الفصل السادس

68 6 0
                                    

هل يُعقل ان يكون للمرء شخصيتان مُتناقضتان إلى هذا الحد!
كيف يجتمع الفكر العميق و النظرة السطحية للأشياء في شخص واحد؟ أخافتني فكرة ان فوتيا كان يتظاهر الحُنُو والرقة و الإدراك الواسع بينما هو في الحقيقة "أسد" بتفكيره المُستفز و المُتسلط على النساء ، فهناك رجال بارعين في التمثيل إذا تعلّق الأمر في الإيقاع بامرأة ما.

حين قال فوتيا إنه أسد أختلطت أفكاري فَلم أعرف كيف أتعامل معه بعدها ، اتذكر لاحقاً في زفاف ديانا وبعد أن تركته عند باب الدخول و هربتُ بين الحضور ، ظلَّ يبحثُ عني ويسأل هُنا وهنُاك.
كنتُ أتخيل ان أسد مراهق صغير لا يفقه شيئاً سوى العِناد و الارتباط بامرأة ليعذبها لاحقاً بأفكارهِ المتطرفة.
أمّا فوتيا فقد كان الرجل المناسب لامرأة مثلي.
فأنني قانعة بفوتيا و رافضة لأسد ، فكيف يكونا شخصاً واحداً هذا ما لم أتقبله.

ذهبتْ ديانا ولا زالت أُمي تُعاني... خفَّ حملها الذي كان يُرهقها وهو اتمام زفاف أختي... ولكن أعراض المرض قد تمادتْ كثيراً حتى طرحتها الفراشِ... لم تعد أمي قادرة على المشي ولا حتّى استنشاق الهواء بصورة طبيعية .

أمي الجميلة... ذات الرائحة الطيبة، كيف اخبركِ ان المرض قد اختار قلبكِ ليسكن فيهِ، كيف أقول ان هذهِ أيامكِ الأخيرة!... ستختفي رائحتكِ، ستذوب جدران غرفتكِ من وهنِها، ستموت كل زوايا البيت من ألم الذكريات، سنفقدكِ يا أمي... أقول هذا مع غصَّةٍ عالقة في حنجرتي، اقول هذا مع أسفٍ شديدٍ وعتبٍ كبيرٍ علىٰ جسدكِ الذي استسلم وتخلّىٰ... حين مات ابي كُنتِ قوية ، حين حاربتكِ الدُنيا كُنتِ قوية ، حين طلبنا ما كان فوق طاقتكِ كُنتِ قوية فهل تضعفين الان؟
عُشنا يتامىٰ الأب وتصنّعنا التخطي كي لا تحزني ، نحنُ لم نتجاوز فراق ابي بعد... هل تذهبين ايضاً ؟ كيف نعيش ونحنُ يتامىٰ الروح والجسد؟

يبدو الأنسان طفلاً صغيراً حين يتحدث عن أمه حتى وإن كان عجوز ، لذا حين يفقدها سيشعر بحرقة كبيرة وكأنه فقد السقف الذي كان يحميه ، فيصبح كالتائه الذي لا ملجأ له.
في صغري كنتُ دوماً أتسائل لماذا يهرم الوالدان؟ لماذا تمرض الأم و يموت الأب؟ فـكلما رأيتُ طفلاً يتيماً أقول لماذا حرمَ الله روحاً بريئة وضعيفة من اكثر القلوب حناناً عليه و رحمةً به؟ وما ذنب قلبه الصغير حتى يعيش في غربةٍ أبدية؟ وكيف ينام دون أن تُطبطب امه على ضهرهِ قائلة بصوتِها الذي أحزنته الغوائل:
"دللـول... يالولد يبني دللـول
عدوك عليل وساكن الچـول"
فتسقطُ طمأنينة عظيمة في قلبهِ بعد هذهِ التهويدة... وكأن العدو قد سكن "الچول" فعلاً.
يتلفُ جزء من روحي حين أرى طفلاً فقد أمه ، فأجلسُ على سجادة الصلاة كُل يوم و أتوسل إلى الله ان يُرسل لنا عِقاراً يجعل أمي لا تموت.
ولكن... ماتت أمـي.

 ماتت أمـي

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
مرآة أُميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن