الفصل السادس

4.2K 150 16
                                    

الفصل السادس

لم يكن بالحسبان أن يكون ( ميران ) مشوشاً بهذا الشكل .. فقد تمرد قلبه عليه فكان طوال جلوسه فوق السرير الطبي الأبيض يستحضرها في مخيلته .. فيقف أمام نظراتها مستجيباً لعبثها بدقات قلبه .. فيكتشف مصدوماً أن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها .. أنه احترق بحبها ! وكأنما أصابه سم الأفعى بسهم عشق أبدي .. لم يتمكن من اقتلاعها من جذور قلبه كما لو كان هذا القلب هو من انتقاها واختارها عناداً به فكانت خطيئته أنه اقترب .. اقترب وهو على يقين تام بتأثيرها الكامن فيه .. هي بنقائها وملائكيتها هدمت سقف كبريائه فوق رأسه .. نعم هي كانت ملائكية وهي تحاول إنقاذ حياته .. لم تتركه كما كان مفترض بها أن تفعل .. بل بقيت كالسلام كالأمان تحيطه بتلك الهالة القدسية التي ما فتأت تدور حولها كدوران القمر حول الأرض .. صرخة قلقها وخوفها عليه هزت حجرات فؤاده وزلزلت أوردة جسده وعثّرت خفقات القلب .. هذا القلب الذي لا ينبض بغيابها نبض الحياة .. وإنما ينبض جمرة ! جمرة اشتياق ملتهبة نالت منه حتى وقع صريعاً تحت لهبها الحارق ..

هذه الأمسية مرت ثقيلة على صدره .. فالبعد في غيبة الحبيب دهراً يمر .. بندول الساعة تآمر عليه فلم تكن تكاتها تمضي أبدًا .. كان على وشك النهوض غير أن جسده خذله منضماً إلى قائمة المتآمرين ضده .. !

( خاطب نفسه قائلاً :- ما الذي فعَلَته هذه الراوية حتى أهيم بها عشقاً وتعيث في روحي حباً ؟ وكأن لها باع طويل بالغرام فأتوق لها في كل حين و أحيا داخل تفاصيل عينيها التي ليس لها شبيه .. آهٍ يا راوية .. يا من تملكين أجمل مقلتين وأبلغهما نطقاً .. يا صاحبة العينان الزرقاوتان التي خُلقت قطعاً للتأمل ..
ووجهكِ الملائكي في تفاصيله يخترق أَكْمَلي كالرصاص .. كالنار في الهشيم .. كالتيار المعاكس لِعُتوِّ البحر .. أقرُّ وأعترف بالسموِّ في حبكِ وليس الوقوع ! فالوقوع أمامك لا وجود له .. فأنتِ تسمين وتسمينَّ حتى يبلغ السمو عنان السماء .. أُقِرُّ واعترف وأنا بكمال قواي الحسية وبصفو مشاعري العقلية أن دفاعاتي انهارت أمام سطوتك .. وجبروتي انحنى لأجلك بطريقة مسرحية .. و حدود وطني أصبحت متمثلة بعيناكِ .. )

اعتقد ميران أن النوم أيضاً سيتآمر عليه ؛ إلا أن تأثير المسكنات قد نال منه ليغرق في سبات عميق لم يوقظه منه سوى اللهفة .. ! خيِّل إليه أنه استيقظ بقلب جديد .. صفحاته بيضاء وسطوره مزهرة متفتحة .. رحيقها يَخُطُّ ترانيم عشقية عذبة .. فها هو يغلِّف قلبه الحديث ويهديه لها فهو أغلى ما يملك ..

طريق العودة كان محفوفاً بالاشتياق .. والحنين ! فكان هذا الصباح ليس ككل صباح ! انتظر كثيراً حتى تلاشت المسافات بينهما .. فوقف مترجلاً من سيارته بنظرة وَلِهة أمام قصره .. للحظة خذلته قدماه فبقي متسمِّراً في مكانه .. أمام ارتجافة جسده واضطراب خفقاته بقي كجبل جليدي متجمد .. أفاق من نوبته على إثر صوت ( إيفان ) الذي هتف بقلق :-
أأنتَ على ما يرام .. ؟!

خادمتي راوية بقلم بيان الغولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن