الجزء الأول

1.9K 36 3
                                    

أمسكها من كتفيها ليرجعها الى الوراء يختبئان خلف الشاحنة الحمراء الصدئة. الظلام قد حل و هي قد انهكها السفر الطويل بالكاد تستطيع الوقوف.
همس لها و هو يحيطها بذراعيه يخبئها عن مجموعة الجنود التي مرت قربهم وصدرها يعلو ويهبط لأنفاسها المتسارعة
" علينا أن نستعد للعبور من هنا "
كانت عيناه الحادتين تتفقد الأرجاء بحذر. اعتدل في وقفته لكنه لم يبتعد عنها لينزع حزام بنطاله بحركة سريعة مخرجا سلاحه الوحيد من وسطه.
قال لها بصوت لا يسمعه غيرها
" يجب أن نخبأ هذا اولا "
ناظرا في عينيها المذعورتين من حذره الشيديد اكثر من أن يكشف أمرهم. فطريقته المتناهية الدقة في تعامله مع الأمور تجعلها تردك خطورة الموقف أكثر.
ركع أمامها لتتسلل يديه من تحت فستانها البسيط الذي أجبرها على ارتدائه مما جعلها تنتفض هاتفة
" ما الذي تفعله!! "
التوت شفتيه بابتسامة ساخرة و هو يرفع إحدى حاجبيه
" آمل أن لا تظنيني متحرشا بك في مثل هذا الزمان و المكان "
و بحركة سريعة و عيناه لا تزال تراقب المكان حوله شد الحزام حول فخذها ليثبت المسدس فيه.
فتح باب الشاحنة المرتفع قائلا و هو يحملها من وسطها يساعدها على الصعود
" حافظي على هدوئك و حاولي ان تكوني طبيعية سأكون بقربك لا داعي لأن تخافي "
ليست واثقة من ذلك فقلبها من الآن يكاد يحطم ضلوعها.
صعد خلف المقود ليبحث عن شيء خلف المقعد الذي الذي تجلس عليه مخرجا كيسا يحوي مجموعة ملابس. التقط منديلا زهريا منقوش باهت اللون
" خذي هذا و اربطيه حول رأسك"
تناولته بأطراف اصابعها لتقول مكشرة باشمئزاز
" انه قديم، متسخ و نتن الرائحه"
اضافت
" حتما أنت تمزح "
" ضع دلالك جانبا و فكري بحياتك الآن "
أدار المحرك بعد عدة محاولات ليقود الشاحنة اللتي تحوي صناديق الفاكة و للخضراوات الفارغة مصدرة ضجيجا مزعجا.
لا خيار امامها نفضته عدة مرات ثم ربطته حول رأسها مرجعة شعرها الطويل المموج إلى الخلف.
" لو تضفرين شعرك بسرعة يكون افضل "
" امرك سيدي "
قالتها بانزعاج واضح
فهي لم تعدت على تلقي الأوامر من أحد سوا من والدها. لمحت ابتسامته الساخرة من جانب وجه. تجاهلته لتنفذ طلبه و تترك ضفيرتها تتدلا فوق كتفها.
ازدادت ضربات قلبها كلما اقتربوا من نقطة التفتيش المزدحمة. أخذت تجول ببصرها في المكان. جماعات متفرقة من الناس و العوائل يقفون وسط الظلام ينتظرون برعب مصيرهم. جنود يفتشون السيارات و الأمتعة. انكمشت في مقعدها لرؤيتها عسكري يضرب شابا رفض إطاعة الأوامر. و ازدادت ذعرا لسمعها الطلق الناري الموجه في الهواء للسيطرة على الناس.
تمتمت قلقة
" سيف، كيف سنفلح بالعبور من هنا ؟"
كانت تضم قبضتيها الى صدرها " قد يكشف أمرنا "
قال محذرا
" جلنار، اياك ان ترتبكي أو تجيبي على اي سؤال فقط ابقي بجانبي و اتركي الباقي لي "
أساسا ليس هناك مجال آخر غير الوثوق به و تنفيذ مايقول شائت أم أبت.
هم بالترجل من الشاحنة لتهتف به قائلة
" هل ستتركني وحدي ؟ "
" ابقي هنا الى أن يطلب منك النزول "
أخذت تراقبه و هو يسير بكل ثقة و شجاعة نحو الجنود المسلحين و يترك نفسه لهم ليفتشوه و يجيب على اسئلتهم. التفتوا جميعهم نحوها، لابد و أنهم يسألون عنها حاولت أن تحافظ على هدوئها و تبدو طبيعية.
أخرج محفظته ليظهر لهم بطاقات الهوية الخاصة بهم فكرت بأنها حتما مزورة فمستحيل أن يكشف هويتها لهم.
هاهو يسير نحوها ليفتح بابها
" هيا انزلي سيفتشونك "
ساعدها على نزول لتقول هامسة
" و ماذا عن الذي بحوزتي ؟ "
نظر في عينيها مطمئنا لكنها لم تطمئن
" هل أنتي زوجته؟ "
سألها أحد الجنود الذي كادت ان تجيبه بلا لكنها فعلاً قد عقد قرانها عليه
" أجل "
اقترب منها يهم بتفتيشها
نظرت إليه قلقه ليمسك بكفها و يشد عليه مطمئنا.
" ألا توجد هناك امرأة تقوم بهذا العمل ؟"
سأل سيف بانزعاج
صرخ به الجندي " نحن نقوم بعملنا هنا يا سيد لا اكثر و لا أقل "
باشر الجندي بتحسس ذراعيها ثم نزل الى وسطها لتغمض عينيها بشدة و هو ينزل الى ساقيها بحركة سريعة دون لمسهما
" انتهى "
فتحت عينيها مذهولة، لم يجده !!
حمدت الله في داخلها و غيث يجرها خلفه عائدا بها إلى الشاحنة ليقول بعد ان صعدا عليها
" لو كان اكثر دقة لما نفذنا من هنا "
أسندت رأسها إلى المقعد تتنهد براحة بعد أن أنهكها التوتر ترخي أعصابها المشدودة. نظرت للجالس إلى جانبها،
يا إلاهي إنها لا تصدق ما هي فيه الآن و كيف وصلت إلى هذا الحال. تفر هاربة بهوية مزورة برفقة رجل لا تعرفه نُصِب حارسا شخصيا لها و الذي أصبح بين ليلة و ضحها زوجا لها.
عادت لتغمض عينيها و هي تعود بالزمن للوراء. قبل يومين فقط حين طلبها والدها في منتصف الليل أن تأتي إلى مكتبه في الدور الأرضي قي قصره الضخم.
وقفت امام الباب ترتب شعرها البني الطويل المموج بنعومة و تتأكد من هيئتها بفستانها الأخضر الناعم الذي يتناسب مع لون عينيها الفيروزيتين و حذائها الانيق المرتفع يعزز من طولها المتواضع، ليصل إلى مسامعها صوت أحد رجال والدها يقول " عليك أن ترحل من هنا باقصى سرعة يا سيدي "
انقبض قلبها لتبقى يدها التي كانت تهم بطرق الباب معلقة في الهواء
" لن أهرب، سوف اسلم نفسي فذلك أأمن لي "
شعرت بشخص يقف قربها لتصل رائحة عطره الى أنفها و هو يمد يده من خلفها لطرق الباب قائلا
" التنصت أمام الأبواب عادة سيئة "
التفتت الى صاحب الصوت لتفاجأ برجل تراه لأول مرة.
فتح الباب لتسمع صوت والدها
" تعالي يا ابنتي، ارا أنك التقيت بسيف "
قالت و عينيها في ذهول مما راته و سمعته
" تقابلنا أمام الباب" اردفت على عجل بقلق واضح ما الأمر يا ابي ؟"
كان والدها يجتمع برجاله ويناقش موضوع في غاية الخطورة لذا تقدمت منه و التفت حول المكتب لتمسك بذراعيه متوسلة " ابي ماذا تقصد بتسليم نفسك ؟!"
كانت الحيرة واضحة عليها
اشار والدها للجماعة بالجلوس و كذلك طلب من ابنته
" جلنار يا ابنتي اعلم بأنك قوية و تستطيعين الصمود لذا سأكون واضح معك "
قالت متوسلة
" ارجوك ابي لا تتلف أعصابي اخبرني بما يجب ان اعلمه"
دخل في الموضوع مباشرة
" ابنتي لقد تورطت مع جماعة غررت بي و تبين ان هذه الجماعة تعمل ضد الدولة و دخلت في امور سياسية دون أن أدرك و بعد ان اكتشفت الأمر لا استطيع الانفصال عنهم و أنجو منهم غير بتسليم نفسي و الخضوع لحماية الدولة "
حدقت بوالدها مصدومة
" أبي ما الذي تقولة !!"
تلفتت حولها للوجوه التي تأكد لها جدية مايقول.
اضاف الأب موضحا
" فكرت بالأمر عدة مرات و درست الموضوع بجدية يجب ان اسلم نفسي الآن و إلا لا خلاص لي من هذا الأمر. " اضاف بقلق " ما افكر به هو انتي حتما سينتقمون مني بك يجب ان أؤمن على حياتك قبل كل شيء "
ابتسمت جلنار بارتباك
" ابي هل تسمع اذناك ما تقوله ؟ انت تمزح حقا ام انا في كابوس مزعج"
احتضن الاب وجهها بين كفيه ليقول مترجيا
" جلنا لا تصعبي الموضوع علي لقد رتبت لكل شيء "
التفت ناحية سيف و هو يقول بجدية اكثر
" سيأخذك سيف الى خارج البلد و ستكونين في امانته فلا اثق بأحد غيره انه بمثابة ابن لي "
وقفت جلنار رافضة التصديق وقد بدأت الدموع تتجمع في عينيها لادراكها خطورة و جدية الوضع
" ابي ارجوك دعني استوعب الأمر على الأقل "
وقف والدها هو الآخر
" سيد عزام ليس هناك وقت عليك الرحيل الليلة لقد رتبنا لكل شيء"
قال سيف بجدية اكثر
" الجواسيس في كل مكان و حتما هناك من سيشي بك علينا التحرك بسرعة "
التفتت اليه جلنار و الدموع حبيسة محجريها
" ما الذي تقوله ياهذا ؟"
تجاهلها سيف و وجه حديثه للسيد عزام وهو يضع ملفا على سطح المكتب
" جميع الوثائق جاهزة "
التفت السيد عزام مجددا لابنته و أمسك بكفيها
" جلنار سوف يهددوني بك حتى و ان سلمت نفسي كي لا أعترف بأي شيء ضدهم عليك أن تكوني بأمان كي لا يجدوك انهم ذوو سلطة كبيرة و أعدادهم فوق ما تتصورين "
تمتمت بخيبة
" ما الذي ورطت نفسك به يا ابي "
قبل كفيها برجاء
" صدقيني لم أكن أعلم أنني اعمل لصالحهم و أنهم ضد الدولة "
قالت بشجاعة
" سوف ابقى معك لا يمكنني الرحيل و تركك هنا سوف اساندك "
اعترض والدها " مستحيل سوف يقتلونك و يقتلوني لا خيار أمامنا ستذهبين مع سيف "
رن هاتف أحد الرجال ليجيب عليه ويقول بعدها
" سيدي وردنا بأن خبر تسليمك وصل اليهم"
عم الذعر بين الرجال ليقول السيد عزام
" ابنتي ثقي بي هذا افضل حل" ثم التفت الى سيف
" ابنتي امانة عند يا سيف " ثم عاد ليقول لجلنار
" تستطيعين الوثوق بسيف ثقة عمياء.
وقف ليشكر الجميع و يأمرهم بالرحيل بعد تسليم نفسه. وبعدها عقد قرانها على السيف الذي تراه لأول مرة.
" سامحيني يا ابنتي لم ارد ان تعيشي كل هذا "
كانت تعانق والدها و هما يبكيان بكل حرقة. قبلها على جبينها و هي غير قادرة على قول أي شيء من شدة بكائها .
توجه الى سيف ليتحدث معه مطولا دون ان تعرف ماقاله له.
و ها هي الآن تسير معه الى مصيرها المجهول.

في انتظار المستحيل ... مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن