الفصل الثامن
وداع راوية لخالها كان تراجيدياً بحتاً .. تعانقت خلاله الأفئدة وتعاضدت الوجدان واختلطت المآقي فتجسد هذا المشهد في نظر ميران ذنباً تلبسه واقترن به وانضم لِرَكْبِ الخطايا التي اقترفها منذ أن وقعت عينه عليها ..
بقي هذا الوداع ينزف مشاعرهما حتى جف ينبوع الأحاسيس ونضبت أنهار العواطف فمضت راوية ملوِّحة بيدها المرتجفة حازمة أمتعة اللوعة متدثرة بحاجيات اليقين موقنة بالقدر خيره وشره .. نعم هي ضربة موجعة إلا أنها لن تكون الأخيرة .. لن تكون القاضية .. صحيح أنها تركتها معلَّقة بين الحياة والموت إلا أنها أيضاً سمحت لها بالتشبث بحبل النجاة .. ببصيص الأمل الذي يُغلِّف روحها .. فمضت متوكلة على الخالق .. مؤمنة بجميل عطايا الله حتى لو تجسدت بشخص تمقته !!
وصلوا إلى القصر مساءً .. شعر ميران أنه مساءٌ مبتهج لا يشابه أي مساء .. مساء أثقله الحنين إلى سيدة جدرانه .. وتراقصت خلاله حبات الرمل وَحشَةً لعَبقها .. وطربت معه النجوم لأجلها وكأن الفوضى العشقية التي تمارس سلطتها على قلبه فاضت وتناثرت في المكان فتشاطروا المَسَرَّة وانتشر مداها مرّحباً بمحبوبته المبتئسة .. مشرعة أبوابه أمامها بانحناءة ملوكية ..
ولجا إلى الداخل فقال ميران :-
أهلاً بكِ في بيتك راوية ..فأجابته بحنق :-
هو لم ولن يكون بيتي أبدًا .. أتريد أن تعرف ماذا أراه ؟صمتت قليلاً ثم أكملت قائلة :-
إنه قبري !!ضحك بمكر وأعقب على حديثها قائلاً :-
إذن أهلاً بكِ في قبركِ الأرستقراطي !هتفت بعصبية :-
تباً لكخفق قلبه بابتسامة كبح جماحها وقطع بها السبيل في الوصول إلى شفتيه .. كم كانت تبدو فاتنة أثناء ثورتها كجمال البحر في مده وجَزْرِه .. ودّ في هذه اللحظة أن يداعب وجنتها بطفولية رداً على لسانها السليط المغدَق بالعسل .. إلا أنه مع راوية لا بد بأنه يحلم .. أو بالأصح يبالغ بالحلم !!
ذهب كلٌ منهما إلى غرفته يحملان داخلهما نقيض مشاعر .. أخذت هي حماماً دافئاً ثم استلقت على سريرها الوثير مسترخية بعد كم المشاعر المبعثرة التي عايشتها .. وركدت غافية خلال دقائق معدودة فالتعب أعياها والرحلة الطويلة أنهكت قواها فلم يكن هناك متّسع من الوقت للجلوس على أطلال مرحلتها الجديدة فخارت عينيها مذعنة لنداء النوم .. ملبية لحاجتها الإنسانية للسبات السحيق ..
أما هو فهرول إلى رفيقي المحنة حاملاً تباشير السرور في جوفه فأبى إلا أن ينثر سحرها في باطن ورقته الثلجية وقلمه البرّاق ..خاطرتي الرابعة :-
وعلى سبيل الجنة التقينا !! فتسمرت مكاني معقود القلب متقد الوجدان أبكم اللسان مُلجَم الشفتين كالطفل الذي لا يتقن البوح ..
حاصَرَتني بحضرتكِ الشجون فتشتتت مفرداتي ومُحيت القواميس على ضفاف حلقي .. سمعت حينها طنيناً أكاد أجزم وصول مداه عنان السماء فكيف لم يصل إليكِ .. بكل ما يحمله من شجن وعنفوان ولهفة ووله كيف لم يصبُ إليكِ .. ألم تشعري بذبذباته بين موجات الرياح العليلة ؟! أيا جاهلة بأمور الحب ألم تسمعي ضوضاء خفقاتي ؟! ألم يصل وقعُها إلى مسمع قلبكِ ؟
أنت تقرأ
خادمتي راوية بقلم بيان الغول
Romanceوعلى سبيل الجنة التقينا !! فتسمرت مكاني معقود القلب متقد الوجدان أبكم اللسان مُلجَم الشفتين كالطفل الذي لا يتقن البوح .. حاصَرَتني بحضرتكِ الشجون فتشتتت مفرداتي ومُحيت القواميس على ضفاف حلقي .. سمعت حينها طنيناً أكاد أجزم وصول مداه عنان السماء فكيف...