الرابع

258 43 5
                                    

-"ما اسمكَ؟" استفهمتهُ بـأعينٍ متقوسة واضعةً قبضتها أسفل وجنتيها.

أربعتَهُم قابعين بـالشرفةِ الداخلية الخاصة بـشقة الملجأ؛
شخصان علي الطاولةِ ويجمعانهم أليفهُم الخاص من ذات النوع 'الهاسكي سيبيري' والسنّ البالغ.

"اسمي الثاني إدوارد، ولا تسأليني عن اسمي الأول لأنني أكرههُ، ومن حسن الحظِ أنكِ لا تعرفين أية صلة قرابة بيني وبين أحدٍ للـسؤال كـفضولٍ عن اسمي الأول. وأنتِ؟"
كلما استرسل حديثه كلما كانت تتعجب هي بـغرابةٍ أكثر مما كانت عليه.

"أماندا جراي.. فقط!" بـملامحِها المتصنمة نطقت بـخفوتٍ،
علي أثرها سردَ إدوارد علي الورق المُعبأ أمامهِ ولـسببٍ مستهدَف.

"ماذا تفعل، إدوراد؟" ترقبت سائلةً فـأجاب ولازال نظرهُ مرسخّ بـأوراقه:"لا يُعنيكِ.."

"أتعملين، أماندا؟" تسائل بدايةً لـتُنفي هي.

"أيُعني هذا أنكِ تُكرسين حياتكِ لـرعايتهِم؟" استفهم لـتُجيب بـعجلةٍ:"لم يسبق وأن قدّمت نَفسي للـعمل بـمكانٍ مُعين.."

"وكيف تَصرفين عليهم ماديًا إذًا..؟" سأل مُستعجبًا مُطالعًا إياها بينما يطوي ذراعيه علي الطاولة.

اختُلجَت من سؤاله.. فـقَد آثآر نقطةً هشّة بها، ولكنها أجابت بـصدقٍ:"أبي يُساعدني ماديًا في رعايتهم."

استكَّ إدوارد من ضيق تلفُظها، ليس من ردِها المُقنع.

"ما سبب إقدامكِ علي ذاك الفعلِ الخيِّر؟ أو ماذا كانت بدايةِ المطاف؟" أعارها نظرهُ لـيستخبرَها.

صمتَت لـسويعاتٍ لـتُنسج أخيُط حروفها.

"بدأ الأمرُ حينما كنتُ في العاشرة من عُمري وسَط عائلةٍ لا تُحبذ الحيوانات ولكنها لا تقسو عليهِم، جارُنا بـالأعلي أراد أن أُسدد له معروفًا بـرعايةِ كلبهِ الأليف بـمنزلي حين سفرهِ المؤقت لأنه يعلم أنني أتمني إقتناءهم يومًا، فـوافقتُ إلا أن عائلتي عبّأت عليّ كافة حاجياتهِ من جهدٍ وأموالٍ وتربية.."

"لم أدرِ أنها كانت ألعوبةً من جاري بـأنهُ لم يُسافر وحججهُ كانت تراهاتٍ حينما رفض بـصرامةٍ رجوعه لإصابة كلبهُ البالغ بـالبارفو ورغم تكبُد أليفهِ بـخطر الموتِ.. واستبعدتُ فكرة أن يكون فريسةً للـتشرد في الشارع لأن لا ذنبٍ له.."
تحدثَت بـأعينِها الكريستاليّة، مُقطتفات من ماضي صُغرها كانت تتسللُ لـعقلها.

"لذا أخدتُ زمام علاجهُ وَحدي بـحقن المحاليلِ والانتظام بـإعطاءهِ المضادات الحيوية، رُغم أنني لم أفقه أي شئ وقتها.
ورُغم حتمية موتهُ الواضحة، إلا أنني جاهدتُ لابقاءهِ حيًا، كنتُ آبي انسدالِ شبح النوم علي جفوني بينما قلبي يتألمُ لألمهِ، لإعياءهِ، لـجسده الهزيل، ولـصمتهِ في عنفوانِ ألمه.
بـتلك الفترة الوجيزة شعرتُ وكـأن علاقتنا متوطدة علي عهدٍ سابقٍ، وبـسكونهِ معي إلي أن رحلَ بـروحهِ."

أما إدوارد فـقلمهُ بات بـالسكونِ إثر تخديره لـحديثِها المُلفت، وطريقةِ إلقاءها للـكلماتِ بـثباتٍ مُحزن.

"ثم اندفعتُ في مرحلةٍ أُخري حيث صيحة تعذيبِ الحيوانات، تسميمهُم، أو تسريبِ حيوناتهم الأليفة للـشارع بـحماقةٍ. كنتُ وقتها أتدرجُ تحت كل هذا بـأعينٍ مُستدمعة وقلبٍ مُتفتك، إلي أن أخذتُ عن قريب بـالإقدام علي أن أحمي أرواحهم السالمة من أيادي البشر المدنَّسة."

ختمت، ريثما ألقي إدوارد نظرةً حانية بـالداخل علي كلابِها بينما يُداعبون بعضهم البعض فرحين.
ولم تدرِ أن لـفاعليةِ حديثها سـيتسببُ بـارتدادِ الألم لـقلبها مجددًا.

"إلهي، لـقد استدمعتُ." كفكفَ بـظهر يده دموعه الجامدة بـمقلتيهِ، ثم عقّب:"أنا أُحييكِ، هذا لطفٌ منكِ." ابتسم ثغرهُ لـتفعل هي المثل بـتواضع.

"لـقد نسيتُ أن أُدوِن..!" تصنّع الصياح.
"لا يُهم، إذًا.. ما اسمهم إن أمكن..؟" طرح سؤالًا.

"حسنٌ. اختياري لأسماءهم ليست بـعابرةٍ وإنما توضّح واحدة من سماتهُم أو صفاتهم البارزة.
مثلما 'آكسل' يُعني 'أب السلامِ'
وهو فعليًا سالمَني داخليًا بـسعادةٍ حينما جلبتهُ لـعالمي." قصدت أليفِها الخاص بينما يلعب مع أوليڤ وهما يلهثان.

"وذاك الكلب الجالِس بعيدًا بـشموخٍ يُدعي 'دوق' ويُعني 'القائد' لأنهُ كـذلك بينهم، أكبرهُم، وأكثرهُم رزانة." أشارت بـسبابتِها للـداخل حيث يقبع مارًّا أنظاره بـالأنحاءِ.
فـرددَ إدوارد اسمهُ مبتسمًا بينما يُطالعه.

ثم انتقلت أماندا بـسبابتها مُعقبةً:"وتلك تُدعي'ليندا' وتُعني 'جميلة' لأنها ذو وجهٌ وعينان أخّاذة."

"لا أعلمُ كيف لـحيواناتٍ بريئة أن تتعرَض للـقساوةِ، ومواقفٍ خَطرة بـلا رحمة." أردفت بـخيبة علي قلوبِ البشر الشنيعةِ.

"وما يُعني اسم 'أوليڤ' إذًا؟" سألها إدوارد بعدما دوَّنَ، ودون مرور ثوانٍ أجابته:"تُعني 'رمز السلام'."
تعجّب من سرعتِها.

"إذًا.. كُل هذا يجبُ أن يُنشر بـحائطي. وذاك بعد سماحكِ بـالطبعِ." أردف بـهمةٍ بعدما خطَّ علامة الإنهاء علي ورقتهِ الأخيرة.

لـتقدمَ أماندا ساعديها علي الطاولةِ مُشبكةً أصابعها معًا لـتنُص قائلةً:
"موافقة، ولكن بـشرطٍ.."

"أن يتزوجا كلا من آكسل وأوليڤ، لأن آكسل بـموسمِ التزاوج، فـهو باشر في تخريبِ أثاث منزلي."

كَاردياك |𝒉.𝒔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن