الفصل الثالث
في تلك الليلة لم يجد النوم سبيلا إلى ( راوية ) فالحمّى نالت منها وعضلاتها في تقلص وانقباض ، والشوق إلى أبيها وشقيقتها أضناها ، خُيِّل اليها أن صوت أنينها أعاده إليها فقد سمعت صوت خطوات قادمة أو ربما هذت بذلك فأسدلت أهدابها وأسندت رأسها على الجدار فقد خارت قواها ونضبت ، فُتِح الباب وعلا صوت الخطوات واقتربت ! اقتربت أكثر وأكثر وأكثر حتى شعرتها أمامها .. امتدت يد تتحسس جبهتها فانتفضت بشكل مهزوز قائلة :-
لا تلمسني ! أنت وعدتني !:- اهدئي يا ابنتي .. أنا هنا لمساعدتكِ !
اخترق أذنيها صوت أنثوي خفيض له بحة محببة للسمع .. سيدة خماسينية ما كانت سوى مربية ( ميران وإيفان ) السيدة ( إيلاف ) .. دنت منها وجعلت تحل وثاقها ثم تكلمت بصوت أجشّ وبنبرة حانية :-
انتِ مصابة بالحمى يا ابنتي ، أتستطيعين الوقوف والسير برفقتي ؟أجابت ( راوية ) بصوت واهن :-
أستطيع ! ولكني أحتاج قليلاً من الوقت أعيد فيه الحياة إلى قدماي ..نظرت إليها السيدة ( إيلاف ) نظرات مشفقة ، فكم جذبها وجهها الطفولي .. ونظراتها الحائرة .. أحست عند النظر إليها بالخوف والشفقة .. فهي تعرف تمام المعرفة أن ( ميران ) لا تأخذه رأفة ولا رحمة بمن أخطأ بحقه .. تعرف أن انسانيته تغادره عندما يتعلق الأمر بكرامته وغروره .. تغادر بلا شعور منه .. وكأن الشيطان تلبسه ! وكأنه هيجان بحر غاضب ! وهذه الفتاة .. بها شيء مدمر .. أحسته منذ الوهلة الأولى لرؤيتها .. !!!
بعد برهة كانت راوية تستند على مرفق السيدة ( إيلاف ) ، تمشي الهوينا .. وعندما وصلتا إلى الدرجات بدأت تتعثر في مشيتها .. وتبحث بيدها عن موضع الحاجز الذي يكون على جانبي السلم والذي يحمي من السقوط .. فتوقفت المربية ترمقها بنظرات متفحصة .. توقفت قدماها عند ذلك المشهد ! وكأنها أصيبت بشلل في أطرافها .. المشهد الذي أدركت فيه أنها طفلة كفيفة !
:- لماذا توقفنا ؟!
قالتها ( راوية ) لتقطع تفحصها الذي شعرته بحواسها فترد عليها بتلعثم :-
لقد شردت قليلاً !ثم تابعت قائلة :-
هيا يا ابنتي اتكأي على ذراعي جيداً فالسلم طويل ..مشتا على مهل ، حتى وصلتا إلى غرفة جانبية صغيرة بالقرب من غرفة ( ميران ) في الطابق السفلي تحديدا في الجناح الذي يخصه .. ساعدتها ( السيدة إيلاف ) في الوصول إلى الحمام الملحق لتتوضأ ، فقد شارف الليل على الانتصاف وحان وقت قيام الليل .. تركتها لتعود بالدواء الخافض للحرارة فابتلعته وشربت كأس الماء كاملاً بنهم .. بالطبع هي عطشى ! فقد مر يوم كامل على ركودها حبيسة القبو ! كم حزنت لأجلها فأي ذنب اقترفت هذه العيون الملائكية لتقع بين براثن ( ميران ) ! تركتها وتركت ضميرها نائماً في ركنٍ مظلم غير متاح بين جدران هذا القصر .. فالطعام مُنِع عن هذه المسكينة وهي لا تملك مجابهة سيدها .. فهو يأمر فيطاع .. دون اعتراض .. دون رفض .. دون احتجاج .. !!!
أنت تقرأ
خادمتي راوية بقلم بيان الغول
Romanceوعلى سبيل الجنة التقينا !! فتسمرت مكاني معقود القلب متقد الوجدان أبكم اللسان مُلجَم الشفتين كالطفل الذي لا يتقن البوح .. حاصَرَتني بحضرتكِ الشجون فتشتتت مفرداتي ومُحيت القواميس على ضفاف حلقي .. سمعت حينها طنيناً أكاد أجزم وصول مداه عنان السماء فكيف...