ذلك التوتر الذي يفتك بالأعصاب، قلق يعتصرك ويغصبك على غرس أطراف اصابعك بكفيك حتى تدمى، هذه كانت حالة طلال بينما يراقب ملامح كل من الطبيب ورائف الذين بدأى التحدّث باللغة الإنجليزية التي لايفهمها، وقد بدأها رائف حيث قال للطبيب كلمات ما إن راى خبر السوء من ملامحه.
يصارع نفسه ليتكلم ليقول أنطقى بما افهمه فمن تتحدثى عنها أمي، يشتم ذاته داخلياً بأبشع الالفاظ ولم يجد منها سوى السكون، خوف أو ربما خجل، هو فقط كره نفسه.
وبعد زمن مر عليه كما الدهر، وقف رائف شاكراً الطبيب بلغة فهمها طلال، ثم أشار لمن حُرقت أعصابه وهو ينتظر ان يلحق به.
الطريق من مكتب الطبيب النفسي لحديقة المشفى راها طلال كنهاية الارض وهو ببدايتها، وأخيراً نطق وهما يمشيان «مابها أمي!!».
ليرد عليه مرافقه بابتسامة بالكاد صنعها ليشعره بالاطمئنان «لاشئ خطير لاتقلق سأخبرك بعد ان نصل».
أخذه للحديقة التي وضعت عليها الحرب علاماتها كما كل شئ بالبلاد، ذبول وبهوت كسيا عشبها وهالة شحوب تحيطها وكأن كراسيها والطاولات وكل مابها عابس، أجلسه على طاولة لدائنية بيضاء أحاطتها كراس بنفس نوعها وبضع جلسات تماثلها توزعت حول الكافيتيريا المغلقة لظروف البلاد، أحس بثقل الهواء حينما أستنشقه يشحذ قوته لإعلام الشاب الضعيف بمصيبته أغمض عينيه لوهلة وقال بتوتر حاول اخفائه «أنظر!! سأسئلك بضع اسئلة اتمنى ان تجيبني عليها بصدق، ولاتقلق والدتك يمكن علاجها».
هز الجالس امامه رأسه وكسته كل تعابير الرعب ليقول له «أولاً ماهي ظروف والدتك بالضبط! ممن كل هذه الاعتدائات؟».
_«والدي».
_«منذ متى وهو يعتدي عليها هكذا؟ وأين هو حالياً».
_«أكثر من 21عاماً، لاأعلم ذهب منذ بداية الحرب أعتقد أنه يحارب فهو جندي».
_«صف لي حالتها بالمنزل ومتى ظهرت عليها أعراض المرض».
_«طبيعية لاشئ بها حتى ذهبنا لمكان مهجور مرغمين تبدّل حالها وصارت معرضة عن الاكل بالكاد تخرج من فراشها تأتيها حالة إرتجاف يليه إغماء وهلوسات بوعيها لاأفهم منها شيئاً حرارتها غير متزنة وبالأيام الاخيرة لم تعد تبالي بشئ وان تعرضنا لقصف فلن يرف لها جفن».
_«ماذا حدث بالمكان المهجور؟».
_«لاشئ لم يحدث شئ ذهبنا وعدنا دون ان نتعرض لأذى غير اعتيادي».مسح رائف وجهه مروراً بشعره ليرفعه ثم اعاد نظره لطلال قائلاً
_«الطبيب إشتبه حالة والدتك بـPTSD أي مرض مابعد الصدمة، ومازدته انت يقارب أعراض هذا المرض، حيث أن والدتك تسجن بخوف جرّاء تكرر حادث الصدمة لها فيسبب لها إنتكاسات من إغماء ونوبات هلع فتميل للإنعزال وبعد فترة تصارع بها المرض تفقد المبالاة والرغبة بالحياة أي تصاب بالإكتئاب من الدرجة الثانية، الطبيب إشتبه به بسبب اثار الاعتداء على جسدها بطريقة بشعة جداً، ماقلته سيعدل استنتاجه فهو ظن أن تعرضها للإعتداء هو ماسبب لها الصدمة».
أنت تقرأ
بينَ شفقٍ وقدرِها
Acakقلبٌ ميّت وروح تحتضر، هذا كل مايحتويه كيانها المحطم، تنتظر ان يرأف بها القدر بعد ان أدهقَها خذلاناً، فهل ستحصل على بصيص أملٍ تواصل به التنفس؟