الفصل الرابع

60 7 0
                                    

صباحاً... عرفتُ ان نتائج التحليل قد ظهرتْ من رسالة أرسلها لي زميلي ، وهي ليست جيدة .
هلعتُ بسرعة الى المستشفى دون اخبار أحد.
قال الطبيب ان أمي لديها سرطان في الرئة ، كما ان المرض في مراحل مُتقدمة.
لا أستوعب ان سوءاً كهذا قد اصاب أمي! أنا التي قضيتُ حياتي أرجو الله ان لا يُريني فيها سوءاً.
لم يقل الطبيب خيراً ، يقول ان لا أمل من علاجها، فقد وصل المرض إلى مراحلهِ الأخيرة، وان نسبة التعافي ضئيلة جداً.

خرجتُ مع تلكَ الأوراق، أحملها بيديَّ بعيداً عن قلبي كي لا ينتفض ويُؤلمني، لن ينفع تمزيقها ورميها بشيء بل عليَّ ان أكون قوية كفاية لأخبر أمي... بقيت أيام قليلة من حياتها!
وجدتُها في المطبخ تُحضِّر الغداء، ترتدي ثوباً زهرياً مُخمل ، كانت تبدو كزهرةٍ يافعة فوّاحة.
لم تراني... ظنَّت أن اخي زياد من دخل للبيت.

عدتُ للخارج هاربة إلى المقهىٰ... فلا يُمكنني مواجهة امي ، ستعرف كُل شيء ما أن تراني ، ولا أستطيع إخبارها دون الانهيار أمامها.

جلستُ في الزاوية البعيدة أنظرُ عبرَ نافذة المقهى إلى السماء.
استيقظتُ من غفلتي... انتبهتُ إلى وجوده واقفاً أمامي!
- ماذا تَظنين يا نيرو هل سَتمطرُ اليوم؟ يبدو ان عينيكِ قد سبقتْ السماء فأمطرتْ مُبكراً!

كان فوتيا... رجل النار.
أجبتهُ:
- المطرُ خيرٌ ، أما الذي في عينيَّ ليس بـخير.

- هل تسمحين لي بالجلوس؟

هززتُ رأسي قبولاً فجلس.
أخرجَ من حقيبتهِ أجندة ، فتحها على تقويمٍ صغير ملوّن ، ثم أخرجَ اقلام هايلايتر بعدّة ألوان وقال:
- أنظري الى هذا التقويم جيداً ، في الشهر الأول مثلاً ، هل ترين الأيام التي لونتُها باللون الأسود؟ تعني ان هذا اليوم كان سيء بالنسبة لي ، اما الأيام التي تلونت بالأحمر تعني انه كان يوماً مميزاً و خاصاً جداً، وتلك التي بالأصفر فتعني اياماً سعيدة لذلك هي قليلة جداً... في نهاية الشهر عدتُ إلى هذا التقويم وتذكرتُ جميع تلك الأيام والأسباب التي جعلتني ألوّنها بتلك الألوان، هل تعلمين ماذا اكتشفتُ؟ اكتشفتُ أنني كنتُ أحزن لنفس السبب كُل يوم ، بينما افرح لأسباب متعددة أنساها في اليوم التالي ، لذا من أهم أسباب حُزننا هي أفكارنا وليس الموقف.
قَلبَ التقويم إلى الشهر الماضي واستدرك:
- انظري... الأيام السوداء قد قلَّتْ بل أصبحت نادرة!
وهذا الفرق بين ما كُنتُ عليهِ قبل أشهر وفيما أنا الآن.

نظرتُ الى ألوان الأيام فأبتسمتُ بحزنٍ و أجبت :
- وتلك الأيام الفارغة؟ لماذا لم تملأها؟

- لأنها كانت ايام فارغة بالفعل ، خالية من الشعور... هل سبق وان مرّت عليكِ لحظاتٍ لا يُمكن فيها وصف شعوركِ، لا تعلمين هل أنتِ راضية أم مستاءة أم سعيدة أم حزينة أم حالمة أم يائسة؟ تهربين إلى الأغاني رُبما تقع على علّتكِ، فلا تجدي أغنية تصف شعوركِ أيضاً!

مرآة أُميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن