الفصل الثالث

5.1K 109 1
                                    

الفصل الثالث

"غريب ...لما خرج عمك اليوم لقد قال انه امر مستعجل "
سالت صبابة ابنها صقر تاخذ مكانها في مجلس العائلة بعد وجبة الغداء التي غاب عنها مرعد لاول مرة منذ زمن
"كما قال امي أمرا مستعجل "أجابها صقر متابعا الحوار الدائر بين ابناءه رعاد وصبابة
"انا لن ادخل كلية التمريض انا اريد ان اصبح طبيبة "قالت صبابة بعناد
"لا انت ستذهبي كلية التمريض الجناح العسكري "أجابها رعاد بعناد اكبر
"انا لا اريد ان اكون عسكرية "
"اقرب جامعة تدرس الطب  الذهاب لها سفر وانت لن تخرجي من القرية احمدي آلله ان هناك فرعا من الجامعة العسكرية قريبة منا "
"لكنه لا يشمل الطب فقط التمريض وعلوم الطب المساند والقانون والعلوم العسكرية بالطبع وقسم للشرطة وانا لا اريد شيء من هذا وجدت صبابة ان لا امل لها من نقاش اخيها ابي هتفت برجاء "
"يا عزيزتي انت لم تقدمي  بعد على دراسة الثانوية وها قد بدات بالتخطيط لدراستك بعد الامتحانات وظهور النتائج يخلق الله ما لا تعلمون "تدخلت والدتها راية تنهي الحديث
"ثم ان عمكما صخر متعب وأنتما تزعجانه بجدالكما "علقت الجدة فوز
"غريب لم تاتي الطبيبة لتطمئن على حال صخر اليوم مع انها قالت انها ستفعل "قالت فرحة تعدل الوسائد خلف ظهر صخر ليجلس في راحة على الأريكة "
"اذكري لنا الخير لم ارتح لها ولا لقدومها ابدا وأتمنى ان لا تعود الى البيت "علقت صبابة بسخط
"لما امي انها طبيبة جيدة ولقد اعتنت بجرحي جيدا "قال صخر مستغربا من كره والدته للطبيبة الغير مبرر
"اعتنت به !؟ انه عملها ..الذي كما يبدو انها لا تجيده "
ضجر الابناء من هذا الحديث الذي اخذ منحا اخر
نظرت الى ابن عمها الذي يرمقها بعينين كالصقر ترى ماذا سيفعل اذا قالت انها هي ايضا تريد ان تكمل تعليمها اذا كان رعاد يتحكم بصبابة هكذا وهي اخته ماذا عن ابن عمك عناد  ...سخرت من نفسها ربما لن يجعلها تصل الى الثانوية العامة فها هو قد أتم الثامنة عشر وربما انه يريد ان يستقر لن تستطيع ان تجابه العائلة باكملها ليته يحب صبابة ويختارها
يدرس تفاصيل وجهها ويعلم ان الحوار الدائر لا يعجبها طريقه طويلة معها لكنه لن يستسلم فكر عناد يراقب مزنة التي باتت صعبة المراس وهذا لا يساعد مع قرار جده مرعد بإلغاء ان تسمى الفتاة لابن عمها فتيات العائلة كثر وشبابها اكثر ليترك لهم المجال للاختيار ..ولا تجبر اي فتاة  على الزواج مادامت تريد إكمال تعليمها ماذا اذ كانت تحب اخاه متعب او ان كان هو يحبها
"ما الذي يضجرك يا فوز "قال رعاد عندما لاحظ تبرم ابنة عمه التي ابتسمت بسخرية
"انا لست فوز انا ريحانة "وعادت لتضحك في وجه اختها التوام  المتجهم والتي نظرت له بعداء قبل ان تشيح به عنه

مراقبا ما يحدث بصمت ابناء اخوته مجموعة من التناقضات التي لا تنتهي ابتسم رعود لينتبه الى عيني والدته التي تراقبه باهتمام وابتسمت له ابتسامة المدركة للامور
************
تجمد مكانه بصدمة عندما سمع صوتها تنادي باسمه مجرد ثم تتبعه برجاء لا تتركني دون ان يفكر التف عائدا الى باب الزنزانة
"افتحه "امر الحارس الذي لبى فورا دخل الزنزانة ليراها تتخبط بحركات خرقاء تحاول الوقوف لكن ساقيها لا تساعدها وتردد كلمات غير مترابطة وصوت باكي "لا تتركني ..."محاولة الاقتراب منه والتشبث به علم ان حالتها هستيرية لكن هذا لا يسمح له او لها ان تتمسك به هكذا محاولا تفادي يدها التي تريد الإمساك به كتفه ذراعه "اهدئي"امرها لكن دون فائدة هي تسعى للتمسك به الحل الوحيد لإخراجها من هستيريتها رفع يده ليصفعها شهقت ثم سقط على الارض دون حركة
نادي على الحارس "اذهب حالا واحضر ام السعد"
نظر لها يبدو انها ستصبح عادة هذه المرة الثانية
التي يصفعها بها رش بعض الماء على وجهها محاولا عدم لمسها "طبيبة سما ...طبيبة سما "يحاول ان يوقظها تحركت عينها لتشهق وهي ترفع نفسها عن الارض رؤيته لها بهذا الشكل ضعيفة مبلولة وهشة للغاية  جعلت ضميره ينغزه بشده ما الذي فعله بها  صحيح انها عنيدة لكنه كان قاسيا
"لا تقلقي كل شيء بخير سأخرجك من هنا هل تستطيعي السير "
"لا تتركني هنا قالت بصوت مرتعش وهي تضم نفسها بين ذراعيها ترتجف كانها في وسط ثلج
"اهدئي "عاد يقول  بصوت هادىء وهو ينظر لها حيث انزل نفسه الى مستواها
"سيد مرعد "هرعت ام السعد الى داخل الزنزانة "
"ما الذي حدث "
تشعر انها في كابوس كانها كانت داخل فيلم رعب لا ينتهي كل ما تذكره هو مرعد الذي عاد من اجلها وصوته الهادىء ونظرته المطمئنة
صوت ام السعد التي اقترب منها اخرجها من الضياع الذي تعانيه اقتربت منها ام السعد "اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْم آلُلُه الرحمن الرحيم اسم آلُلُه عليك "قالت تقترب من الطبيبة سما التي القت نفسها في حضها تبكي دون توقف بينما ام السعد تتمتم بآيات القران عليها
وقف مرعد امام ذلك المشهد يا الهي انها ليست اكثر من طفلة صغيرة وحيدة نادى الحارس أمرا اياه ان يحضر بطانية لفتها ام السعد حولها "حاولي ان تجعليها تسير يجب ان نخرجها من هنا "
قال مرعد يلوم نفسه اي حماقة جعلته يحبسها
"هيا يا طبيبة لنخرج من هنا "همست لها ام السعد
تحاول ان تكفكف دموعها المنهارة
"هيا يا ابنتي الحنو في صوتها جعلها تنظر لها بعينين دامعتان "لا ...تبكي مرة اخرى هيا لنخرج "حاولت النهوض تسندها ام السعد تراقبهما نظرات مرعد الذي يريد ان يركل نفسه على هذه الغلطة الفادحة التي ارتكبها كيف لم يعمل عقله وترك غضبه يتحكم به
امر الحارس ان يحضر كوب يانسون بسرعة وهو يتوجه الى مكتبه
نظرت له ام السعد تتساءل "هل أغادر بها الى منزلها "
"لا سنذهب الى المكتب لترتاح قليلا "
اجلستها ام السعد على الأريكة التي امام مكتبه وجلست جوارها بينما جلس مرعد على المقعد الذي امام مكتبه "اسقيها اليانسون "قال لام السعد التي حملت الكوب لسما التي شربت منه طائعة
"هل انت افضل الان "ولو انه استسخف سؤاله فهو سبب كل هذا
كانت قد هدأت الان ووجود ام السعد قد دعمها قليلا نظراته التي تراقبها بشيء من الشفقة جعلتها تغضب من نفسها اكثر تكره ضعفها وتكره الخوف المرضي الذي تعاني منه من الإماكن المغلقة والمظلمة وتكره مرعد لانه شاهد إذلالها هذا ومحاولاتها اليائسة للتشبث به
"انا بخير "قالت بصوتها المبحوح اثر صراخها تريد ان تخرج من هنا بأسرع وقت
كيف سيكفر عن إساءته "لم اكن اعرف انك تعانين من الرهاب"
"سأعطيك قائمة بالأمراض التي أعاني منها حتى لا تتفاجىء المرة القادمة "اجابته بفظاظة جعلته يبتسم "انت بخير فعلا "قال مرعد باسما بينما ام السعد تتابع الحديث بينهما
هي لا تحتاج نظرة الشفقة التي يطالعها بها هي لا تحتاج اي شيء من اي احد
"كنت اريد اعادة الأدوات الطبيبة التي معي الي المركز عندما لاحظت وجوده وضع سلاحه اعلى ظهري وآمرني ان لا التفت كان ملثما واراد اخذ بعض الأدوية والمعدات الطبية قلت له انني طبيبة ويمكنني ان اساعد "
"ماذا اردت مساعدة شخص خطير مثله لا اصدق يا طبيبة لقد كنت ترتجفين منذ قليل بسبب زنزانة مغلقة ...وتري...."بتر باقي جملته عندما انتبه لكلماته
"شكرًا "قالت سما بعتب "انا طبيبة وحياة الناس اهم عندي من اي شيء اخر "
"لكنها حياة مجرم "
"سبق واخبرتك ان هذه أمور لا تهمني ما يهمني هو وضعه الصحي انا طبيبة ولست قاضي لاحكم عليه"
اخفضت عينها وعلم انها لن تقول المزيد
"ساصولكما الى البيت "قال مرعد ناهضا بينما تتبعه ام السعد التي تسند سما
٢
"ابقي معها ام السعد "قال مرعد بينما تترجل سما معها من السيارة
"لا داعي انا قادرة على الاعتداء بنفسي ثم ان لديك عائلة  تهتم بها "
"لا باس سأمكث عندك حتى اطمئن عليك "
كانت رحلة العودة الى منزله مضنية له فكريا ما كان يجب ان يتعامل معها بهذه القسوة لكنها عنيدة لدرجة الغباء تذكر مرعد روايتها الجزئية عما حدث ما كان يجب ان تذهب معه
ما ان دخل منزله حتى استقبلته العائلة بدفئها المعتاد جلس الى جوار والدته بعد ان قبل راسها ودعت له بالرضا
"اين كنت "بادرته صبابة بسؤالها دون تفكير مما جعله ينظر لها مستهجنا"ماذا؟!"
"اعني عادت صبابة توضح مترددة اعني انك لا تخرج يوم العطلة عادة !"
"لقد قلت ان لدي عمل "
"عمل في العطلة !"قالت مستغربة
"ما بك صبابة انها أمور عملي منذ متى اخبر احد عنها "
"امي تدخل صقر عندما رأى تصرف امه الغريب فهي لاول مرة تسال عن غياب مرعد او عمله لدينا اعمال عالقة يجب إنجازها "
"صقر صخر ورعود اريدكم في امر اتبعوني "قال مرعد ينهض تاركا المجلس
نظرت الجدة فوز الى صبابة التي باتت تتصرف بغرابة في الفترة الاخيرة وفظاعتها زادت عن قبل "ما الامر صبابة انت متزوجة منذ عشرون عام عملهم ليس جديد علينا ليس لهم موعد ولا نعمل عنه شيء انت خير من يعلم ذلك "
نظرت لها صبابة بامتعاض "لا اظن ان العمل هو ما اخره هناك امر اخر "
حمدت الجدة آلُلُه ان باقي العائلة غير موجودين حتى لا يروا جنون صبابة "فليهدك الله يا ابنتي اذهبي لترتاحي "علقت الجدة فوز ونهضت تذهب لمجلسها الخاص الذي تعلم ان ابنها سياتي اليها فيه قريبا
"ما الامر عمي هناك شيء جديد ؟!"سال صقر ما ان اختلى بعمه وإخوته
"لقد شككت في امر توهان الطبيبة حيث وجدت المكان بعيد لا يمكنها التوغل اليه بمحض الصدفة لذا رايتها اليوم وبعد سؤالها علمت ان احد الفاريين قد ذهب الى المركز للحصول على الأدوية وعندما راها اخذها ثم تركوها تهيم في الصحراء ضائعة
"لماذا لم تخبرنا من قبل "سال صخر
"كانت خائفة بالتاكيد برر مرعد لا يدري لما "
"واين هي الان ؟"سال صقر
"تركتها مع ام السعد في بيتها لكن ...هذا ليس كافي لقد ذهبت الى مركز الأمن اليوم ماذا ان كانوا يراقبونها وماذا لو احتاجوا مساعدتها مرة اخرى ربما تكون القاضية بالنسبة لها كيف لم انتبه لذلك"
"ما الذي تقصده عمي "علق رعود
"يجب ان تبقى تحت الحراسة قد يؤذوها"
"هل نرسل حارس لها "سال صخر
"في الوقت الحاضر "قال مرعد "لاني افكر بان تنقل سكنها لمكان قريب او ان تسكن عند احد لا يجب ان تكون وحدها "
"هذا صعب عمي لها وللأشخاص الذين ستسكن عندهم انها فتاة مدينة استقلالها وعاداتها الشخصية مختلفة "علق صقر
"سندع ذلك لوقته الان يجب ان نرسل لها حراسه "
قال مرعد متحركا بيننا صقر يتبعه
رأتهم صبابة عن الباب
"الى اين ؟"
"عمل امي أجابها صقر يلحق عمه الى الخارج
***********
تشعر بالفراغ لقد مرت بوقت عصيب صحيح انه عاملها بلطف فكرت سما تقريبا بلطف لكن هذا لا يمنع انه كان فظا وقاسيا معها  لا تعلم لما يعاملها بتلك الطريقة هو رجل امن لكنها طبيبة وحياة الناس اهم عندها من اي شيء اخر وشخص المريض لا يهمها بشيء من او مهما كان لكنه لن يقدر ذلك  هو اساسا لا يقدر وجودها هنا وبسببه ها هي تشعر بالخواء والضعف
نهضت لتستحم وتغير ملابسها قبل عودة ام السعد فلقد احتاجت لمعجزة لتقنعها انها بخير وسترتاح قليلا وهذا ما فعلته لا تعلم متى غفت ولكنها كانت بحاجة ماسة لتلك الغفوة بعد الحمام الساخن والدواء المهدىء فتحت عينها على صوت الطرقات المتتالية على بابها نهضت على مضض تفتح الباب الذي توقعت ان تجد ام السعد خلفه لكن عندما فتحته توقفت للحظة قبل ان تخرج وتستقبل القادم بالأحضان
*********
مر هو وصقر الى المركز الأمني تابعا بعض المستجدات قبل ان يأخذ احد افراد الشرطة وينطلق صوب منزل سما بعد ان أعطاه تعليماته عما يجب ان يفعل لاحظ السيارة الحديثة التي توقفت امام منزلها واستغرب لكن المشهد الذي رافقها اثار داخله عدة مشاعر تتراوح بين الغضب والحنق والاستحقار كيف تكون بلا حياء بهذه الطريقة من هو هذا الشاب الذي لثمت خديه واحتضنته امام بيتها على مرءى من اهل القرية
صرير السيارة التي طحنت الحصى جعلها تبتعد عن سليم بسرعة لتصدم بالعينين التي تنظر لها كانها ستحرقها
تبخرت سعادتها في رؤية ابن عمها بسرعة عندما حضر مرعد الذي  ترجل من سيارته ينظر لها الان كانها فاسقة
"سيد مرعد "قالت بصوت مرتجف تحاول ترك مسافة بينها وبين سليم الذي وضع ذراعه على كتفها ليبقيها قريبة بينما يمد يده الثانية ليصافح القادم "سليم الصافي ابن عّم سما"
ابن عمها أتراه خطيبها؟ لكنها لا ترتدي خاتما وحتى لو كان خطيبها لا يسمح لها ان تتصرف هكذا
سلم مرعد على سليم برسمية اقرب للجفاف شيء ما جعله لايذكر امر الحارس امامه "اتيت لاخذك لمراجعة صخر لكن كما يبدو ان لدي ضيوف "
"انا لن أبقى طويلا فقط اتيت لأطمئن عليها وسأغادر"
"ماذا الن تبقى الليلة هنا "
يبقى هنا !! اين سيبقى؟ عندها في المنزل وحدهما فكر مرعد مصدوما هل هو زوجها !
"لا يا سيمو قال مدللا انا مضطر للعودة ربما اراك عندما تأتين في عطلة نهاية الاسبوع "
مدركة لنظرات مرعد المسلطة عليهما خصوصا عندما قال سليم اسمها بتدليل
"حسنا "قالت سما باستسلام وشيء من الاحباط
"اذن سأتركك لعملك وأغادر اراك قال سليم مقبلا خدها  الذي رفعته له وركب سيارته وغادر
"دقائق واحضر حقيبتي واتبعك "قالت سما تدخل بيتها
"لا داعي ...أوقفها مرعد قبل ان يكمل ابن عمك هذا زوجك ؟ قال بصيغة التأكيد والسؤال "
"زوجي ..سالت سما لا انا لست متزوجة "
"خطيبك اذن "قال يحاول ان يختار كلماته بعناية
"لا"عادت سما لتجيب بشيء من التشكيك
"اذن كيف تسمحين له ان يقبلك ويضمك ليس هذا فقط بل تفعلين ذلك في مكان عام وعلى مرءى اهل القرية اسمعي يا طبيبة قال مرعد وقد بدا الغضب  في صوته نحن هنا في قرية تحكمها عادات وتقاليد تربينا عليها منذ اجيال قد تكون تصرفاتك المنفتحة شيء عادي هناك في المدينة لكن هنا عليك التقيد بطرق حياتنا وعاداتنا وما فعلته قد تعاقبين عليه انه فعل فاضح وقلة حياء"
وقفت سما مصدومة هي لم تكد تخرج من صدمتها الاولى هناك في الزنزانة حتى يأتي مرة أخرى ويبخها بهذه الطريقة ليس هذا فقط بل يهددها بالعقاب ويتهمها بقلة الحياء
"انه ابن عمي "قالت وقد علت على وجهها ملامح الدهشة
"وان يكن هذا لا يعطيكما الحق ان تفعلا ذلك راقبي تصرفاتك يا طبيبة والا سيكون لي تصرف اخر معك وصدقيني لن يعجبك قال كلماته وغادر دون ان يترك الحارس عندها الذي بقي قابعا في سيارة مرعد وأعاده الى المركز مرة اخرى مستغنيا عن فكرة حمايتها
الفصل الثالث ج٢

٣
الا يكتفي ابدا من معاملتها كانها حشرة فكرت سما تغلق باب منزلها بغضب جعلت أركانه تهتز
انها حانقة للغاية على كل شيء على حياتها ودراستها وغلطتها التي اتت بها هنا وحتى على والدها الذي الذي بسبب عمله ومكانته اضطرت للصمت وعدم الدفاع عن نفسها وعلى ابن عمها الذي يقول انه يحبها ولم يبقى معها سوى دقائق معدودة وهي بأمس الحاجة له ولوجود شخص الى جانبها
ضربت الوسادة الموضوعة على أريكتها متمنية لو انها كانت حياتها فهي تريد ان تقلبها و تعيد تشكيلها كما كانت ترغب جلست لساعات تنظر الى الفراغ بصمت بعد ان هدأت ثورتها لا شيء من غضبها او خنقها سيغير واقعها الذي تعيشه انها طبيبة حكم عليها بالفشل مرفوضة ومنفية في قرية صحراوية سكانها ينظرون لها على انها منحلة
وضعت يدها على راسها تحاول تسكن الأفكار المتضاربة داخله والصداع الضارب فيه بقسوة قبل ان تتذكر لقد قال شيء عن صخر أتراه يعاني من شيء ما هي لم تعاينه منذ  اليوم الذي اعادت به تقطيب جرحه لكن حازم يعطيه الإبر اللازمة ضد الالتهاب هل تذهب وتراه لكن بعد الذي قاله لها مرعد لا يمكنها ذلك ماذا عن واجبك كطبيبة سما ...لكنه لا يعتبرني طبيبة انا في نظره قاتلة قليلة الحياء يا الهي ماذا تفعل  فكرت سما كان يجب ان تذهب لشرب القهوة مع والدته اليوم وفكرت ان ترى جرح صخر  لكن ذهابها للمركز الأمني منعها الا يعد هذا إهمال طبي منها نهضت تذرع منزلها المكون من غرفتين ذهابا وإيابا مترددة بين كرامتها التي أهانها مرعد بطرق عدة وبين واجبها كطبيبة حتى تغلب حسها بالمسؤولية على كل شيء نهضت تحضر حقيبتها متجهة الى الباب الذي طرق معلنا عن قدوم ام السعد نظرت سما لها وجودها معها ربما يخفف من  اذلال ذهابها الى منزل مرعد بعد كلماته
نزهة كانت اول من استقبلهما من المدخل الذي اشارت له ام السعد على انه مدخلا خاصا بالنساء ويفضي الى ممر يؤدي  الى قاعة صغيرة أخبرتها ام السعد ان نساء المنزل تستخدمنها للجلوس الصباحي
"اجلسي يا طبيبة "قالت نزهة "سأخبر الجدة فوز
بعد ثواني كانت الجدة فوز تدخل من باب اخر في آخر القاعة من الجهة الاخرى "اهلًا اهلًا بالطبيبة لقد انتظرتك اليوم "
"اعذريني يا جدة لقد انشغلت قليلا "إجابتها سما مدركة انها لا تعلم شيء عن صدامها مع مرعد لا صباحا ولا الان اتيت لأرى جرح السيد صخر "أوضحت سما
"اجل بالطبع تعالي قالت الجدة تدخلها الى البيت الذي عاد ليظهر كمتاهة كبرى امامها
كانت الجدة فوز قد أخبرت نزهة ان تخبر الجميع عن قدوم الطبيبة استنفرت صبابة يبدو ان هذه الطبيبة ستأخذها عادة وتأتي وتذهب كما تريد يجب ان تدرك انها ليس مرحب بها هنا
كان قد دخل للتو الى منزله من الباب الرئيسي عندما طالعته نظرة صقر المتفاجاة
"هل احضرت الطبيبة سما معك"ساله
"لا ..هي هنا ؟"قال مرعد باستغراب
"الم تذهب لتضع الحارس امام منزلها "
"لقد أجلت ذلك لوقت اخر "قال مرعد  بحياد محاولا عدم تذكر ذلك المشهد المزعج الذي رآه
"انها هنا لتعاين جرح صخر لقد استقبلتها الجدة وهي الان في طريقها له
ما الذي تعنيه بتصرفها هذا
سارت سما مع الجدة متجهة الى جناح صخر الذي كان مستلقيا الان في سريره رحبت بها فرحة بابتسامه بينما راية تعاملت معها بتحفظ مدركة للعيون التي تراقبها خصوصا صبابة الصغيرة التي تنظر لها بإعجاب اقترب منها اصغر افراد عائلة صخر صبي ذو عشر او تسعة سنوات "انت لن تعطيني ابرة "قال الصبي فجاة
نظرت له سما بابتسام تداعب شعره "لا لن افعل قالت تؤكد
"ماما قالت انني اذا اسأت التصرف سيعطيني الطبيب ابرة "
"وهل اسأت تصرفاتك اليوم "
احمر وجه الصبي وهو يجيب "لقد اثرت فوضى في غرفة ألعابي "
"اوو هذا سيّء يا عزيزي لكن اتعلَّم اذا رتبت تلك الفوضى فانا أعدك ان لا اعطيك اي ابر ابدا ما رايك"
"سارتبها حالا "قال فارس صخر الصخور ذلك وانطلق بسرعة ككتلة نشاط الى غرفة العابه
نظرت سما الى فرحة "ارجوك اريد ان اطلب منك شيء لا تهدديه بالإبر مرة اخرى ان الاطفال يكرهونها كفاية وتهديدهم بها يجعلها تبدو كعقاب لا نعلم متى يحتاج الطفل لإبرة وهو سيحتاجها ولابد فيكون كارها لها ويرفضها "ما ان انتهت سما كلماتها حتى أتاها الرد سريعا "يا الهي يا طبيبة ان لسانك يقطر سوء فأل لما سيحتاج حفيدي للإبر
"قالت صبابة باستعلاء
كأن سوء يومها ينقصه وجود صبابة الفظة ليكتمل الا يكفي ما فعله زوجها معها
نظرت سما لها بصبر قبل ان تبتسم لفرحة "انت تعلمي ان ابنك يحتاج للمطاعيم ...والان لوسمحتم أرجو مغادرة الجميع ابقي فرحة لكن الباقي لا"قالت تتجه الى صخر
"انا سابقى قالت صبابة لا يعجبها انها تجاهلتها
"انت لا قالت سما "
"لما تحدتها صبابة "
قررت سما انها اكتفت منها ومن مرعد فنظرت "لدي مبدأ ان لا افحص الابن بوجود والدته خصوصا اذا كانت كبيرة السن وتؤمن بالخرافات والاثنتان تنطبقان عليك فَلَو سمحت غادري "
لديها رغبة كبيرة بالضحك نظرت الجدة فوز إليهما خصوصا الى صبابة التي تحترق غيظا لا يمكنها لوم الطبيبة فصبابة هي التي بدات
بعد خروج الجميع نظرت سما الى الجرح "دعنا نرى لم تتبع نصيحتي وتحركت الا يوجد في هذه العائلة شخصا ليس عنيد "قالت سما تهتم بجرح صخر ثم حملت أدواتها وغادرت الغرفة بعد اعطاءه مع زوجته بعض التعليمات ما ان فتحت الباب حتى رات مرعد الذي قد غير ثيابه ليرتدي العباءة البيضاء كعادة سكان القرية بدا اطول اقسى وحوله شيء من الهيبة
نظرت سما له تنوي تجاهله لكن لا شيء يسير كما تخطط
"كيف هي حاله ؟"هل تجيبه فكرت سما ام تتخطاه
أشاحت عنه تريد المغادرة"بخير "
وقفت محتارة اي مدخل تستخدم
نظر مرعد لها بينما صبابة تحترق غيظا خلفه ومعها الجدة "تعالي لنشرب القهوة المؤجلة "قالت الجدة
"اسفة يا جدة لقد اتيت فقط لاعاين جرح صخر ويجب ان أغادر حالا "
"لما يا ابنتي ابقي وسنوصلك الى المنزل "
"لانني هنا فقط بصفتي طبيبة انا لست ضيفة وأرجو ان لا تعامليني هكذا فانا رغم احترامي الكبير لك ما كنت لادخل هنا لولا ذلك مع هذا فانا شاكرة لك حسن استقبالك ولو انك من ضمن القليل ان لم تكوني الوحيدة التي تفعلها "
"ماذا تعنين "قال مرعد بصوت حاد
"افهمها كما تريد سيد مرعد انا لست بحاجة لافسر كلماتي لكني عادة لا أبقى في مكان لست موضع ترحيب فيه مع ذلك انا هنا كطبيبة تقوم بواجبها ولولا ذلك لما خطت قدماي عتبة بابكم "قالت متجهة الى الباب الذي دخلت منه متجاهلة شهقة الصدمة من الجدة ونظرة الغضب من مرعد
لاقتها ام السعد عن طرف الباب فحمدت سما آلُلُه لانها ستكون بموضع محرج اذا تاهت في دهاليز منزله ولم تعرف كيف تخرج
تلك الحمقاء قد إهانتهم بطريقة لا تغتفر لو انها رجل لقتلها دون ان يرمش ما ان خرجت الكلمات من فمها
**********
كان الليل قد انتصف ام السعد غادرت ما ان أوصلتها الى بيتها وها هي قد تجاهلت مكالمات سليم رسائل والدتها كل شيء فقط تريد ان تكون وحدها لا تريد ان يزعجها احد
**********
راقب بصبر من بعيد لقد استكانت القرية ونام الجميع عليه ان يتحرك قبل الفجر مما رآه هذه الطبيبة قد وشت بهم والا لما الاهتمام بها لقد زارها مامور المركز بنفسه ما كان يجب ان ياخذها لعلاج اخيه لكن الان كل همه ان يحصل على بعض الأدوية من اجله فهو يعاني من الحرارة وبعض الالتهاب في جرحه تقدم بصمت مجتازا الطرق الخالية بخفة قاصدا النافذة الخلفية للمركز الصحي خلعها بصمت قبل ان يدخل اليه يبحث عن مستودع الأدوية
تتقلب بضجر تفكيرها لا يهدا ماذا تفعل اتطلب من والدها ان ينقلها لمكان اخر فهي حقا قد بدات تيأس ام تعود الى منزل عائلتها وتترك عملها كطبيبة يمكنها ان تعمل باي شيء اخر له علاقة بالطب لكن دون ممارسته ...وتستغني عن حلمك سما نهرت نفسها لكنها عاودت لتذكرها ان حلمها قد انهار منذ زمن
لقد أتم مهمته وغادر المركز بهدوء كما دخله وعندما اراد الابتعاد نظر الى بيت الطبيبة لما لا يتخلص منها وبذلك يضرب عصفوران بحجر واحد يتخلص منها ويثير بلبلة ورعب في المنطقة فكر ينظر الى منزلها الملاصق للمركز الصحي النافذة مفتوحة في الستارة بالكاد تتحرك بسبب النسيم الهادىء دون الحاجة لخلع او سكر شيء امتدت يده بالقداحة لطرف. الستارة ليشعل بها  النار ثم ليزيد الإثارة اطلق عيارا ناريا في الهراء انها رسالة لقوات الأمن لقد تم السخرية منكم
وغادر مسرعا محتميا بستار الظلام وخفة حركته
*********
لم يستطع النوم كان هناك جيش غاضب متحفز داخل أوردته يغلي بعد كلماتها المهينة التي ألقتها عليه في بيته دون حياء وضع بشته على كتفه وخرج الى خيمته بعد ان طلب من الشيخ جضعان وبعض الرجال الآخرين ان يلاقوه
كان المجلس حيويا اليوم وهذا ما ساعده على ابعاد تفكيره بالطبيبة وما سيفعله بها غدا فهو لن يغفر لها إهانتها ابدا
عدة قضايا ناقشوها كان هناك عدة مطالب عليه اخذها بعين الاعتبار لكن اهم ما ناقشه هو وجود متسللين خطرين قد يندسوا بينهم دون علم
صوت العيار الناري قطع الحوار الدائر بينهم ليقفوا جميعا
"انه من جهة المركز الصحي "
الطبيبة سما كان اول ما فكر به مرعد قبل ان يهرع مسرعا الى سيارته يتبعه الآخرون الى هناك
*******
رائحة تشبه الحريق فكرت سما تستدير في سريرها كان يجب ان تغلق النافذة حتى لا تدخل تلك الروائح تقلبت بضجر قبل ان تشعر بالحرارة وترى الدخان يتصاعد من جهة ما يسمى غرفة معيشتها ادركت ان النيران تاكل منزلها والخروج من الباب مستحيل عادت الى غرفة النوم ودون تفكير فتحت النافذة وحشرت نفسها خارجة منها
كان اول الواصلين وقد رأى بيت الطبيبة مشتعل ثم راها كتلة ضئيلة الحجم تندفع خارجة من النافذة تكورت على الارض ثم نهضت هرع اليها بينما هي تسير تعرج متجهة اليه شعرها مشعث  ومسدول ترتدي شيء بالكاد ساتر اغمض عينيه وبسرعة نزع بشته يرفعه امامه لتتجه اليه ويغطيها به
"منزلي يحترق "هتفت سما بخوف
"اهدئي "
قال مرعد ملاحظا وصول الآخرين واتصال احدهم بالإطفاء الذي اتى بسرعة
وقفت وكان خلفها على بعد خطوة تشعر به يحيطها دون ان يلمسها
"تعالي قال مرعد يحاول إخفائها عن الجمع الذي بدا بالتجمهر
"لم اعد املك شيء "
"لا باس يا طبيبة المهم انك بخير "قال مهدئا
اتى صقر قربه "ما الذي حدث
"غدا صقر قال مرعد مشيرا للطبيبة فيكفيها ما تعاني "
"تعالي يا طبيبة لا يجوز ان تبقى هنا هكذا "عاد مرعد يحثها لتتحرك
"الى اين ساذهب لم يعد لدي منزل "قالت سما بعيون تختزن الدمع المهدد بالانهيار تبكي مرتان امامه في يوم واحد كان كثيرا عليه
"الى بيتي يا طبيبة ضيفة معززة ومكرمة لاحظ ترددها لكن كما يبدو ان تفكيرها لا يعمل هيا أشار لها لتتحرك تبعته سما بصمت تشعر انها مخدرة تماما ركبت سيارته في المقعد الخلفي بينما هو وصقر جلسا في الأمام نظر اليها مرتان في المرآة كانت صامتة مصدومة لا تاتي باي ردة فعل فقط تنظر الى الفراغ
وصل الى بيته وسرعان ما دعا نزهة ووالدته التي هرعت اليه فقد علمت بالأمر عندما حدثها صقر الذي طلب منها ان تحضر جناح الضيوف للطبيبة اتت صبابة تنظر لما يحدث لقد سمعت بما حدث لكن لم تتوقع ان يحضرها مرعد الى بيتها أعطت نظرة شاملة للمرأة المشعثة التي تتغطى ببشت زوجها واقفة تنظر الى امامها كانها في عالم اخر
تقدمت فوز منها "تعالي يا ابنتي"تحركت سما لكنها توقفت فجاة واستدارت الى مرعد "أرادوا قتلي "
قالت تنظر له "لابأس يا طبيبة اهدئي الان وسنتحدث في الغد "
تابعت كانها لم تسمعه "كان علي ان استمع لكلامك لكن لما يقتلوني انا لا اعرف شيء عنهم "قالت سما تضع يدها على راسها الذي يكاد ينفجر من كثرة الالم حركة يدها جعلت بشته ينزلق عن كتفيها ليكشف عندها ادار مرعد وجهه "امي "هتف لتقرب منها الجدة فوز تغطيها وتحثها للسير "هيا يا ابنتي"
راقبت صبابة المشهد ابنها صقر يشيح بوجهه ومرعد يفعل بالمثل
"ما معنى هذا "سالت صبابة غير معجبة بما رات
نظر لها مرعد مستعلما عما تسال
"لقد حرق منزلها "
"انت لن تبقيها هنا هي لن تقيم هنا "
قالت بأمر "ما بك صبابة كيف تتحدثي هكذا "
"هذه المراة لن تبقى في منزلي "قالت صبابة بغضب
"منزلك ؟!"
حاول صقر ان يتدخل ليصمت والدته لكن مرعد أوقفه
"اجل منزلي انا ارملة كبير الصخور "
جحظت عينا صقر لما قالت والدته "ارملة كبير الصخور هي والدتي وكبير الصخور هو انا وما أقوله سينفذ افهمي هذا جيدا يا صبابة قال ينظر لها شذرا صقر اتبعني "قال مرعد مغادرا تاركا صبابة تحترق بنار القهر وتتوعد لن تكون صبابة ان لم تخرجها ليس من البيت فقط بل من القرية كلها ودون رجعة

اكليل الصبار الجزء الاول من سلسلة (أني عشقتك) بقلم زهرة سوداء ּسوسن رضوانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن