الجزء الثاني

959 46 1
                                    

قرب وجهه من وجهها حتى لفحت أنفاسه وجنتيها " علينا أن نتحرك بحذر و لا نلفت الانتباه لتصرفاتنا " أضاف محذرا
" لذا عليك أن تكوني مطيعة يا سيدة "
ازدرأت ريقها لتومأ برأسها مجيبه.
جال ببصره على شعرها بنظرات لم تفهمها ليقول بعدها آمرا " اجمعيه و لا تتركيه هكذا "
ثم تركها ليغادر الغرفة.
خرجت بعد أن نفذت طلبه لتجده يحتسي الشاي و يتناول الطعام برفقة العجوزين مقهقها على أحاديثهم المضحكه.
لم تشعر بنفسها و هي تقف متأملة المنظر الذي امامها. يجلسون و كأنهم اصحاب منذ زمن طويل يتحادثون و يضحكون بلغة لا تفهمها. جو الصباح الطيف بعد هطول المطر، الأشجار و الأزهار الندية تحيط بهم. يتناولون فطورا بسيطا مُد على طاولة عتيقة في باحة المنزل المتواضعه.
انتبهت لها العجوز لتقول شيئا لم تفهمه جلنار لكن الأخيره أشارت بيدها بأن تحضر.
وضعت العجوز كرسيا و كأنه صندوق خشبي بالقرب من سيف و اشارت لها بالجلوس.
همست جلنار لسيف و هي تجلس " أي لغة يتحدثون"
ابتسم لها سيف ابتسامة جعلت بريق عينيه الزرقاوتين يزداد " انها لهجة محلية لأهل هذه المنطقة "
لا تنكر بأن تلك العينين اسرتاها لثوان الا أنها أشاحت ببصرها متداركة نفسها و متابعة حديثها
" و أنت ؟ كيف تفهم حديثهم "
اجابها
" ليست صعبة لو ركزتي معهم ستفهمينهم ثم هذه اللهجة ليست غريبة علي"
اشار الرجل العجوز بيده و هو يطلب منها بأن تتناول الفطور. ابتسمت له بارتباك فهي لا تعرف كيف ترد عليه بانها لا تشتهي تناول شيء.
سألتها المرأة شيئا و فهمت بأنها تسألها عن صحتها.
" أنا بخير لكني متعبة قليلا " اجبتها غير واثقة من فهمها
ابتسمت الاخيرة و هي تتناول قطعة من الخبز لتغمسها في البيض و تقربها من فم جلنار التي كشرت و هي تهز رأسها
" هل تشمئزين من طعامهم ؟"
صدمها سؤاله الذي لم يكن سؤالا بقدر ما هو حقيقة يقولها. نظرت اليه بعينين متسعتين .
" أنا غير معتادة على هذا ليس الا"
ضاقت عيناه بعدم رضا
" من الأفضل أن تبدأي بالاعتياد "
تابع
" هاؤلاء الناس لقمتهم انظف مئة مرة من اللقمة التي كنتي تأكلينها في قصرك"
تجاهلته ليس لأنها لم تفهم قصده بل ليست في مزاج لمناقشته. التفتت الى العجوز لتقول مبتسمة بصوتها المبحوح
" لا أشعر برغبة في تناول الطعام لكنني ساتناول الشاي "
في الحقيقة هي لازالت تشعر بألم في حلقها و لا يمكنها ابتلاع الطعام الا أن الشاي الساخن قد فادها كثيرا.
أما هو فقد بدأ بالتجول في المكان بحذر و تفحص ما حوله
متى ستشعر أنها بأمان؟ الى متى سيستمران في السير متخفين في شاحنة متهالكه حتى لا يكشف أمرهم.
تفكيرها هذا جعلها تتساءل، ما الذي جعل سيف يتكفل بحمايتها و تهريبها من تلك الجماعات الخطيرة ؟ كان يستطيع النفاذ بجلده كالبقية.
ثم ابتسمت ساخرة قد تكون المبالغ التي عرضها عليه والدها ضخمة لدرجة جعلته يضحي بحياته.
بينما كانا يسيران نحو الشاحنه توقفت جلنار واضعة يدها على جبينها. شعرت و كأن الأرض تدور بها و بحركة لا ارادية في محاولة للاتزان أمسكت بمرفق سيف.
" ما الأمر ؟! " سألها بقلق
" هل أنتي بخير ؟؟"
أمسك بيدها الأخرى يسندها
قالت بصوت خافت متعب
" اشعر بدوار "
احاطها بذراعه اليمنى ليضع كفه اليسرى على جبينها
" انها الحمى مجددا "
نظر اليها متأملا لونها الشاحب و شفتها الباهتتين
" يجب أن أجد لك طبيبا، مما يتحتم علينا الدخول الى القرية و تغير مسارنا قليلا "
اعترضت و هي تحاول استعادة اتزانها
" لا داعي لذلك أنا بخير "
التوت شفتيه بابتسمة جانبية ليلتقطها و يحملها بين ذراعيه كالريشه
" ارجوك انزلني انت تبالغ أستطيع السير "
تجاهلها و تابع توجهه نحو الشاحنة للتابع هي اعتراضها الفاشل.
قالت بعد وضعها على الكرسي و هي تعقد حاجبيها غاضبية و وجنتيها تزدادان احمرارا من الحمى و بصوت لاهث
" اياك أن تجرأ على حملي مرة أخرى "
رد عليها قبل ان يغلق الباب
" عليك الاعتياد على ذلك أنا لا أحب عرقلة سيري "
كتفت ذراعيها بحنق على صدرها و هي تزفر بحده.

في انتظار المستحيل ... مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن