في وكر الأفاعي تتجمع الشياطين، يعلوهم دخان قاتم، كل الرذائل تُفعل والمؤامرات تحاك، يجلس ثانيا رجله أسفله والأخرى أمامه يضع عليها ذراعه الممسك بخرطوم ينفث منه الدخان، وإلى جواره حيته الرقطاء شفيقة، تنفث مثله الدخان تارة وتعيده له تارة أخرى، بينما عيناهما تتقدان في حقد .
- قلت لكِ لم أجدها هناك، لقد راقبت البيت لبضع أيام ليل نهار، حتى هو لم أره .
- هل سألت أحدا ؟
- لم يعرفهم الناس جيدا، فهم لا يظهرون كثيرا ، وأحدهم أخبرني أنهم سافروا .
- أستتركها هكذا ؟ نحن بحاجة للمال .
- لن أتركها تحيا بسعادة بعدما أبلغت عني الشرطة .وعلى غير العادة، ودعت هالة أم حنين بالدموع، لأول مرة لم تكن تتمنى أن تتخلص منها، جلسة طويلة بينهما تقص عليها فيها كل ما علمته، تصارحتا وبكيتا وودعت إحداهما الأخرى بكل الحب، لم يكن ما حدث عند أم هالة ليمر مرور الكرام بلا أسئلة .
- كيف عرفتِ ؟
- كلفت والدة حبيب سائق أختها أن يذهب ويتتبع أثركما، فأتتها المعلومات أن والدتك تسكن بالقرب منكِ، ولأنها تعلم أن حبيب حريص ولم يكن ليسمح لك بالتعامل مع غريب فقررت أن ترسل لأمك من تتعامل معها، امرأة تعرفت عليها من السوق وأعطتها العنوان، كل هذا لم أكن أعلم، حتى أرسلتني في يوم للسوق وخرجت من البيت فاكتشفت أني نسيت كيس نقودي فعدت سريعا لأسمع كلماتها :
- لا يعنيكِ هذا، هو ولدي ولن تخشي عليه أكثر مني .
- ................................
- أعرف هذا جيدا، لن يحدث شيء، فقط تلك المرأة لن تضع الدواء لها في الطعام إلا عندما تعلم بحملها .
- ................................
- بالتأكيد ستخبرها فكلتاهما خادمتان، والخدم يبوحون لبعضهم بكل شيء .
- ................................
- بمجرد أن ينتهي حملها سيضعف رحمها من هذا الدواء ولن تنجب ثانية أو على الأقل لن يحدث حمل آخر سريعا .
- كان هذا آخر ما سمعته قبل أن أتسلل ثانية للخارج .
- لم أكن أدري يا خالة أن هناك من هم بمثل ذلك الشر .
- هي يا ابنتي تفكر أنها تدافع عن حقها في ابنها وتحافظ عليه، بعض الحب يكون قاسيا فيُهلك ويقسو، حتى الحب إن لم يمر على طريق العقل فسد .
- وأنتِ يا خالة، لم أكن أتخيل يوما أنكِ تخشين إصابتي بمكروه .
- أنا لم أكرهك يا ابنتي، على العكس لقد رأيت فيكِ ابنتي التي سعت لتخرج للحياة بعيدا عن دائرة خادمات البيوت، كنت أرغب بك أن تكملي تعليمك وتنتشلي نفسك وأمك، خفت عليك من أم حبيب أن تنهِ أملك وتمنع نجاحك، ولكن الآن الوضع اختلف، لقد ثبتت مكانتك وحقك أن يستمر زواجك، وعليها أن ترضى .
- آسفة أنني لم أفهمك .
- أنا من عليَّ الاعتذار، لقد كنت مضطرة أن أكون عينيها حتى أعرف المزيد عن تفكيرها، لقد كنت مستعدة أن أفعل المستحيل حتى لا تقعي في فخ يقطع طريقك وينهي مستقبلك .نما حملها وتكورت بطنها، وبُعث الأمل من جديد في حياة جميلة هادئة، فلا شيء الآن يعكر صفوهم، أتى حبيب بأخيه ليمكث لديهم فترة، وتابعوا مع طبيب مشهور، وتابعوا العلاج الطبيعي، وتحمس رائف لفكرة أنه قد يسير على قدميه ولو باستخدام العصا، وتحمس أكثر للطفل القادم، وأسعدته إقامته معهما وأسعده أكثر محاولاتهما إسعاده، فلا شيء في الحياة يساوي قلوبا لا تحمل لك إلا الخير، ولا شيء أثمن من كنوز الإخلاص وجواهر صفو النفوس .
وكما اقترب موعد ولادتها اقترب أيضا موعد زفاف هبة، الكل متأهبون للفرح ومنشغلون في تحضيرات الزفاف، وبرغم حملها لم تتقاعس عن مساعدة صديقتها وخرجت لتبتاع معها احتياجاتها، وعادت للبيت بعد يوم طويل مرهق ولكن سعيد، دخلت فوجدت حبيب موجود مع رائف :
- هل تأخرت كثيرا ؟
لم يرد حبيب، ولكن رائف حاول تلطيف الجو :
- لم تتأخري كثيرا، ولكن أحدهم هنا افتقدك .
- أنا أيضا افتقده، وكذلك بعد بضعة أيام سأفتقد صديقتي الوحيدة التي ستتزوج ولن أذهب بعدها في مكان .
قام صامتا وذهب لغرفته فتبعته بعدما لوحت لرائف ثم دخلت وأغلقت الباب :
- لم أتأخر لهذه الدرجة، دعنا نفرح قليلا .
- كنت أفضل ألا تتركي رائف وحده .
- لم أتركه وحده فعمر وأمي كانوا هنا قبل أن أخرج، كما أنني لابد أن أوفي حق صديقتي كما وفت حقي سابقا .
- كل يوم تخرجين معها، هذا بالإضافة لحملك .
- أنت تريد أن نتشاجر ثانية، سأنام وأتركك تتشاجر وحدك .تركته وذهبت لتساعد رائف في الذهاب لسريره، بينما هو يستفزه الغضب، إلا أنه سريعا ما سقط في نوم عميق لتدخل فتجده يغط في نومه، ابتسمت ووضعت الغطاء عليه واستسلمت للنوم .
دخل في عمق الظلام، تحسس طريقه وهو يشعره ضيّق خانق، البرد يلسع جسده فيرتعد، رأى نورا ضعيفا من بعيد، فقادته قدماه إليه، اقترب أكثر والنور يتوهج، رأى بابا يخرج ذلك النور الأبيض فطل من الباب ليرى حريرا أخضر لامع يكسو الغرفة، لم ير نارا فتساءل بتعجب " من أين يأتي هذا النور؟!!" تلفت حوله ليجد والده فجرى عليه واحتضنه :
- افتقدتك كثيرا يا أبي، لقد أتعبتني الحياة بعدما تركتني .
- أنا أيضا يا بني افتقدتك، ولكن هداياك وصلتني .
- هل برئت من مرضك يا أبي ؟
- أصبحت أفضل بعدما نزعت لي الشوك من فراشي .
- لكنك يا أبي مازلت مجروحا .
قالها وهو يشير لجزء من ذراعه يبدوا منزوعا منه قطعة من اللحم .
- نعم، لازالت بي بعض الجروح، فمرقدي خشن، لكن انظر هناك .
توجه بعينيه في الاتجاه الذي يشير إليه، فوجده يشير لغرفة النور ذات الحرير .
- أتقصد هذه الغرفة ؟
- غرفة الحرير، ذلك ما كانت صاحبته تحيكه بيدها حتى أصبحت دارها حريرا، أما أنا لم أحِكْ شيئا سوى الشوك الخشن .
- ومن هي صاحبة الغرفة ؟
- انظر بداخلها لتر .
اقترب بحذر لينظر للداخل، فوجد امرأة تجلس وظهرها ناحيته، حاول أن يدخل فانغلق الباب صفعا حتى كاد يضرب وجهه .
استيقظ فزعا من حلمه يتحسس وجهه، مازال يشعر بهواء الباب وهو يغلق تلطم وجهه، نظر بجنبه ليجدها غارقة في نومها ببراءة، مسد بيديه شعرها، وابتسم بحنان، يعلم أنه يغار ولا حيلة له في هذا، أنب نفسه أنه ترك للشيطان بابا بينهما ليغضب منها، لقد سافر للبلدة ليساعد طارق، ماذا لو تحلى بالصبر فبعد أيام ستنتقل هبة إلى البلدة مع طارق وربما لن تتقابلا إلا قليلا . مال مقبلا جبينها ففتحت عيناها وابتسمت :
- صباح الخير يا حبيبي، أما زلت غاضبا مني ؟
- حاولت أن أغضب ولكني أحبك أكثر من غضبي .
- يسعدني أكثر أن تحاول ألا تغضب، فالعمر لا يمتد للخصام .
- لن أغضب ثانية، لكن لا تختبري صبري .
- لن أختبر أنا صبرك، فليست هذه وظيفتي .
ضحك من كلماتها وضم رأسها لصدره وقبل جبينها قبل أن يغادر الفراش .دخل مسرعا ويديه مرتجفتان، يبعثر أغراضه في نزق بينما أسنانه تصطك، غرفته القاتمة يسكن سواد الدخان سقفها ويحيل منظرها لقبر عفن وأد فيه صحته وشبابه وراحة أطفاله، ودفن معهم مسؤولياته وضميره، عثر على لفافة سوداء أخيرا ففتحها وتناول قطعة صغيرة وضعها في فمه بتلذذ ونشوة غريبة وترك لجسده بعدها حرية الانهيار، دخلت رقطاؤه تتلوى بغنج لا يليق بها، ترتدي ملابس عملها الفاضحة، تبرز ثنيات جسدها المترهل، وتكسو وجهها ألوان الطلاء الفاقعة، وضعت يديها في وسطها وشفتيها ملتويتان :
- هذا ما تجيده، كل ساعة تبحث كالمجنون عن قطعة الأفيون .
- ماذا تريدين مني ؟
- أريد مالا، كيف سنبتاع هذا السم الذي تجن للحصول عليه .
- من اين أحضر لك المال؟ لقد أنفقت عليكِ كل مالي .
- أحضره من ابنتك أو ائتني بها، لدي من يدفع الكثير مقابل ليلة واحدة .
- أخبرتك أني لم أجدها .
- لأنك رجل مخبول، لا تجيد سوى طلب الأفيون وتدخين الحشيش ليل نهار، قم يا رجل فصديق زوجها سيتزوج، قم ربما أتت فنضرب ضربتنا .
#ماجدة_بغدادي
#ماجووو
#قبور_ناعمة
أنت تقرأ
قبور ناعمة
Любовные романыشاب يعاني من ماضي لأبيه اقترف فيه ذنوبا، وأصبح يطارد أحلامه قبر أبيه الخشن، وفي رحلته لتسديد ديون أبيه ومسح ماضيه يلتقي بفتاته التي قاوم انجذابه لها، اشتراها من أبيها لينقذها من مصير مظلم، وعانى الاثنان من العراقيل في سبيل حبهما، ترى هل ينتصر الحب...