الفصل السابـع عشر

61.1K 2.5K 108
                                    

احتيال وغرام

الفصل السابـع عشر :-

إنتفضت ليال وسؤاله ينتشلها من ارض الحلم التي تثبتت عليها واخيرًا.. ليُعيدها لتلك الليلة التي لا تتمنى سوى نسيانها فقط...!
فابتلعت ريقها لتتنهد قبل أن تجيبه في ثبات غريب:
-ايوه اخدت منها فلوس يا يونس
فعقد يونس ما بين حاجباه والغضب يتجمهر بين ضلوعه مطالبًا بتفسير حتى يخمد ثورته.. فدفعها بجسده للخلف وهو يضغط على ذراعها متسائلاً بنبرة اكثر حدة:
-يعني معملتيش كده عشان الحب زي ما كنتي بتقولي
فنفت ليال بلهفة متوجسة:
-لا طبعا يا يونس انت عارف إني بحبك اوي، مين اللي قالك الكلام ده!!
فهتف يونس بما يعكر صفوه واصبح كالإبرة الحادة كلما استكانت دواخله توخزها بمخاوف جديدة!!..
-ملكيش دعوة مين اللي قالي، الفلوس هي اللي أغرتك! يمكن بقا بعدها حبتيني صح
صُدمت ليال من منحنى تفكيره فهزت رأسها بعدها مسرعة وهي تخبره:
-لأ طبعًا، العكس.. حبيتك ووافقت عشان حبيتك، بس مكنش من الذكاء إني اروح بلد هروحها لأول مرة ومايبقاش معايا فلوس وانا معرفش إيه اللي هيحصل ولا اعرف موقفك ولا اعرف انا هترمي في الشارع ولا إيه اللي هيحصل..!
تسللت حروفها لأعمق نقطة داخله لتنتشل تلك الإبرة مسمومة الأفكار التي غُرزت بين ثناياه، خاصةً حينما أكملت بنبرة ترآى له الجرح فيها من تفكيره الذي أستطاعت استبطانه من تعويذة غضبه التي حلت على عيناه:
-أنا مش وحشة زي ما عقلك مصورلك يا يونس، أو بمعنى أصح انا مش كلبة فلوس، طمن قلبك يا يونس.. انا مش شيطاني قوي زي ما عقلك مقتنع، مش مع اي ضغط هلجأ للغلط
فهز يونس رأسه نافيًا بضيق لاعنًا ذلك القذر الذي عاد ليتلاعب بعقله..!
فيما إبتلعت ليال ريقها ببطء وحاولت بصق ذلك الاعتراف الذي أخذته من بين مخالب الشراسة المتأهبة داخلها بصعوبة:
-أنا ضعيفة من جوا... كنت محتاجة لحاجة تسندني، مكنش عندي اي دعم نفسي، كنت محتاجة حنان الأب والأم اللي اتحرمت منه، مكنش عندي الأب اللي يقولي من وانا صغيرة انتي جوهرة اوعي تيجي على نفسك او اللي هيجي عليكي هاكله بسناني، انا كان ابويا بيستهلكني نفسيًا من وانا صغيرة لحد ما بقيت ادور على ملجأ ومهرب منه ومن عذابه
ثم رفعت طرف ملابسها عن ذراعها حتى ما بعد "الكوع" بقليل ليظهر حرق لازال أثره موجود لم يمحه الزمن، وقد كان مجرد نبذة عن الحروق التي شوهت روحها مرارًا وتكرارًا...
ليخرج صوتها متهدجًا من الألم وهي تخبره لتثبت صدق ما تقول:
-دي في مرة بعد وفاة ماما المايه المغلية اتدلقت على دراعي وانا بعمله الاكل، فجريت عليه وانا بعيط وماسكه العسل الاسود عشان يحطهولي على مكان الحرق، فـ من كتر عياطي ساعتها العسل وقع من ايدي على هدومه بهدله..
فابتسمت تلك الابتسامة ذبيحة الماضي ومن ثم تابعت:
-قام ضربني وشال مني العسل عشان يعاقبني على عدم تركيزي وساب الحرق من غير علاج عقاب ليا لحد ما خف لوحده بس طبعًا بعد ما روحي طلعت من النار اللي حسيت بيها
مع كل كلمة كانت تنطقها ليال كان قلب يونس ينتفض متلويًا وكأنما تلك الحروف تسقط على قلبه كالسوط فتلسعه ليحس بما تحسه صغيرته....!
لم ينطق وإنما جذبها له برفق ليرفع الملابس عن ذراعها ومن دون تردد كان يضع شفتاه على موضع الحرق يلثمه بعمق وحنان دفين... وكأنه يعتذر ويحاول إطفاء لهب الحرارة الباطني النفسي فيه والذي لم يُطفئ بعد...!
ثم رفع رأسه ليهمس بصوت حاني عميق بينما إصبعه يتحسس ببطء وحنان ذلك الاثر دون ارادة منه:
-انا اسف، حقك عليا يا ست البنات.. انا عصبي ويمكن ده عيبي يا ليال مفيش حد كامل
اومأت ليال موافقة برأسها بابتسامة شاحبة، ليجذبها يونس لأحضانه بقوة، يربت على خصلاتها السوداء الناعمة التي يعشقها وكأنها طفلته وليس زوجته ثم أخبرها مؤكدًا بنبرة خشنة حملت في طياتها الحنان الأبوي الذي حُرمت منه والعاطفة الجياشة نحوها:
-ربنا يقدرني وأكونلك الأب والأخ والحبيب، حضني على طول هيفضل مفتوحلك حتى لو بينا مشاكل الدنيا يا بطتي!
تنهدت ليال بعمق وهي تدفن وجهها بين أحضانه اكثر بجوع لذلك الحنان اشتد وطأته عليها، فرفع يونس وجهها بعدها يسألها بابتسامة مشاكسة:
-خلاص صافي يا لبن؟
حينها تنحنحت ليال مبتعدة عنه خطوة ثم عقدت ذراعيها معًا لتخبره بنبرة مترفعة بغضب مصطنع:
-لأ على فكره احنا مش متفاهمين ولازم نسيب بعض!
فسألها يونس بتلك النبرة الشقية العابثة التي باتت تعشقها منه:
-طب هو هيوافق؟
فعقدت ما بين حاجبيها تسأله بعدم فهم:
-هو مين؟
فتلاعب بحاجباه ليُجيبها مشاكسًا:
-بعض!
لتضحك ليال رغمًا عنها وقد نجح في سرقة تلك الابتسامة من مضجع آلامها الغائرة ليُعدل مزاجها بلحظات ودون مجهود يُذكر منه...!
فضحك يونس هو الاخر وهو ينظر لضحكتها بحنان وقد أقسم داخله ألا يقتل تلك الابتسامة ابدًا... جذبها له لتقف أمامه وظهرها له ثم احتضنها من الخلف ويداه تحيط خصرها وهما يقفان امام المرآة... فنظر يونس للمرآة ليستطرد بعدها بأسف وتذمر مصطنع قاصدًا مشاكستها:
-انتي تختني على فكره
وكأي أنثى حينما تسمع تلك الجملة تأهبت جميع حواسها وهي تردد مستنكرة بحدة:
-نعم!!!
فرد يونس بسرعة مصححًا ببراءة:
-إتخانتي، انا خونتك يا حبيبتي
فكبتت ليال ضحكتها وهي تنظر لجسدها مرة اخرى بقلق وتعدل من ملابسها:
-اه بحسب!
فتعالت ضحكة يونس على هوس الانثى القلق خلال تلك النقطة خصيصًا، فضحكت ليال هي الاخرى ثم استدارت تنظر لشاربه وذقنه النامية، فرفعت يدها تتحس ذقنه السوداء بإصبعها ببطء وعيناها مُسلطة على ملامحه بشغف كان متوهج ايضًا بسوداوتاه، ثم قالت وهي تتحسس شاربه بتفحص طفولي:
-اوعى تفكر تحلق شنبك او دقنك
فاقترب يونس بوجهه منها ببطء، حتى أصبحت شفتاه على عتبة شفتاها يتلمسها دون أن يُقبلها فعليًا ببطء داعب مشاعرها الحارة الدفينة وأربكها، ثم اردف بخشونة رجولية ماكرة:
-ليه؟! ده انا كنت فاكر إنها رخمة بالنسبالك عشان بتشوكك!
فابتلعت ليال ريقها وهي تبتسم ببطء ثم اجابت بصوت مبحوح بين شفتاه حرفيًا وأنفاسهما متلاحمة:
-تؤ تؤ، انا بحبها
فطبع يونس قبلة خاطفة لاهبة على شفتاها ليهمس لها بعبث:
-وهي كمان بتحبك يا روح الروح
فابتسمت ليال باتساع ثم أشارت لأوراق عمله الموضوعة على المنضدة لتسأله بنبرة ذات مغزى محاولة الابتعاد عنه:
-إيه يا حبيبي الشغل خلص ولا إيه؟! ما تروح تشوف شغلك مش مطنش امي من الصبح وبتشتغل! روح اشتغل
فعقد يونس حاجباه مصطنعًا عدم الفهم وهو يُقربها منه مرة اخرى:
-شغل!! يعني إيه شغل؟
فضحكت ليال وبحركة مباغتة ركضت من بين احضانه وهي تردد له بخبث انثوي قاصدة إغاظته:
-تيكير بقا يا بيبي عشان حمايا قاسم باشا حبيب قلبي وحشني!
فكز يونس على أسنانه بغيظ وبتذمر راح يصيح:
-يااااه على غدر البشر ياااه، وقد حسبتُ أني لا أهون ولكني قد هُنت يا لياااااال

 " احتيال وغرام " بقلم/ رحمة سيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن