الفصل السابع
ها هو الفجر يتنفس .. وقد طال به السهر للحد الذي لم يغمض له جفن .. قاده تشتته للسير خارج أسوار القصر .. الصمت المطبق يفرض سطوته في سرمدية الليل إلا من دبيب خطواته .. مضى إلى حيث اللاوجهة .. يقوده منفى العشق إلى طرق ما خطى بها يوماً .. بدأ الظلام الدامس ينقشع مع ظهور الخيط الأبيض للفجر .. علا صوتٌ دبَّ في أوصاله الرعشة .. فنظر إلى حيث مصدره على بُعد خطوات منه .. خطى واقترب حتى وصل إليه .. حدّق قلبه بالمكان وقد أصابته بحبوحة مشاعر متضاربة ارتجف لها فؤاده .. إلا أنها سرعان ما تبددت تحت وطأة الأرستقراطية التي شبَّ عليها فتجاوز المكان بخطوات متلاحقة .. وكأنه بذلك يهرب من تأثيرها اللحظي عليه .. وعندما صدح الصوت هاتفاً :-
- حيّ على الصلاة
لم يستطع أن يغض الطرف عن الرعشة التي عادت تفتك أوصاله .. فتوقف وأدار رأسه للخلف إلى حيث المسجد .. للحظة شعر أن النداء يعنيه هو .. وكأنه المخاطَب للدعوة فحمله قلبه للإستجابة .. عاد أدراجه إلى المسجد .. وتوقف هنيهة قبل أن يدلف للداخل بعد أن خلع نعليه على عجل .. ولج إليه مرتجف الجسد متسارع النبضات مهتاج الأنفاس .. في عينيه ومضة دموع آثرت الصمود .. ولربما سلوكه الفسيولوجي هذا قد لفت الأنظار اليه فآتاه رجل كبير بالسن قمحي البشرة بشوش الوجه ذو لحية بيضاء خالطها بعض السواد .. ارتبك ميران على غير عادته وكأن هذا المكان قد سلبه قواه .. أم أن التيه الذي يناكفه هو السبب !؟
قال الشيخ بحنوِ أب لم يلمسه يوماً :-
بني ... أهلًا بك في بيت الله ..نظر إليه ميران بتشتت دون أن ينبس ببنت شفة فقد ضاعت الكلمات .. تاهت الحروف .. وفقد القاموس خاصته أبجدياته .. فرسم على شفتيه طيف ابتسامة سرعان ما تبددت .. فأردف الشيخ قائلاً :-
استرخي بني .. واستعد معنا للصلاة ..أشار إلى الركن الأيسر من المسجد ثم تابع :-
يمكنك الوضوء هناك ..سار ميران إلى حيث أشار إليه الشيخ .. ثم توقف أمام حوض الغُسلْ ليزداد اضطراباً .. هو يعلم الأعضاء الواجب عليه غسلها في الوضوء إلا أنه نسي بأيها يبدأ وأيها يسبق الآخر .. فتابع رجلاً كان قد بدأ لتوه بالوضوء .. راقبه بذاكرة عيناه متفحصاً مدققاً لكل خطوة يقوم بها .. وعندما انتهى الرجل بدء هو بالوضوء وكم كان يشعر بالحرج من نفسه .. فمنذ عهد البراءة والطفولة لم يتوضأ ولم تطأ قدماه أرض مسجداً من قبل ..
أنعشه الوضوء فكان وكأنه توضأ بماء من نهر الجنة .. وبعد برهة من الزمن كان يقف خلف صفوف المصلين .. أسلَم قلبه لله ووقف بين يديه .. فأي وقفةٍ كانت هذه الوقفة !؟ وقفة جمعت جوارحه جميعها وألقتها بين يدي الله فكانت حلقة وصل بينهما .. أزالت خلالها صدأ روحه وانجلى الران عن قلبه وجادت الدموع سكباً على ضفاف وجنتيه وتفشى السرور الروحي كفيضٍ في خلجات فؤاده .. وأتمّ ركعاته وأطال السجود .. كان سجوداً مليئاً بالأمنيات .. مشبعاً بالرغبات .. محملاً بالدعوات ..
أنت تقرأ
خادمتي راوية بقلم بيان الغول
Lãng mạnوعلى سبيل الجنة التقينا !! فتسمرت مكاني معقود القلب متقد الوجدان أبكم اللسان مُلجَم الشفتين كالطفل الذي لا يتقن البوح .. حاصَرَتني بحضرتكِ الشجون فتشتتت مفرداتي ومُحيت القواميس على ضفاف حلقي .. سمعت حينها طنيناً أكاد أجزم وصول مداه عنان السماء فكيف...