الفصل الثالث: المصنع المهجور

24 4 0
                                    

"من انفجر قلبها؛ ماوصفته من ألمٍ قبل موتها يشبه مابي كثيراً"

كان صباحاً ثقيلاً على أربعتهم، وهاهي ليلتهم أشد حلكة من لونها، لايرون شيئا سوى طريق طويلة جداً، ساعتين مرتا كالدهر، تداخل صوته مع صوت المحرك ليقول بنبرة عالية«سنمرّ على بوابة وستقود انتٓ السيارة فهمت؟».

كان ينظر لطلال من المرءاة وقد رأه يهز راسه موافقاً، ألتفت للتي بجانبه يغطي كامل جسدها حجاب أسود، شعرت بنظراته فأشاحت ببصرها للنافذة«وأنتِ عندما تري البوابة اصرخي واندبي فوالدتك متوفيه إن لم تقنعيهم فرصاصة ستخترق رأس ابنك من حيث لاتدري».

طأطات له راسها موافقة وغاصت بأعماق تلك الذكرى الاليمة؛ حين ماتت والدتها حقا وبسببها، انسابت دموع حارة أحرقت خديها الباردين واخرجت تنهيدة من بركان صدرها.

امسكت يد أخيها الذي شعرت بحركته في حضنها، قربته إليها أكثر وراحت تمسح على شعره متمنية ان يواصل نومه، فؤادها يرتجف ودموعها جفت، رجلها تؤلمها بشدة؛ ومشهد ركوبهم بالسيارة يعيده عقلها وكأنه متعمد زياده الوزر عليها، خروجها زاحفة من الغرفة ورؤيتها لوالدها يمسك طلالاً من شعره ويضرب ظهره برجله بينما يسير به للباب المفتوح، كان هذا عقب صراخ والدتها دفاعاً عن ابنها، أتتها نظراته المشتعلة ليصرخ بها«تعالي وذاك الحشرة وإلا أحضرتك بالقوة مثله».

وانتهى بهم الامر جميعاً بتلك السيارة القديمة وصوت محركها الذي يخرم الاذن.

توقفوا فجأة ليرتعش جسدها خوفاً، نظرت من النافذة لترى اضواء تلوح بالافق، فتح سراج بابه وترجّل من السيارة ليقول«انت أيها الفاشل تعال هنا».

نظرت لأخيها الذي هو بالكاد يتنفس هل سيستطيع النزول! تحرك فإذا بالألم يفتك بكل خلية في جسده، احتمل وقاوم فهو يعلم مصيره ان لم يأتِ بمفرده، شعر أن عضلات ظهره متجمده وهو يمزقها بحركته، وأخيراً وصل لتلك الجثة الضخمة وماصحى إلا وهو يحشر حشراً بكرسي السائق.

كان يحدّثه معلماً أياه كيف يقود ونبرته لم تخلو من القسوة ولاكلامه من الشتائم والتهديدات وبعد ان انهى حديثه، أخرج من صندوق السيارة الخلفي حقيبة ضخمة وكيساً متوسط العبوة، تقدّم نحو الباب الجانبي مخرجاً من الكيس غطاءاً وحشر الحقيبة به لتصبح قريبة من هيئة الدائرة، فثبتها على بطنه ومابث الهلع بهم هو إرتدائه لحجاب ونقاب هو الاخر! سُترت جثته الضخمه المليئة بندوب قديمة، وكان فعلاً كمرءاة حامل.

فتح الباب الخلفي ليجلس قرب جسد ابنته المرتجف وأخيها الذي استيقظ بالفعل«ستأتي بوابة بطريقنا كل ماعليكم فعله هو البكاء والصراخ لأن جدتكم متوفيه أما أنا فخالتكم التي اغمي عليها قبل الوصول، خطأ واحد وسافجر السيارة بكم».

كان كلامه كافياً لملأ اكنّتهم رعباً لما سيواجهونه.

قاوم تمزيق الالم له واستجمع رباط جأشه محاولاً تذكر كل كلمة قالها له والده ليوصلهم لتلك الاضواء بسلام، ضمه شعورٌ غريب ربما ذرات متعة أعدمها الخوف، هذه اول مرة له بالقيادة وماكانت مثالية، بل هو بالكاد يوازن السياره حيناً يضغط على المكابح دون انتباه فيأخذ توبيخاً ممن يجلس بالخلف وحيناً يسرع لدرجة مخيفة...

بينَ شفقٍ وقدرِهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن