نظرت الفتاة إلى العلبة التي أمسكتها في يدها وحدقت بها مطولاً، وكان تحديقاً بلا نهاية... بلا ملل أو انشغال.
استيقظت صباح هذا اليوم واستقبلته بصدر رحب وقرار بأن تبدأ حياة جديدة مليئة بالتغيير وتخطي كل ما هو مؤلم ومزعج.
ارتدت ملابسها ثم جلست لتمشط شعرها أمام المرآة وبعد انتهائها التقطت عينيها عبوة الكريم الخاص بها فأمسكتها وأخذ تنظر لها مطولاًورغماً عنها... تذكرت العديد من الذكريات.
لقد أقسمت أن تتخطاه وتتخطى ذاك الألم بكل وسيلة ممكنة، وإن كانت أبسط التفاصيل ستكون معذبتها ستمنعها من حياتها نهائياً.
وذاك التفصيل الصغير الذي تضمن وضعها للرائحة كان أول ما ستمنعه... فإن كان حبه للرائحة فقط ستتخلص منها ومن لعنتها التي قتلتها حية...!
فلم تفعل ما تفعله كل يوم وتدهن الكريم على بشرتها الناعمة وعوضاً عن ذلك فتحت الدرج وألقت بالعبوة داخله وبعدها نهضت من مكانها لإتمام عملها الخاص بتجهيز نفسها للذهاب إلى الشركة وتقديم استقالتها.- أتظنين أنك ستنسيه بهذه الطريقة يعني؟
توقفت الفتاة عن ما كانت تفعله حينما سمعت صوت عقلها يتكلم فرفعت رأسها إلى أعلى لتتابع الانصات له وهي تعقد حاجبيها حيث بدأ الغضب يعتريها.
- كم أنتِ طفلة ساذجة وغير ناضجة يا سانم!
- ما أدراك أنتِ عن ما أفعله، اخرسي!!
ظنت سانم أنها بهذا سوف تصمتها ولكن صوت عقلها كان النقيض لمشاعرها، كان صوت منطقها الذي يؤنبها على ما ارتكبت في حق نفسها، فلم تصمت؟
- كم أنتِ مسكينة يا سانم، قضيتِ شهورك الأخيرة تركضين خلفه في كل مكان ولكن في النهاية اتضح أنه لا يحبك، إنه شيء مثير للسخرية حقاً!
- توقفي ولا تثيري غضبي، أساساً أنا في القمة وقد أنفجر فيكي!
- لا تنفجري الآن فلازال لدي الكثير لأقوله...
حركت سانم رأسها وحاولت تجاهل صوت عقلها بعمل أي شيء آخر.
- وماذا كان ذلك؟ طردتهِ من غرفة المشفى حتى لا تجرحي كبريائك أكثر؟ يا ابنتي أساساً كبريائك في الأرض منذ أن قابلتيه ولكنكِ عمياء لا ترين ذلك!
حاولت سانم جاهدة في تجاهله بالتفكير في شيء آخر أو غناء أي أغنية عشوائية قد خرجت في رأسها فجأة ولكنها لا مفر منه ومن كلماته الباردة القاسية التي كانت توقظ داخلها لتوقن أنها أهانت نفسها وجرحت كبريائها كثيراً بسبب سذاجتها.
- لا تتفوهي بكلمات قاسية حتى لا تجرحيه أما هو فينتقي دائماً أبشع الكلمات وأقساها ويخبرك بها دون تردد!
- ليفعل ما يحلو له فأنا لست جان!!
- ولماذا لا تفعلين يا روحي؟ هل لسانك أقصر من لسانه؟ أم أن لسانك مقطوع مثل عينيك المعمية؟!
كادت سانم أن ترد الكلام لصوت عقلها ولكنه تكلم مجدداً مرة أخرى ليلزمها الصمت.
- بينما كنتِ ذاهبة لتخبريه بالحقيقة التي ظننتِ أنها ستنقذك فاجأك وأخبرك بأنه لا يحبك! لقد أهدرتِ كبريائك كله في تلك الليلة يا ابنتي وتبين أنكِ لم تكوني إلا لعبة في يده!
لم تتحمل ما سمعته فهتفت بغضب وهي تحاول أن تدافع عن مشاعر قلبها وتحاول رفض تلك الفكرة بشدة حتى لا تتألم أكثر:
- كبريائي لم يهدر في تلك الليلة لقد عرفت فقط أن حب حياتي كان كذبة، هذا كل ما في الأمر!
صمت الصوت لبعض الوقت فرفعت سانم أنفها بتباهي ظناً أنها ربحت تلك الحرب التي ستوقفه عن إزعاجها ولكنه تكلم مجدداً وقال بهدوء هذه المرة صدم سانم:
- ولكن أحسنتِ يا فتاة... أعجبتني قوتك حين طردتيه من الغرفة.
رفعت سانم إحدى حاجبيها ونظرت إلى أعلى الجهة التي تتحدث إليها دوماً. كانت مندهشة من رد الفعل ذاك، هل يمكن أن تفوز لدرجة أنها تغير من تفكيره تامة؟!
عقدت الفتاة حاجبيها وهي تحدق لأعلى ثم قالت بنبرة استغراب:
- من أنتِ...؟!
- صوت عقلك يا فتاة!
- صوت عقلي يقول شيئاً جيداً لي؟! أنتِ من أنبتيني منذ قليل لأني طردته من الغرفة دون أن أقول أي شيء جارح له!!
- لا يمكنني إنكار الأشياء الجيدة التي تقومين بها مثلما تفعلين معي...
في البداية تفاخرت سانم لأنها سمعت ذاك الكلام ولكن سرعان ما عقدت حاجبيها مجدداً ونظرت بانزعاج.
- ولكن لا ترتاحي كثيراً فمازلت ذليلة مثلما كنتِ..!!
ولكن تلك الجملة ما جعلتها تتحمل وأمسكت بأقرب غرض يقربها قم رمتها باتجاه الأعلى غضباً وإنزعاجاً.
- اخرسي، لقد مللت منكِ!
أخذت سانم تتنفس بصعوبة من كثرة الغضب ولكن صوت عقلها لم يرحمها فقال:
- حسناً، هاكِ اتفاقنا... أثبتي لي أنك لست ذليلة وأنا سأصمت ولن أتكلم مجدداً.
ورغم الغضب الذي كان يعتريها إلا أنها وجدت أن الاتفاق رائع للغاية وأجمل ما فيه هو أنها سترتاح من صوت عقلها للأبد.
- سأفعل وسأريكي كيف سأستطيع ترك جان والبدء بحياة جديدة دونه!
- وكيف سيحدث ذلك يا ترى؟
أخذت سانم شهيقاً عميقاً وقالت بكل ثقة:
- سأترك العمل...!
ولكن صوت عقلها هو صوت عقلها لا يتغير فهو لا يصدق أن سانم التي تركض خلف جان في كل مكان تستطيع ترك العمل بالفعل:
- تتركين العمل؟! أنتِ؟! حقاً؟! قولي شيئاً غير ذلك!
ازدادت نبرة سانم حدة وقالت وهي تنظر إلى أعلى:
- سأفعل ذلك وسترين!
ثم أخذت سانم بضع من الأوراق الموجودة فوق الطاولة وتخيلت جان أمامها ورمت تلك الأوراق في وجهه بكل ثقة وقوة وعزم وهي تقول وتشرح ما تفعله:
- سأذهب إلى مكتبه وبكل شجاعة وأرمي استقالتي في وجهه...
ثم رفعت رأسها لتنظر إلى أعلى ويديها على خصرها وقالت بكل تباهي:
- كما رميت هذه الأوراق بالضبط.
وبعدها حركت رأسها لتنظر للمحيط لتلاحظ أن كل ورقة طارت إلى مكان ما في الغرفة فتنهدت بتعب وسارت إلى إحداهل حتى تحملها عن الأرض وتساءلت عن سبب رميها لكل تلك الأوراق عوضاً عن ورقة واحدة فقط تمثل استقالتها...!
- هذه المرة رقم كم التي تستقيلين فيها يا ابنتي؟! ألم تملي من كثرة استقالاتك؟
بعد محاولات عدة وجاهدة للإمساك بورقة واحدة استطاعت النجاح أخيراً فاستقامت وتجاهلت باقي الأوراق حين قررت أن تترك الباقي لوالدتها حتى تنظفه وقالت بكل عزم:
- هذه المرة لا رجوع بها..!!
أنت تقرأ
Zümrüdüanka العنقاء
Fanfictionطائر العنقاء هو الطائر الذي يموت فيحترق ويولد من رماده طائر عنقاء جديد فمهما تألمت ومهما احترقت ستنهض وتبدأ من جديد . (الرواية ستكون عبارة عن تتمة لمسلسل الطائر المبكر من حلقة 26 من وجهة نظري وأفكاري) -من مشهد إعطاء سانم العطر لفابري-