الفصل الثالث

780 48 14
                                    

بغرفتها داخل جناحهما الخاص بالطابق الثالث تناثرت علب الألوان فوق الأرضية الباردة يجاورهم لوح رسم كبير خطت فوقه الألوان الدافئة ترسم غروب الشمس ممتزجًا ببرودة ألوان البحر، تلونت السماء بحمرة الشفق فتلاشى لونها وأنعكست خيوطها الحمراء على سطح البحر فأصبح كأنه غارقًا بدماءها... منذ ثلاث ساعات وهي على موضعها ملطخة ببقع الألوان، خصلاتها معقودة خلف أذنها بعشوائية بعضها متحرر يتراقص أمام عيناها...

زفرت بتعب تتمطأ بتكاسل وهي تقف من وضعيتها؛ كم تعشق الرسم فوق الأرضية غير مكترثة بمسند اللوحات الخشبي... تحركت بوهن تخرج للمطبخ الصغير بجناحها تحضر كوبًا من العصير البارد عله ينعشها قليلًا تاركة باب غرفتها مواربًا بينما سيف يقف بغرفة أخرى مستندًا فوق لوح ورقي أبيض كبير يتخلله خطوطًا بالقلم الرصاص لتصميم مركز تجاري جديد...

تسحبت الطفلتان بهدوء يندفعن لغرفة والديهما بحثًا عن رقية الرقيقة فتحركت خديجة ذات الخمس سنوات وعدة أشهر بإنبهار متسعة الأعين تجاه لوحة والدتها يتبعها خطوات متعثرة لأختها الأصغر... تصنمت خديجة أمام اللوحة تتطلع لأمتزاج الألوان بفضول من أعلى لتقترب حياة ترتمي بثقل جسدها فوق اللوحة فاردة كفيها تصفق عليها فأنطبعت الألوان على كفيها الصغيران وكلما تبدل مكان طرقها تداخلت الألوان طابعة ظل كفها في عدة أماكن متفرقة....

أتسعت أعين خديجة بصدمة شاهقة بخوف :

- إيه اللي عملتيه ده يا يويا ماما هتقتلك

رفعت حياة نظراتها لأختها بابتسامة تظهر عدد من أسنانها اللؤلؤية الصغيرة فأبتلعت الأخرى لعابها بوجل...

ولجت رقية للغرفة بين يداها كوبًا من عصير الموز بالحليب الطازج لتشهق بعنف وهي تلمح ساعات عملها الشاق أنسابت بلا أمل منفرطة أرضًا...
تطلعت بصدمة لصغيرتيها أحداهما تقف متجمدة والأخرى تبتسم لها ويداها ووجها أصبحا ملطخين بالألوان لتهمس بخفوت مندهش :

- أنتوا عملتوا إيه!!

رفعت خديجة كتفيها ثم تهدلا جوارها من جديد وضحكة حياة شقت السكون قبل أن تتوقف لاوية شفتيها تجهش بالبكاء مترقرقة حبات المياه بعيناها وهي تستمع لصوت والدتها الصارخ تشاركها البكاء...

صاحت رقية ببكاء تنادي زوجها :

- سيف ياا سيف تعالى

فور أن أستمع لصوتها الباكي ترك عمله جانبًا يهرول متتبعًا مصدر صوتها فتوقفت قدماه أمام غرفتهما يرى كتفيها يتحركان بنشيج البكاء وأمامها تقف خديجة جامدة بأعين متسعة بينما الصغيرة تجثو فوق اللوحة الموضوعة أرضًا ملطخة بالألوان الزيتية وعيناها تنساب منها دمعات تبكي بخوف..

هدر سيف برعب مرردًا بحروف قلقة :

- في إيه البنات جرالهم حاجة ؟

ألحان الحب "نوفيلا"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن