بغرفةٍ حالكة الظلام، لامنفس للنور بها سوى ومضات حمراء اتت من جهاز وُصل بيدٍها الهزيلة الباردة تتدلى من السرير، فتح الباب ليصدر أزيزاً خافتاً ومسربا الضوء الذي سُلط على سرير أبيض محاط بالأجهزة الموصولة بجسدها الذي ماثل أوراق الخريف بهشاشته ورقّه.
دخل ببطء يجر ثقل رجليه وكأن همومه تكدّست بهما، ما إن وصلها ووضُح حالها له سقط جاثياً لاثماً يدها بدموع تنسلّ غصباً، وقال بنبرة الباكي
«أسف، لم أكن الإبن الذي تستحقينه يوماً، لم أكن سوى جبان يختبئ خلف إمرأة باعت عمرها لأجله، دائماً ماأضعك بوجهه وكأنك خُلقت لهذا وكأنك جبل صخر صلب لايهتز، لم أنتبه أنك تتألمين، انك بشر مثلي وتشعرين بما أشعره تماماً، حتى دفعت الثمن غالياً، سامحيني لأنني رجل لايمد للرجولة بغير جسده، دموعي أقرب من كلماتي، أخاف من مواجهة الرجال ولو بحديث أشرح به حاجتي أتلعثم كمرأة خجولة، لاأئنب غيرك، لاأعلم كيف سأحتمل كل هذا العبئ وانا دجاجة بجسد رجل».
وجراء التعب الذي أكل كل جزء به ليستند برأسه على السرير وبرد يدها لازال بيده، أسدل جفنيه وبواقي دموعه دنت تدفئ حواف عينيه.
فُتح الباب الخشبي بعد طرقات أُجيبت بالدخول، طالع بإبتسامة الجالسة على السرير تداعب شعر الصغير النائم استحياءاً «طلال نام بغرفة والدتك، وأنا سأذهب للمبيت بمنزلي واتي بالصباح ألديك هاتف تتصلين علي به ان احتجت شيئاً؟».
هزت رأسها مجيبة بالنفي على سؤاله، ليقول ببعض الحيرة «طلال أليس لديه هاتف؟ أو والدتك».
تذكرت هاتف والدتها الذي خبئته بحقيبة حوت بعض الثياب لوالدتها ولزيد، هزت رأسها بالإيجاب ووقفت متوترة من نظراته المبتسمة، أخرجت هاتفاً قديم الطراز بلا غطاء ثبتت بطاريته برباط للشعر ليقول لها «سجلي عندك09...».
إستوقفته بإشارة من يدها، فعلا الاستغراب ملامحه ليأتيه همسها المتلعثم «لاأعرف كيف ادخل الارقام».
إحتفظ بتعجبه من جهلها دون فتيات جيلها وأقترب مستمتعاً بفرار عينيها منه وتوترها الظاهر، مدّت له الهاتف ليتعمد لمس يدها ملتقطاً الهاتف منها مما جعلها تعيدها لنفسها بسرعة تفرك اصابعها بكفها من الخجل، كتب لها الرقم وقال ممازحاً «إقتربي لن أكلك تعالي لأريك كيف تستعملينه لتتصلي بي».
رغبت بالرفض وقول انها لن تحتاجه فأخوها موجود ولكنها وكعادتها أثرت الاذعان له على ان يسمع تلعثمها اكثر، إقتربت خطوة واحدة ليزيدها هو بأخرى مما جعلها ترى الهاتف بوضوح شرح لها كيف تتصل به مع بعض التعليمات الاخرى ليطيل محادثة من طرف واحد فهي تجيبه مكتفية بهز رأسها، أنهى تعليماته ليستئذن منها الخروج وقبل ان يعبر الباب قال لها بابتسامته التي لم تفارق ثغره مذ دخوله «صوتك جميل جداً، إستمتعت بالإستماع لغنائك يومها، أتمنى ان لاتبخلي علي به في المرة القادمة».
أنت تقرأ
بينَ شفقٍ وقدرِها
Acakقلبٌ ميّت وروح تحتضر، هذا كل مايحتويه كيانها المحطم، تنتظر ان يرأف بها القدر بعد ان أدهقَها خذلاناً، فهل ستحصل على بصيص أملٍ تواصل به التنفس؟