الفصل الخامس
عندما سكن الليل وودعت القلوب أصحابها لتبيت لباسا ، علِق ميران في فخ الندم بسبب إلحاح صورتها الباكية في مخيلته وعبثاً حاول إلجام تلك الصورة وإخراجها من ذاكرة عينيه ، هو كان فظاً غليظ القلب ولم تشفع لها ظلمة عينيها بإيقاظ تلك الإنسانية التي اختفت تحت ردم قلبه ليصبح إنساناً سرمدياً بشهادة دموعها !
هي تجبره على إيذائها بهفواتها اللامقصودة
فيفقد حينها رجاحة عقله ويحتكم إلى عنفوان غضبه الذي كان ولا زال وسيبقى جزء لا يتجزأ من شخصه .. بل الجزء الأكبر من شخصه ..أحاط رأسه براحة يده في محاولة للجم الصداع الذي ما فتأ ينخر رأسه فاعتدل في جلسته واقفاً وقصد الذهاب إلى المطبخ لإحضار قليلاً من الماء لابتلاع الدواء المسكن .. وما كاد يضع إبهامه على مفتاح الضوء حتى ارتطم بجسد هزيل لم تكن صاحبته سوى ( راوية ) التي أطلقت شهقة مجفلة عندما باغتها هذا الاصطدام في مثل هذا الوقت فالساعة جاوزت الثالثة بعد منتصف الليل ، قالت بصوت مرتجف :-
مَنْ هناك ؟أجاب بارتباك :-
لا داعي للخوف ، إنه أنا .فقالت بازدراء محدثة نفسها بصوت خفيض :-
إذن عليّ أن أخاف .قال بامتعاض عندما رآها تتمتم :-
عفواً ! هل قلتِ شيئاً ؟!:- لا .. مطلقاً .
أجابته بلامبالاة وهمت أن تخرج إلا أن صوته أوقفها عندما قال :-
استعدي في الصباح الباكر للذهاب برفقتي إلى مزرعتي ..سألت بحيرة :-
هل هي بعيدة عن هنا ؟أجاب :-
إذا امتطينا الأحصنة فسنكون هناك بعد الظهيرة أما إذا ذهبنا سيراً على الأقدام فسنصل في المساء ..عادت تسأل بحيرة أكبر :-
هل سنكون وحدنا في هذه الرحلة ؟أجاب متنهداً :-
بالطبع ..قالت بحدة وقد تبدلت ملامحها :-
أنا غير موافقة ..:- أنتِ لا تملكين خياراً عزيزتي ! ثم أنا لم أسألكِ القبول من عدمه .. إنه عملك وأنتِ مجبرة على القيام به كيفما أرغب أنا .. أفهمتِ ذلك أم أن عقلك الصغير لم يستوعب الأمر بعد !؟
( تباً لك ! ) هذا ما كانت ترغب في قوله له عندما خاطبها بتلك اللهجة السادية .. إلا أنها كانت تعلم أنها لا تملك خياراً فآثرت الصمت وغادرت دون أن تعقِّب على حديثه ، عادت إلى غرفتها منكسرة فرممت داخلها بالدعاء والمناجاة .. وتسلحت بالتقرب إلى الله .. فكلما كانت تتألم كلما تردد في قلبها قوله تعالى ( لا تقنطوا من رحمة الله ) .. وكلما أحسَّتْ بالوحدة تهادى إلى جسدها قوله جل وعلا ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) فكيف لأحلامها بالخلاص ألا تتحقق عندما تسمع قوله تعالى ( ادعوني استجب لكم ) .
أنت تقرأ
خادمتي راوية بقلم بيان الغول
Romanceوعلى سبيل الجنة التقينا !! فتسمرت مكاني معقود القلب متقد الوجدان أبكم اللسان مُلجَم الشفتين كالطفل الذي لا يتقن البوح .. حاصَرَتني بحضرتكِ الشجون فتشتتت مفرداتي ومُحيت القواميس على ضفاف حلقي .. سمعت حينها طنيناً أكاد أجزم وصول مداه عنان السماء فكيف...