الفصل الثالث

89 5 3
                                    

كان الأسبوع طويلاً جداً ، اتذكر أنني لم أنم تلك الليالي سوى ساعاتٍ معدودة...
كنتُ جالسة في مقهى رضا بن علوان اقرأ رواية "للزمن بقية"... فقد وصلتُ إلى نهايتها تقريباً.
دخل ذلك الرجل نفسه بحقيبتهِ وعطر سجائرهِ ، وكأنه أنهى للتو سيجارته.
يرتدي قبعة كابولا مع قميصٍ مُنقش برسوم هندسية ملونة وكأنه خرج للتو من أفلام السبعينيات من القرن الماضي.
جلسَ في المقعد المجاور لي و على وجههِ جديَّة مُبالغ بها ، لم تقع عينهُ عليَّ ولستُ ادري هل تعمَّد في ذلك ام انه لم ينتبه حقاً ، اخرج الرواية نفسها و بدأ يقرأ.
بينما كنتُ استرق النظر إليه وهو يمسح لحيتهُ الكثيفة بيديهِ ، كان يبدو غارقاً بكتابهِ لا يعي لما حوله ، يقرأ و يبتسمُ تارةً ثُمَّ يُغمغم تارة أخرى ، كُلما قَلَب ورقة قلبتُ أنا ورقة.
رفع نظرهُ عليَّ فجأة!
انتفضتُ وهربتْ عيناي سريعاً إلى الكتاب الذي بين يديَّ.

- يبدو أنكِ اوشكتِ على إنهاءها!

عدتُ انظرُ اليه فوجدته يُحدثني رافعاً حاجبيه.
أرتبكتُ... فَلم أجب و ظللتُ مُحدقة.
كان هندامه يبدو كأنه أحد مشاهير بوليوود القُدامى ، سمارهُ بِلون البُن و صوتهُ مُضخّم جداً و كأنهُ مُذيع نشرة أخبار.
استدرك مُجدداً :
- بدأتْ عيناكِ تُخيفني!

أجبته وعلى وجهي إبتسامة مُصطنعة:
- نعم بدأتُ في القسم الثاني منها.

- انا أيضاً اكملتُ نصفها! ما رأيكِ بالرواية الىٰ الان؟

- جميلة جداً.

- وأنا أعجبتني ، لاسيما شخصية "البدوي السيد" و السيدة "اسرار" رغم أنها تبدو مُزعجة أحياناً... تماماً كما وصفها البدوي السيد "عدِّت مشروعات ناقصة لم يكتمل أيٌّ منها".

ابتسمتُ بشرودٍ غير مقصود أُفكر في تفاصيل الرواية.
هو سألَ مجدداً :
- هل تهتمين بالسياسة ام كانت مُصادفة إنكِ تقرأين رواية سياسية؟

أجبتهُ :
- لا ليس هكذا... هذهِ الرواية هي اول رواية قرأتها قبل سنين مضت ، وجدتها الان صدفةً فأحببتُ إعادة قراءتها.

والحق إن الرواية مصرية و لا تهمني السياسة في مصر رغم ان كُل الحُكَّامِ متشابِهون! ولكن حين كنتُ في الخامسة عشر من عمري وجدتُ هذهِ الرواية في رفوف مكتبة أبي فقرأتُها... ونسيتُها... بعد عشرة سنين وجدتُها الان صدفةً في مكتبة المقهىٰ فأحببتُ ان استعيد تفاصيلها لذاكرتي.

هو اجاب:
- جميل... صاحب القلبِ المُولع بالأدبِ والقراءة يشعرُ ان من واجبهِ قراءة جميع تلك الكُتب التي يراها مرصوفة في رفوف المكتبة!

سألتهُ بفضول:
- وأنتَ؟ ما رأيكَ؟

- جميلة نوعاً ما... كانت أقتراح من صديقٍ لي، ولكنها ليست نوعي المُفضل... أنا أُفضِّل الكُتب الفلسفية التي تحتاج الىٰ تركيزٍ فذٍ، و النصوص التي تحوي على كلماتٍ غير مألوفة أو من لغاتٍ قديمة مثل اللغة الإغريقية الجميلة... تجعلني أحتاج قاموس عربي يبقى بالقرب منِّي حتّى أُترجم معانيها وأفهمها.

مرآة أُميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن