٥-أعتذر

951 44 18
                                    

  - أين هي سانم؟
  - إنها في غرفتها...
  - هل مازالت في غرفتها منذ أن عادت من الخارج؟
  - يبدو كذلك...
  - ما بها يا ترى؟
وقفت الأم أمام باب الحمام وبجانبها وقفت ابنتها الشقراء أمام غرفة أختها عيونها موجهة إلى زجاج باب الغرفة تختبر ما إذا كانت ستستطيع النظر من خلاله على ما في داخل الغرفة أم لا... ولكن قالت والدتها شيئاً لفت انتباهها وشتتها فحركت رأسها لتنظر إليها عوضاً عن الزجاج.
  - دعيها الآن وتعالي لتساعديني في تحضير الطعام، هيا!
حركت الفتاة رأسها لتنظر لوالدتها وحين رأت المرأة تبتعد عن المكان لتخرج من الممر المؤدي لغرفة الجلوس عادت بنظرها لغرفة أختها وبدا على وجهها التردد للحظات، وفي النهاية قررت مغادرة المكان مع والدتها.

أما في داخل الغرفة جلست الابنة الأصغر على حافة الفراش، ترتدي نفس الملابس التي خرجت بها صباح هذا اليوم.
كانت تجلس في نفس المكان منذ ساعتين تقريباً، يداها مرتكزتان فوق ساقيها وكتفيها مطرقين نحو الأسفل في ضعف ووهن وتحدق على الأرض بعينين ضبابيتين ضائعتين وشفتيها كصحراءٍ جافة قاحلة ووجها يصرخ من البرودة المحيطة به لعدم وجود دفئ منبعث من جهاز التدفئة الموجود في الغرفة...
وأنفاسٍ متقطعة تدخل إلى رئتيها كسكينٍ حاميةٍ تقطع أنسجتها....
وعقلٍ ضائع لا يفرق الوقت ولا المكان...
وجسدٍ هامد كجثةٍ لا تتحرك...
وقلبٍ يحترق ويصرخ ألماً...!

ساعتين على عودتها، ساعتين وهي على نفس الحال.
ساعتين من العذاب، ساعتين من الألم...!

كانت في الوضع الطبيعي لتفكر في مخرجٍ لينقذها مما وضعت فيه رغماً عنها ولكنها لم تكن في حالة تسمح لها بالتفكير في أي شيء...
فعقلها فارغ وقلبها متألم وعيناها تحترقان رغبةً في البكاء وذرف الدموع، ولكنها لم تستطع!
فحتى الدموع لم تستطع ذرفها لشدة ما كانت فيه..!
فبقت هكذا كتمثالٍ متحجرٍ صامتة متجمدة ثابتة في مكانها، ولكن داخلها يبكي ويصرخ طلباً للمساعدة!

ضاعت سانم في مكانٍ وزمانٍ آخرين آنسياها ما حل بها جعلاها بعيدة عن عالمنا لبعض الوقت، فلم تستطع رفض الأمر لأنه أشعرها بالراحة المؤقتة في حين أن واقعها التي تعيشه كان مريراً.
ولكنها لم تبقى في ذاك النسيان وتلك الراحة لوقتٍ طويل لأن رنة هاتفها المحمول أيقظتها وأعادتها إلى الواقع مرةً أخرى.
وحينها أيقنت أن مشكلتها هي نفس المشكلة وأن الواقع لم يتغير... ولن يتغير...!

كانت وجهها بدون ملامح عادية لا مبتهجة ولا يظهر الحزن عليها ولكن حين رأت اسم المتصل استعادت ذكريات هذا اليوم السيء المليء بالأحداث وصرخ قلبها وضاق نفسها وارتجفت يديها من شدة الألم والخوف على خسارته.
فأخذت شهيقاً عميقاً مرتجفاً تحاول أن تضبط نفسها ولسانها حتى لا يشعر بوجود شيء يجعله يستجوبها وبالتالي تنفذ هوما تهديدها بإلحاق الضرر بعائلتها.
  - مـ-مرحباً...
أتى صوتها بنبرةٍ منخفضةٍ جعلتها تسعل قليلاً لتحاول تنظيف حلقها كي تستطيع التحدث إليه وعدم إشعاره بأن هناك شيئاً ما.
  - أين كنت؟ لقد رن الهاتف مطولاً.
كان معه حق لأن استيقاظها من تلك الغيبوبة لم تكن على بداية رنينه بل مضت بضع ثواني حتى استدرك عقلها رنين الهاتف متأخراً قليلاً عن البدايك.
  - كنت بعيدة عن الهاتف قليلاً ليس إلا...
  - هذا رائع، لم أوقظك من النوم إذاً؟
  - لا لم أكن نائمة.
  - إذاً تتذكرين موعدنا الليلة؟
  - نعم، أتذكر موعدنا الليلة...
  - هذا جيد للغاية، جيد جداً!
  - إذاً، سآتي لآخذك على الثامنة والنصف، ولن أدخل إلى الحي لا تقلقي.
رفعت سانم رأسها لتنظر إلى الساعة فوجدت أنها قاربت على السابعة مساءً وبعدها عادت بعينيها إلى الأرض وقالت:
  - لا بأس، لآتي أنا. لا أريد أن يرانا أحد حتى عن طريق الخطأ فأنا لا أستطيع تخمين ما الكلام الذي سيقولونه لوالداي هذه المرة.
  - تقولين؟
  - نعم، المرة الفائتة قالوا أننا حبيبان من الممكن أن ننجب أولاد هذه المرة.
ضحك جان على ما قالته بصوتٍ عالي وسماع ضحكته أنستها هموها للحظة فلم تستطع أن تقاوم وابتسمت رغماً عنها.
وتمنت لو طال ذاك الشعور الذي خالجها للحظة بل في الأساس تمنت لو أنها الآن تحلم وأن كل شيء سيء حدث معها ليس إلا مجرد حلم سيء تراه وستستيقظ منه حتماً.
  - نحن في الأساس حبيبين... ولكن بهذا الشكل هم متقدمين عنا بخطوات.
  - يبدو كذلك...
أكمل جان ضحكاته ثم تنهد في النهاية وقال برضى:
  - حسناً إذاً، لا بأس. افعلي ما يحلو لك، لن أرغمك على شيء أبداً. يكفيني أن تكوني معي هذه الليلة فقط.
لم تستطع الشعور بشيء حتى بسماع كلماته التي كانت تصيبها بالدوار من جمالها في السابق فقلبها المحطم وعقلها الذي يذكرها أنه قد يكون بعيداً عنها بعد عدة أيام كل دقيقة يقتلانها من شدة الألم والتفكير..!
  - ولكن لا تتأخري، سأشتاق لك.
ابتسمت ابتسامة مجبورة شعرت بضرورتها كأنه كان يراقبها ولهذا قررت مبادلته الكلام بالمثل رغم أن داخلها لم يشعر بدفئ الكلام النابع منها.
  -... وأنا أيضاً.
أغلقت سانم الهاتف لتطلق تنهيدة بتعب ونظرت أمامها بعيونٍ متألمة وقلبٍ مجروح وراحت تستعيد كلامها مع حبيبها.

Zümrüdüanka العنقاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن