الفصل الثامن عشر

64.3K 2.5K 94
                                    

احتيال وغرام

الفصل الثامن عشر :-

كانت الغيرة كالنيران الهوجاء تصاعدت في جوف "أيسل" حتى وصلت لقمم عيناها فشاب بُنيتاها دخان الغضب وهي تزمجر فيه بجنون:
-ساكت ليه؟ طبعًا لازم تسكت ما أنت خاين
فأمسك بدر ذراعاها برفق يحاول مراعاة حالتها وهو يتمتم في هدوء وحنان:
-طب اهدي يا حبيبتي وهفهمك كل حاجة
لتصيح فيه أيسل بانفعال:
-متقوليش يا حبيبتي، أنت تحضنها وجاي تقولي حبيبتي
ثم ضربت ذراعه بغل متابعة وعيناها تهدر بالغضب:
-ومتقوليش أهدي برضو! مبحبش البرود
فزفر بدر وهو يرفع كتفاه معًا مغمغمًا يهاودها وكأنها طفلة علها تهدأ:
-خلاص ماتهديش، ومش هقول يا حبيبتي، حلو كده؟
فهزت أيسل رأسها رافعة حاجبها الأيسر وراحت تردد بعناد طفولي وهي تزم شفتاها معًا:
-والله؟ طب طلقني يا بدر
فدلك بدر جبهته يستغفر بصوت منخفض مانعًا ضحكته من إعلان وجودها على حواف ثغره بصعوبة، ثم رفع رأسه ليهتف في جدية مصطنعة:
-اسمعي اللي حصل وبطلي شغل الهرمونات ده!
فنظرت أيسل للجهة المقابلة بترفع مصطنع عاقدة ذراعيها وكأنها لا تهتم بما سيقوله بينما داخلها يتلهف لمعرفة ما حدث مع تلك السحلية لتهدئ من سعير الغيرة التي يكوي احشائها....

بينما بدر تذكر ذلك اليوم السابق لليوم الذي سافر به هو وأيسل......

دلف الغرفة التي كانت تقطن بها "مريم" في القصر، ليجدها جالسة على الكرسي امام الشرفة تقضم أظافرها بغل ويبدو أنها تخطط لشيء جديد...!
اقترب منها بدر ليتنحنح قائلاً بابتسامة هادئة:
-إيه الاخبار يا مريم؟
فلوت مريم شفتاها ساخرة وقد استطاع بدر سماع فحيح الغيرة الذي توارى خلف تلك السخرية وهي تقول:
-هو أنت فاضيلي، ساحب ست أيسل معاك في كل حتة ودلوقتي جاي تقولي إيه الاخبار!
فتنحنح بدر محاولاً إيجاد ثغرة يدخل من خلالها لها حتى لا تزداد الضغينة في قلبها تجاه أيسل:
-فاضيلك طبعًا عيب عليكي، أنا بس بتصدف إن أيسل تطلب مني حاجة فباخدها بالمرة وبعدين انتي عارفة الاتفاق اللي بينا
حينها استدارت له مريم بكل جسدها لتردف بنبرة مشحونة:
-أنت شكلك نسيت اتفاقنا احنا يا بدر، السبب اللي جينا عشانه القصر ده اصلاً
فهز بدر رأسه نافيًا ثم تجلى صوته الخشن الهادئ وهو يخبرها محاولاً المساس بالانسانة القابعة داخلها في نقطة مُظلمة تكاد تختفي:
-لأ مانسيتش، بس للحظة فكرت إن يمكن اللي عملته مش مقصود، او حتى لو مقصود قولت لنفسي ليه مانسيبش حقك عند ربنا واكيد هو مُطلع على كل شيء وحقك هيرجعلك لكن احنا كده ممكن نأذي نفسنا يا مريم ونتورط في قضية تانية مثلاً
حينها تفجرت بؤرة الحقد المتكورة داخلها لتتناثر شظاياها وسط حروفها في وجه بدر وهي تهدر فيه:
-ليه أنا اللي اتأذي واتعذب وهي تعيش حياتها عادي جدًا والمفروض إني أنسى وأسامح وأسيب حقي عند ربنا ؟! اللي زي دي مينفعش معاها كده!
فاقترب بدر منها ممسكًا بيدها يربت عليها في حنان ثم استطرد بجدية:
-ده عشانك انتي مش عشانها، يمكن لو عملتي كده وسامحتي ترتاحي يا مريم، صدقيني لو سامحتي هترتاحي
فسحبت مريم يداها من يده بعصبية ملحوظة وكأن شبح الحقد داخلها تلبسها كليًا فلم يعد بمقدورها إعطاء حيز آخر لشيء غير الحقد.... فقط الحقد..!
ثم قالت مستنكرة:
-أرتاح!! أنا قولتلك إيه اللي هيريحني يا بدر بس أنت مش عايز راحتي أنا، أنت بتدور على راحة المحروسة بتاعتك
فهز بدر رأسه نافيًا بسرعة، وبصدق ينبض في عيناه راح يخبرها:
-لأ يا مريم، حتى لو زي ما بتقولي بس إنتي اللي من دمي ولحمي، أنا خايف عليكي، نهاية الكره ولعبة الانتقام دي مش هتبقى حلوة ابدًا
فهزت مريم رأسها نافية وبابتسامة نبعت من ينبوع الحقد الذي تنوي إغراق أيسل فيه، ردت:
-لأ يا بدر، نهايتها هتبقى راحتي انا وحقي انا اللي هيرجع
ثم اقتربت منه بعينان تلونتا بدموع مُزيفة، لتهمس له بصوت مبحوح جذب الاستعطاف جذبًا من بين أعماق بدر:
-أنت ماتتمناليش إن حياتي ترجع طبيعية تاني ولعبة الانتقام دي تنتهي؟
وحينم لم تسمع من بدر سوى تنهيدة عميقة وهو يهمس:
-اكيد اتمنالك كده
فاقتربت اكثر لتحتضنه لافة يداها حول ظهره بنعومة وهي تصطنع نبرة الصوت المكتومة باختناق وتغمغم:
-انا تعبت يا بدر أنا نفسي ارتاح بقا ساعدني بقا طالما تتمنالي الراحة
ولم ينتبه بدر لها حينها اخرجت الهاتف خلف ظهره لتلتقط لهم صورة سريعة ثم اعادت الهاتف لقبضة يدها، وحينما وجدته متصنم لا يفعل اي شيء ولا ينطق..
دققت النظر له وكأنه متأهبة لأي رفض وسألته:
-لأخر مرة بسألك هتساعدني ولا لأ يا بدر؟
فتأفف بدر بصوت مسموع... كلما سار لها من سبيل ليجد راحتها دون تلطيخ بسواد الخطايا تسبقه هي لتضع حاجز فتمنعه..!
فأردف بعدها لأخر مرة علها تكون المُنجية:
-طب بصي، هنروح لدكتور مرة واحدة بس تفضفضي معاه، لو محستيش إن رأيك اتغير صدقيني هساعدك ساعتها
حينها رداء الهدوء الذي كان يُحيط بمريم تمزق لتهفو فقاقيع الغضب المُشابه بالحقد وهي تزمجر فيه بانفعال مفرط:
-قولتلك انا مش مجنونة ومش هروح لزفت، واصلاً انا مابقتش محتاجة مساعدتك في ستين داهية، انا هعرف أتصرف
فأغمض بدر عيناه يلتقط أنفاسه علها تُطفئ من شعلة الغضب التي اُضرمت داخله، كان يحاول تأدية واجبه تجاه ابنة عمه... كان يحاول إنتشالها والتحليق بها في أفق بعيدة كل البعد عن الحقد والغضب، ولكنها وبكل غباء... تُصر على غمس نفسها في وحل الحقد أكثر..!

 " احتيال وغرام " بقلم/ رحمة سيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن