الأول

720 55 38
                                    

-"أين أنتِ، أوليڤ؟" استدرجَ مليًّا مُنادتها المحبب لـقلبه بـوهنٍ مِئات المرات بينما أنظارَهُ لم تنفك عن البحث حتى بين المُنعطفاتِ والأزقة بـأقدامٍ مُختلة تفتكَت بـانهماكٍ جرّاء قَطعه لـمِئات المترات تطرُقًا لـحيثُ ضلّت.

ولـرُبما كان لـترقرُقَ مقلتاه دموعًا كان عائقًا لاستراجعِها بين أحضانهِ.

"يا سيّد، ألَم تري كَلبتي الأليفة ذات أعينٌ زرقاء، جسدها يُشبه الذئبِ، وذات فروٍ أبيض وأسود..؟" سأل بـكل ما أمكَن من وصفهُ لعلّه يجدها بـطيفٍ من الرجا، إلا أن مالكُ المتجر أجاب نفيًا بـأساريرٍ آسفةٍ، وكـما أجاب السابقون مثلهُ.

هو لم ييأس، ولكنه قبعَ متقوقعًا فوق حافةِ الرصيف كـالمُشرَد بين المارةِ؛

جبينهُ رسى فوق ذراعيهِ واستكملَ بكاءه بـنحيبٍ، هو ليس قادرًا علي فُراقِها بـخطأهِ الذي قد اقترفهُ هو.

"كنتُ مخطئًا أوليڤ لـعودتي بـثمالتي المُفرطة البارِحة وتركِ الباب مفتوحًا حتي أغراكِ ورحلتِ من خلالهِ أمسِ؛ حتى استفقتُ من غَفلتي وأدركتُ أن لـرحيلكِ كان يقينًا، وأنكِ قطعًا ضللتِ بـإرادتكِ. وها أنا أتلهفُ لـعودتكِ، أوليڤ." شرعَ في لومِ ذاته متمتمًا بين فرار شهقاتهِ.

"أرجوكَ يا إلهي عِدها لي وألا يُصيبها مكروه؛
أنا لا أستطيعُ البقاء بـغِناها عنّي، وربما الآن تتلقي صفعاتٍ موحشةٍ من بين المارةِ." ختم تمتمتهُ بـانسدال دموعهِ لـسبيلِها أكثر.


-ومِن الجانبِ الآخر:

-"ارحلِ من هُنا، هيّا. ليس لدينا طعامٌ!!" ترجلَ مالكُ المتجر خارجًا لـيزجُر جسدها الضئيل متعنفًا لـتبتعد.

توازنَ الأمر ريثما أتَت فتاة راكضةً حينما أُثيرَت غضبًا أثرهما،

"أيُمكنكَ أن تدعها وشأنها وكفّ الأذى حتى وإن لم تملُك أدنى مساعدةٍ لها؟" حدّجته لـيُلجَم لسانه، ولكنه لم يبصق سوى بـسُمٍ صارمٍ بـأن يغادرا هُما الإثنان من ناظريهِ فورًا.

جثَت علي رُكبتيها جانبًا لِـما تقوقعتهُ الكلبة على نفسها بـأعينٍ متلألأة قلقًا وخشيةً.

"يبدو أنكِ ضالّة من أحدهُم." تحدثت بـأسفِ، لـتأخذ تارةً تداعب أسفل ذقنِها لـتنُم على تقليل توترها الممزوج بـريبةٍ، وتارةً أخري تُمسد علي فرو ظهرِها الكثيف المُتسخ بـغبارِ الشوارع.

"لا تقلقِ، لن أؤذيكِ." نبست بـرفقٍ جرّاء قلقِ المطروحة أمامها.

حتى باشرت بـاستدراجِها بـحنوٍ شيئًا فـشيئًا ريثما علّقت قلادة السير على عنقِها للـبلوغِ إلى المكان المنشود.

هي قد وثقَت بها من إيماءآتها أنها لن تؤذها كـما تعرّضت في تلكَ الساعاتِ المُوحشة بين أرجُل المارّة.

بلغا المكان لـتُدير ظهر اللائحة المعلّقة بـمقبضِ الباب تزامنًا مع علو أصواتِ نباحٍ مختلفة بـالداخلِ كـحواس شمٍ قويّة لـرائحةِ راعيتهِم.

وسرعان ما أن دفعَت الباب الخشبيّ لـتُحاصَر بين أجسادهُم الضئيلة المُتفاوتة، منهم ما تمدد بـمؤخرته بينما يرفرف ذيلهُ كـتحيةٍ وسعادة بـقدومها، منهم ما ارتفع بـجسدهِ واقفًا علي رجليهِ الإثنين لـوهلةٍ، ومنهُم ما قضمَ علي سروالها الواسع جاذبًا إياه، وكل هذا كان نامًا على اشتياق وترحيبٍ لـمَن أحنّت عليهم أثناء  ضلالهم؛ ثم أمسدت بـيدها على كل واحدٍ منهم بـحنانٍ.

وحتى فرجوا عنها أخيرًا؛ لـتهُم بـتحضير وجبة الفطور هابطةً بـأطباقِ الوجبة لهم، لـتنضمَ الضالّة الجديدة لـجماعتهم لـيزدادوا واحدًا،

وحتى جثت هي لـتُهازل رأسها نابسةً بـأسفٍ:"يبدو أن أحدهُم متلهفًا بـالبحث عنكِ."

كَاردياك |𝒉.𝒔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن