجتني عن شعوري وانا مبحبش النحنحه!
إنتبه بدر للحرق الذي ترك أثرًا واضحًا على يدها البيضاء الناعمة.... ربما خفت ألمه نوعًا ما.. ولكنه ترك ندبة واضحة مُسربلة برنين الألم الذي سيرن داخل أيسل كلما لمحت تلك الندبة...!
ليمسك يدها متحسسًا إياها بإصبعه ببطء وهو يسألها بحنان:
-لسه بتوجعك؟
فهزت أيسل رأسها وأجابت بخفوت يضاهي دور الفتاة السوقية التي كانت تمسك بمقاليد حروفها منذ قليل:
-لأ الألم هدي شوية لما حطيت المرهم
ليُقرب بدر يدها من فمه طابعًا عليها قبلة رقيقة عميقة أرسلت قشعريرة باردة على طول عمود أيسل بمجرد أن شعرت بشفتاه تلامس جرحها... فابتلعت ريقها بتوتر ساحبة يدها من بين قبضته لتصيح بتلقائية وهي تشير للطريق قاصدة تعكير تلك اللحظة الفياضة بمشاعر ستحرص على كتمانها مؤقتًا كما ستحرص على تأديبه:
-ركز في الطريق الله يسترك عشان هنموت محروقين بسبب قلة ادبك!

 " احتيال وغرام " بقلم/ رحمة سيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن