#قبور_ناعمة
الفصل الرابع عشرتحرك شاعرا أنه مقيد في كل الاتجاهات، دينه لأخته، وجمعية المال من أجل استرداد عمر، وتوفير مسكن لأم هالة ومتطلبات حياتهم، كلها أعباء ومهما زاد راتبه في العمل فلن تكفِ متطلباته، كل هذا ولم يحلم لنفسه بشيء، ينتظر نجاحها ودخولها الجامعة، وينتظر أن تطمئن، وينتظر أن يتخلص من همومه، لكنه لم يتمنى بعد أن تكون له بلا كل تلك المشاكل، يراها صغيرة، يريدها أن تستطيع العيش بمفردها قبل أن تضطرها ظروفها يوما للعمل كخادمة حقا، تتلخص أزمته معها أنها ترى نفسها خادمته بينما هو لا يرى هذا، ولا يهمه أن أمه أيضا تراها خادمته، هو فقط يريدها أن تبرأ من قهرها .
جمع أصدقائه وعم حسان وذهب إلى المقهى حيث يجلس والد هالة، بعدما تابعه طارق بضعة أيام، فقد تعمد الاختفاء، ولكنه أخيرا ظهر، ظهروا فجأة وأحاطوه في مجلسه، حاول أن يهرب أو يتهرب من الحديث، لكن حبيب تداركه سريعا :
- أعلم أنك تنتظر المال، أعطنا الولد وسأعطيك عشر آلاف .
- إنه ابني، أتعتقدني أبيعك إياه ؟
- دعك من هذا، لقد ابتعت ابنتك الكبرى من قبل، لكن هذا الطفل لن أنتفع منه بشيء، سأزيدك ألفين .
- لا، سآخذ كل أطفالي أنا أبوهم وأحق بهم .
أخرج حبيب من سترته المال ووضعه على المنضدة وهو يعد :
- خمسة آلاف، عشر آلاف، خمسة عشر ألفا .
- لا، زدها ألفين .
رد طارق وهو يخزه بضيق :
- هذا آخر ما قد تحصل عليه، إن لم تأخذ المال وتحضر الطفل ربما لن تتخلص منا إن أبلغنا عنك الشرطة ومعك في جيبك المخدرات .
أنهى كلماته وهو يضع يدا في جيب جلبابه، فانزعج من الفكرة فهز رأسه :
- دعوني أذهب لأحضره .
- لا، خذ الهاتف وحادث أيا من يكون مشتركا معك ليحضره .الفرق بين الأسى والبهجة خطوة خطتها قدم الصغير، الذي كان متمسكا بحبيب، فمنذ أن أتت به المرأة شريكة أبيه وانطلق من يدها ليحتضن ساق حبيب، ترك ساقه حين خطا داخل البيت، فانطلقت الصيحات والدمعات فرحا بعودته، ارتمى جسده الصغير الذابل بحضن أمه، لتبكِ كل لحظات البعد والقلق على مصيره، فرحة هزت قلوب طال عليها أمد الظلم والقهر، وكما نالت أم هالة مكافئتها على صبرها برجوع الطفل نال حبيب مكافأته على تعبه .. حضنته هالة في رد فعل متحمس سعيد بعودة الصغير، نسي كل تعبه، نسي كل ما مر به .
- حسنا، الآن استرجعنا عمر، والأطفال أدوا اختباراتهم النهائية، ولم يعد لنا هنا أحدا، اجمعوا ملابسكم وسأمر غدا لنرحل جميعا .
- نرحل أين ؟
- استأجرت لكم بيتا قريبا مني في المدينة، لم نعد بحاجة أن نظل هنا ونعاني كلما هجم علينا خاطفا أحد الأطفال .
- ابتسمت هالة بوجه أحمر، فتأثير الحضن المفاجئ باغت أخجلها :
- أهذه هي المفاجأة ؟
- نعم، والدتك من حقها أن ترتاح ومن حقك أيضا ألا تبتعدي عنها .شقة صغيرة مكونة من غرفتين هي كل ما استطاع توفيره، وباقي مبلغ الجمعية معه أتى ببعض الأغراض البسيطة مع ما حملته أم هالة من بيتها وتطوع طارق بنقلها بسيارته، وكأنهم انتقلوا لقصر فخم، ومعظم الوقت عمر يحتضن حبيب ولا يفارقه، وعينا هالة تلمعان سرورا، تركها في أول أسبوع عند والدتها، ويذهب إلى هناك حالما ينهي عمله، يتناول طعامه معهم ثم ينصرف لينام في شقته، في يوم في منتصف الأسبوع أنهى عمله مبكرا، فوجد هالة في الشارع تجري مكالمة هاتفية :
- نعم إنه يحمل مخدرات دوما ويوزعها على أطفال البلدة .
- .........
- لا، لن أستطيع أن أخبركم اسمي فقد يرسل لي من يقتلني، لكني أعلم أنه سيكون عند أذان الظهر في طريق قبلي البلدة خلف المسجد من ناحية المدرسة .
أغلقت الهاتف وسلمته للرجل صاحب كشك الحلويات، ولم تنتبه أن حبيب خلفها إلى أن استدارت فشهقت بفزع :
- لم خفتِ ؟
- صمتت وبكت فأخذ كفها وسار بجوارها بهدوء :
- لا أريد أن أضايقك، لكني أريد أن أعرف لماذا .
- صمتت أمي كثيرا عن حقها، وكانت تظن هذا حفاظا علينا حتى لا يقول الناس عنا أن والدينا مطلقان، ولكن هذا بالفعل ضدنا، فقد يستعين بالشرطة في أية لحظة ويأخذ أحدنا، حتى إجراءات المدارس لابد من أوراق رسمية لنقل الأطفال، أريد لأمي أن تتحر من احتياجها المزعوم إليه، أريدها أن تتخلص من رابطها به، أتعلم أن أمي مرضت يوما وكان من المفترض أن تجرى لها جراحة ولكن الطبيب رفض إلا أن يوقع والدي على موافقة بإجرائها !
- لن أعاتبك، وخاصة أنه بالفعل لديه المخدرات التي غيبت عقله وأعمت ضميره عنكم، أتقنعين والدتك بهذا ؟
- ليس أمامها غير هذا، لمصلحة إخوتي لابد أن تفترق عنه وتحصل على حكم حضانة .
- أعرف محاميا يسير في الإجراءات، هيا الآن لنتناول الغداء مع إخوتك وتذاكري فلم يعد سوى أيام على اختباراتك .
أنت تقرأ
قبور ناعمة
Romanceشاب يعاني من ماضي لأبيه اقترف فيه ذنوبا، وأصبح يطارد أحلامه قبر أبيه الخشن، وفي رحلته لتسديد ديون أبيه ومسح ماضيه يلتقي بفتاته التي قاوم انجذابه لها، اشتراها من أبيها لينقذها من مصير مظلم، وعانى الاثنان من العراقيل في سبيل حبهما، ترى هل ينتصر الحب...