الفصل السادس: وطنٌ نازِف

6 2 0
                                    

أحس بتجمّد سائل عروقه، تتناهى اصوات الصراخ والهتاف لمسامعه فزادت رهبته، تحققت مخاوفه فتيل الحرب اشتعل وستنفجر مدمرة الاخضر واليابس أين يذهب بأخويه وامه؟ أغلق الباب بعد اخذه للورقة من الرجل المُستعجِل الذي اكمل ركضه وطرقه على الابواب غير أبه بإستفسارات طلال.

انتبه لنظراتها الحائرة التي تكاد تخترقه ليختصر لها ما كُتب «سينقلبون ضد الرئيس».

توسعت حدقتيها غير مصدقة، لاأحد يستطيع قول حرف ضد الرئيس ومن يفكر بهذا سيشنق بميدان العاصمة كيف سيفعلونها! ومن هول ماسمعته نطقت دون تردد «لكن كيف! سيُشنقون جميعاً لااحد يستطيع الاختلاف مع الرئيس».

أغمض شمسيه ووصفت تنهيدته ما يُضرم بصدره مرّغ يمناه بغرّته ليرفعها عنه وقال بينما يخرج تنهيدة اخرى «لاأعلم أتمنى ان ينتهي كل شئ بسرعة، فإن بدأت الحرب فنحن ضحيتها».

«أنا مع الرئيس». قالها سراج بهدوء لزملائه الذين يتناقشون حول الحرب التي طرقت الابواب، ليجد من ملامحهم عدم الرضى عن كلامه حتى خاطبه رفيقه «كيف انتَ مع الرئيس؟ الشعب كله غاضب، ونصف الجيش أيضا، ألم تمل من معيشة الهم والفقر هذه؟».

«نحن أفضل من اغلب الدول العربية! أنظر لفلسطين سوريا العراق كلها اسوء حالا منا، لااحد يموت من الجوع هنا، رواتبنا تأتينا بالموعد رغم قلّتها، نعيش بسلام مادمنا لم نفتعل خطأ فلماذا ننقلب على النعمة؟».

قال سراج يشرح وجهة نظره ليرد عليه أحد زملائه «لسنا الاسوء ولسنا الافضل أيضا،ً ليبيا لديها من الثروات كم لايوصف ولم نرى منها شيئاً يأكلها الرئيس واولاده! الرئيس ظالم كل من افتعل خطأ ولو بسيطا يُشنق، محرومون من اغلب حقوقنا، الى متى؟ مرت أربعون عاماً ونحن تحت حيفه، مادام بإمكاننا الوصول للأفضل سنتقدم، وان كان ثمن الحرية أرواحنا سندفعها».

قام سراج من مجلسه بإنزعاج وقال ببعض الغضب «لن تعرفوا النعمة حتى تخسروها، وهل تظن ان بضع شباب طائشين يمكنهم هزيمة الرئيس رئيسنا يتحدى الدول العظمى علناً ولاصوت منهم! لأنهم يعلمون من هو معمّر القذافي وماهي قوته، إنكم حشرات امامه دهسكم سهل جداً عليه».

وذهب تاركاً صدى خطواته الغاضبة.

أسابيع مرّت ومااصعبها من اسابيع كل الالسنة تتحدث عن الحرب، تعالت أصوات المظاهرات وسرعانما تحوّلت من سلمية لهجومية، تدمّرت أغلب مباني العاصمة هرب أغلب سكانها، عدى قلة ممن لايمتلكون مالاً او مكاناً للجوء إليه كعائلة سراج.

إعتاد قلبها الخوف واعتادت مسامعها على صوت البارود المدوي واعتاد جسدها ان يطوى يضم زيداً بتلك الزاوية الباردة أسفل النافذة كلما على صوت البارود مبشراً أن النار اقتربت منهم.

هذه المرة مختلفة كان الصوت قريباً جداً تسمع صرخاتهم بل وتسمع كلما إخترقت رصاصة جسد أحد ابناء وطنها النازف الارض تهتز من تحتها تزامناً مع صوت الوحش، هذا مااسمته لتلك القذيفة المدمرة، أجفل ثلاثتهم ذلك الصوت العالي وكأن القذيفة اخترقت منزلهم! نهض طلال قائلاً «سأذهب لأرى الوضع أياكم والحراك».

بينَ شفقٍ وقدرِهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن