الفصل الثامن عشر " الفصل الأخير"لا الحقائق تروى ولا الغفران يتجزأ ، ستقف على أعتاب معركتك تُبصر خسارتك التي تحول للفوز وحينها ستعلم أن الحقيقة التي تراها يتبعها غفرانٌ كامل***********************************
وقفت في مكانها ككل يوم على بعدٍ مرئي من نافذة مكتبه ، لكن تلك لم تُخرج الورد ولم تبدأ عملها كالمعتاد بل ظلت تنظر أمامها وعينيها مرتكزتين على مدخل شركته تارة تتحمس للذهاب وتارة تقبض على الكارت بيدها كأنما ترفض الفكرةوبعد التفكير الذي لم يستغرق سوى دقائق كانت تضع الهاتف على أذنها وتنتظر إجابة الطرف الآخر-ألو .. مين؟حاولت التماسك لتخرج صوتها طبيعيًا وفي النهاية خرجَ ناعمًا كعادتها-السلام عليكموكأن الطرف الآخر ينتظر تلك المكالمة فما إن نطقت ورد بذلك حتى جاء صوت عنان مُرحبًا-أهلاً يا ورد كنت لسه بفكر فيكِ حالاًازدردت ريقها بتوتر وصمتت وهله قبل أن تنطيق بتوتر-وتفكر فيّا ليه ؟ضحكَ عاليًا لدرجة أنها زادت اضطرابًا-يابنتِ مش قولتلك إني عايزك بكرا عشان شغل !! ..دماغك فين-خلاص فهمنا عايز إيه بقىقالتها بغيظ بعدما لمحت نبرته الساخرة وقد انتابها الاحراج-لمي لسانك واطلعي بدل منتِ واقفة زي قرد قطع كدهاتسعت مُقلتيها بدهشة وظلت تتلفت حولها حتى وقعت عينيها عليه يقف مُستندًا على الشرفة ولو كانت قريبة منه لكانت رأت ابتسامته الواسعة-اطلعي متقعديش تلفي حواليكِ زي الحرامية كدهحاولت الهدوء لكن لسانها السليط لم يهدأ فخرجت منه الكلمات بعصبية-متحترم نفسك شوية وإلا والله ماهطلعأراد مشاكستها فهتف-براحتك بس انتِ اللي محتجاني للشغل مش أنا ....اتذللي بقىصمتت وهله تبتلع كلماته التي أصابتها بوترٍ حساس وعادت كرامتها تثأر لها من جديد-لو على كده فأنا مش عايزة منك حاجة ...وعلى فكرة إنت اللي عرضت عليّا الشغل مش أنا اللي هتذلل يا ...باشاتحدثت بصرامة وبدون كلمة أخرى أغلقت الهاتف بوجهه حتى أنها لم تُلقِ السلام الأخير...نظرَ لهاتفه بضع ثوانٍ قبل أن يستوعب ما حدث ..لقد أغلقت للتو في وجهه بعدما شاكسها !! ولو يعلم أن مُشاكسته تلك تذبحها بسكينٍ ثلم لم تتكلف الحياة رمقًا وتشحذه لها-هي قفلت في وشي ؟!حينما أبعدَ نظره عن الهاتف كانت قد رحلت من أمامه ، بحثَ عنها بنظره مُحركًا رأسه يمينًا ويسارًا وفعلَ كما سخرَ منهاوجدها تسير يمينًا فالتقطت سترته وانطلق ليلحق بها دون إلقاء بالاً لتلك التي أوقفته تسأله عن إلغاء مواعيدهأما هي كانت تسير في الشارع إلى أقرب موقف تستقل منه سيارة ومُقلتيها مُبتلتين بالدموع ..وسرعان ما تعلّقت على أهدابها لتُنذر بشلالاتٍ أغرقت وجنتيها ..وتزامنًا مع ذلك انتحبت بينما تجلس على الرصيف المجاور تضع يدها على فمها تكتم شهقاتها المُتتابعة"ذليلة" كلمة وُصِفَتْ بها وانغرست بقلبها كمشرط يُفرق بين اللحم وبعضه، اعتادت على الإهانة كونها بائعة ..أو إلقاء النقود أمام عينيها ..أو تشكيك بما تبيعهلكن يُخبرها بذلك أمامها ... هل يمّن عليها بعملٍ لا تعرفه !!-أنا اللي غلطانة مكنش ينفع أروحله من الأول ...-إنتِ غبية وقمّاصةاستدارت بعنف إلى عنان الذي يقف لاهثًا ، صدره يعلو ويهبط بحدة رغم أنه جاء بسيارته لكنه من فرط الانفعال ..انفعل !!رمقته بغضب قبل أن تقف وتخطاه راحلة-إنتِ راحة فين ؟؟ مش بكلمك!وهو لم يكن ليترك فريسته دون بذل مجهود لاستمالتها ، فأمسكَ يدها وذلك لم يزد الأمر سوى سوءً-إنت اتجننت ابعد عني ..وياريت تسبني أمشي عشان أنا مش طايقة أشوف وشكذُهلَ من هجومها الشرس ، وبأعين مُتسعة سألها بصوتٍ خرجَ هادئًا سببه الدهشة-هو أنا عملت إيه لكل دهاستطاع أن يرى عتابًا بمُقلتيها ، لكن القطة عوضًا عن ذلك أصدرت وجهًا خشبيًا وكلماتٍ لاذعة-معملتش أنا اللي مش عايزه أعرفك وخلاص...خلّي شُغلك لنفسكقطبَ حاجبيه في محاولة لفهم حديثها المُندفع وفي النهاية ارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبيه ،عقله يناشده أن يهرب من تلك المجنونة التي جعلته يلاحقها لكنه اقتربَ منها أكثر وهمسَ بأسف-متزعليش أنا كنت بهزر ..لكن الظاهر إنك بتزعلي من الهزارأردفت بوجهٍ مُحتقن-محدش يقول الكلام ده ويقول بيهزر ..اتسعت ابتسامته وقد اكتشفَ جزءً جديدًا بتلك الشخصية التي شغفَ تحليلها-خلاص أنا آسف .. حلو كده !!نظرت إليه بجانب عينيها وهمست بخفوت-ماشي ..ثم عادَ صوتها يصدح مرة أخرى بفظاظة-بس ياريت تعمل حدود للهزار لأنه ..-لأنهتساءلَ بترقب عاقدًا ذراعيه لصدره ، لتُكمل هي بصوتٍ خفيض ورأسٍ تدلى لأسفل خزيًا-لأنه ضايقنيزفرَ بضيق قبل أن يغمض عينيه متمتمًا مرة أخرى باعتذارٍ ثالث-معلش أنا مكنش قصدي حقيقي .. مُعاهدةقالها بينما يمد يده إليها فتجاهلتها عن عمد لتضع يدها خلف ظهرها بحرج-مبسلمشأعاد يده واتسعت ابتسامته ليهتف بسعادة جليّة على تقاسيم ملامحه الشبيهة بأخيه-دي حاجة كويس جدًاوهلة صمت كانت كفيلة بتبادل النظرات والتي سُرعان ما تلاشى زوجين من الأعين وأصبحَ خارج تلك الحرب المُشتعلةلقد تقبلت أسفه الذي دغدغَ مشاعرها تلك اللحظة لتنسى أن ما قاله آلمها بشدة!استطاعت أن تُسكت فمها عن الانتحاب وعقلها الذي كان يسُبه داخلها ...ولكن خفقة واحدة ضيّعت كل شيء ...يقف بدوره ينظر إليها بعدما سحبت عينيها أرضًا ، يشعر بأحاسيس غريبة تضربه ..لم يعرف كيف يتصرف معها ..لطالما كان عفويًا جريئًا فيما يخص الجنس الناعم ..لكن تلك !!يخاف عليها من الكسر ، فكلمه واحده ألقاها بعفوية كانت سببًا في غضبها ، هونفسه لا يعرف كيف سيكون التعامل بينهما-ممكن بدل وقفتنا دي نروح عندي الشركة نتفق على الشغلاستجابت له بعدما أخبرته أنها ستسير لأنها لن تستطيع ركوب السيارة معه ..أصابه ضيقًا انعكسً على ملامحه وأخفى داخله غِبطة تولدت حينما أخبرته بذلكسارَ بجانبها بسيارته بسرعة خفيفة وكم قدّرت هذا داخلها واعتبرته شهامة تتكرر مع من مثلها في هذا الموقفلكـن لم تكن لفتاةٍ أن تبلُغ ما بلغت هي اليوم ....-اقعدي بقى ياستِ عشان نتفاهم بدون قمصأصدرت ضحكة عالية بعض الشيء كتمتها حينما لاحظت صدوح صوتها بالمكتب-قمص؟؟-أيوة..إنتو البنات عليكو حاجات كده غريبة ،فيها إيه يعني كلمة غير مقصودة تجريّني وراكِ كل ده !!تخضبت وجنتيه بحُمرة الخجل ولم تُعقب على حديثه فرحمها هو وأدارَ دفة الحوار-بصي ياستِ أنا عايز أعمل تعاقد معاكِ إن لو في أي مُناسبة للشركة ناخد ورد من عندك تمام ، ده غير إن كل يوم عايز ألاقي على مكتبي وردة زي اللي اديتهالي أخر مرة بس نوّعي فيهم ..فغرت فاهها بعدم استيعاب ، أأخبرها للتو أنه يوجد لها عملاً ضخمًا كذلك ، لكنها تراجعت حينما أدركت شيئًا هامًا-بس أنا مش هقدر أوزع على حفلات كبيرة زي بتاعة الشركة هنا ، أنا أخري بوكية ورد ودي أقصى حاجة ممكن أقدمها ..ده كُشك صغير وعربية مش محل كبيراستمعَ لها كأنما يعرف أنها ستقول ذلك مُسبقًا .فأعادَ ظهره للوراء وقال بابتسامة زيّنت ثغره-ماهو أنا مُقابل إنك هتديني طلبيّة كبيرة جدًا من الورد الإسبوعين الجايين وكل يوم وردة هعملك أنا المحلابتسمت ببلاهة لتعاود السؤال بتوجس-ماهو بردوه تجبلي طلبيّة ورد منين ؟؟!-سبيها عليّا أنا بقىقالها بتفاخر واستندَ بيده على المكتب وبدلاً من أن يلمح حماس وتفاؤل لمحَ حزنًا شجيًا يلتمع بعينيها-أسفة مبقبلش إحسان من حدكادت تقوم لولا أنه دار سريعًا حول مكتبه ووقفَ أمامها في محاولة لمنعها من الذهاب-إنتِ فهمتي إيه مقصدش طبعًازفرت بتمهل ثم تحدثت بمرارة عصفت بها لتُخرج حروفًا من علقم-ماهو أنا ميبقاش عندي غير وردة وإنتِ تشتري لي مشتل !! وكمان إنت اللي هتشتري ..وحروفها لم تذهب هباءً بل اكتنفها صدره لئلا يحولها لفراشاتٍ ذات عبق أزهارٍ جميل-إنتِ لو شايفة إن ده إحسان فسوري إنتِ غبية ...أيوة غبية أنا عجبني طريقة تفكيرك وحلمك اللي بتحاولي تحققيه بالإمكانيات اللي عندك وعشان كده قررت أساعدك اعتبري إنك وخدة سُلفة تفتحي بيها المحل وبعدين هترديها تاني منا أول كام طلبية مش هديكِ فلوسهمصمتت وهله ولم تُعقب فظن أنها وافقت-للأسف مش موافقةكاد أن يُعنفها لعنادها البائس لكنه تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة ونطقَ بقلة صبر-يابنتِ إنتِ ليه غاوية شقى وتعب ...واحد بيقدملي فُرصة العمر ومش هتتكرر تاني أرفضها وأقول لأ كرامتي !! ... أصلاً محدش داسلك على طرف ده بيزنس وأنا مش هدخله لو أنا خسراننظراتها أخبرته أنها تُفكر بحديثه ، هي شِبه مُقتنعة لكنها تأبى الاعتراف بما أقرت داخلها ، تخاف من شيءٍ يجهله .. وهو لن يتركها سوى وهي تُخبره بموافقتها-طب وإنت هتستفاد إيهنطقها بتلك النبرة المُضطربة جعله يُجيب بحماس لتأكده أنها ستوافق-أنا حابب إن يشتغل معايا شخص يفكر بعقليتك فأنا متفائل ومؤمن بيكِ جدًا ..وعايزك معاياحديثه المادح أخجلها وكلمته الأخيرة زادت تخبطها رغم أنها قيلت بعفوية ودون تطرق إلى المشاعر .. لكن لها قد دغدغتها وأصرت على تسلق جبل قلبها الجليدي وإشعال الحرارة بقمته فانهار ..-موافقة ... بس عندي شرطنظرَ لها مترقبًا لتستطرد هي بقوة-هتكتب المحل باسمك لحد ما أقدر أسدد فلوسه وأبيع كام طلبيّة حلوةصدمته بطريقتها النزيهة ، حسنًا هو الآن يرفع لها القبعة على تفكيرها الواعي وحرصها على خطواتها ..-موافقوما جالَ بخاطره أن المتجر سيظل باسمها فبالتأكيد لن تشتريه من زوجها
![](https://img.wattpad.com/cover/200613178-288-k614929.jpg)
أنت تقرأ
ندبات الشيطان .. الجزء 1..2... سارة عاصم شريف
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل او الاقتباس الجزئين معا