٧-لا قيمة لك

918 42 21
                                    

وقفت الفتاة أمام المبنى العالي لدقائق وراحت تنظر بعيونٍ تحمل الألم والحزن والهم ليومٍ لم يبدأ بعد.
لقد مر أول أيام الانفصال بشق الأنفس وعانت فيه كثيراً، تألمت وبكت وصاحت ولكنه مر في النهاية ولكن لأنها تعذبت كثيراً البارحة لم يكن عندها الشجاعة لدخول المبنى اليوم.
وعكس البارحة التي أتت فيه إلى الشركة ركضاً كي تراه وتطمئن عليه، اليوم هي خائفة من أن تخطو إلى الداخل وتراه.
فأي كلمات ستغرز سكاكينها في صدرها تنتظرها بالداخل وتتوعد لها يا ترى؟
أي ألم وعذاب ينتظراها إلى أن تخطو إلى الداخل كي يرموا أسهمتهما عليها ويقتلاها؟

دخلت الشركة بعد معاناة من التفكير وبدأت بالسير بأقدامٍ متثاقلة وعينيها تتلفت يميناً ويساراً رعباً من أن تراه أمامها.
كانت مرعوبة لأنها وببساطة علمت البارحة بوجع وألم جان التي خلفته نتيجة كذبتها.
فببساطة لم ترد أن تظهر أمامه منذ بكرة الصباح فذلك حتماً سيزيد من وجعه وألمه بدون داعي وسيبدأ يومه بطريقة سيئة للغاية.
فحقناً للمعاناة ورفقاً بالموظفين كانت تفضل أن لا يراها منذ الصباح الباكر كي لا يؤثر على ما بقية يومه.
حين أخبرته بتلك الكذبة ظنت أنه سيمرر الأمر بعد فترة وأنه لن يستغرق سوى وقتاً قليلاً في التحسن وسيتخطى الأمر عاجلاً أم آجلاً... ويتخطاها هي كذلك...
ولكن اتضح أن الأمر ليس هيناً أبداً وأن جان سيعاني بسببها كثيراً وهي ستحمل عذاب الضمير مدى حياتها...!
ولقد تأكدت من هذا حينما أخبرها جان بذاك الكلام وحين رأت حزنه وغضبه أدركت أنها قد قامت بخطئٍ كبير ليس بشيء ينتسى بسهولة.

لقد جرحته في قلبه وكرامته وكذبت كذبة كبيرة عليه،
لقد أخطأت خطأً لا يغتفر...!

ليلة البارحة لم ينتابها النعاس من كثرة التفكير فيه والتفكير في الوجع الذي سببته له وبسبب ذاك التفكير نقشت الكثير والكثير من حروف الألم بين أسطر الورق وأفضت كل ما كان مكنوناً في صدرها من كلماتٍ خبأتها وحبستها طيلة اليوم...
تلك الكلمات لم تكن مجرد كلماتٍ عابرة، بسيطة لا قيمة لها، لا بل كانت الضربات التي واجهتها...
تأتي متوالية ولا ترحمها وتجعلها توقن وتدرك ما وضعت نفسها به!
فإن سألتم إذا كانت قد ارتاحت فالإجابة هي لا...!
لم ترتح أبداً لأنها كانت مربوطة الأيدي والأرجل ترى معاناة حبيبها ولا تستطيع أن تضمه وتربت على كتفه وتخبره بأن كل شيء سيصبح أفضل... أبداً!
تبكي بدل الدمع دماً لأنه هناك ألف سكين قد غرزت بصدرها ولا تستطيع نزعهم بأية طريقة.

وقعت في وادٍ عميق واستقرت هناك، فلم تستطيع إنقاذ نفسها والوصول إليه...

بعد دخولها إلى المبنى سارت في الشركة وهي تتلفت يميناً ويساراً تراقب الموجودين في المكان فعلى عكس البارحة الذي أتت فيه إلى الشركة مبكراً قبل الجميع كان اليوم استثناء وقد خرجت من بيتها بالقوة لتجد أن الجميع قد أتوا وقد استقروا في مكاتبهم وبالطبع قد جال خاطرها أنه قد جاء كذلك.
فبدون أن تنظر ناحية مكتبه حتى، ذهبت مسرعة إلى مكتبها تضع أغراضاً وتأخذ أغراضاً لتتجه بعدها إلى غرفة الأرشيف، مخبئها الذي تختبئ فيه من كد الناس.
سارت سانم في الممر التي أتت منه ولكن توقفت حينما وقف أحد أمامها فرفعت رأسها لتنظر إلى من أمامها لتتغير بعدها ملامح وجهها وتقول وهي تحاول كتم الغيظ.
- بولين...!!
- أه، سانم...
- خيراً يا بولين، هل رأيتينا في أحلامك لتأتي منذ بكرة الصباح؟
- كم أنتِ مضحكة يا سانم...
كانت سانم خائفة من أن يبدأ جان يومه بطريقة عكسية تؤثر على الباقي من يومه ولكن انتهى بها الحال أنها من بدأت يومها بطريقة سيئة حين رأت بولين أمامها.
- عن إذنك فعندي أعمال أقوم بها ولست فارغة اليدين كالبعض...
تحركت سانم عدة خطوات بعد تجاوزها فالتفتت بولين حينما شعرت بالإحراج القليل ولكنها لن تستسلم وقالت:
- بالطبع اذهبي أنتِ إلى أعمالك، فأنا جئت من أجل جان في الأساس...
توقفت سانم بعد سماعها ما قالته وضيقت عينيها ثم حركت رأسها لتنظر لظهر الشقراء الذي بدأت بالسير تجاه غرفة جان بالفعل فولدت الشعور بالغيظ والغضب وتزايد كلما ابتعدت.
أرادت لو تذهب وراءها لتمنعها وتوقفها عن الدخول إلى جان ولكنها لم تعرف كيف تفعل ذلك.
نعم لقد كانت تحاول فعل ذلك مع غمزة وجيداء سابقاً ولكن حينها لم يكن جان غاضباً منها بذاك القدر فهي متأكدة بأنها لو أقدمت على فعلٍ كهذا الآن سيطردها من مكتبه حتماً.
وكان كتمان ذاك الغيظ يدفعها إلى الجنون.. فكادت المسكينة أن تنفجر...
- سانم، هل أنتِ بخير؟
ولأن جيجي هو صاحب أسوأ حظ على الإطلاق كان يتواجد بجوارها دائماً في أوقات غيرتها وجنونها.
اقترب منها في هذه اللحظة فأرسلت له نظرات مميتة فور سماع صوته وتشبثت بقميصه مرة أخرى فلم يلحق أن يتراجع الفتى أو يحمي نفسه أبداً.
- أخرجني من هنا... افعل أي شيء قبل أن أرتكب جريمة!
- و-وكيف سـأفعاااا-
ولأن جيجي هو أمثر من يتضرر بسبب غيرة وجنون سانم كان أول شخص يتمنى رحيل بولين من أجل ألا يموت على يد صديقته المقربة سانم في إحدى مرات غيرتها.
تركت الفتاة القميص فجأة شعرته يشعر بالدهشة ولكنه انتهز الفرصة ليبتعد عنها كي لا تحاول قتله مرة أخرى وبعدها راقبها وهي تترنح يميناً ويساراً تسير في الممر متجهة لغرفة الأرشيف.
مسد جيجي رقبته ونظر لسانم وهي تبتعد عنه فقال وهو ينظر لها برعب:
- لماذا تفعل ذلك بنفسك يا بني مجدداً؟! ألم تنتبه البارحة وقررت بألا تخطو بجانبها حين تكون غاضبة أبداً؟! أنتَ لا تتعلم أبداً!

Zümrüdüanka العنقاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن