أياما هنيئة عشناها معا..اكتشفت فيها جانبها الدافئ الحنون، كانت ترويلي كل مساء ذكرياتها ومغامراتها..قصص البنات وعشقهن حكاية أول حب لها بالجامعة وكيف تزوجت وتركتها، قصة نسرين التي تعشق ابنت خالتها سهى. ..كانت هي من رأيت تحت شجرة البلوط ذلك المساء، أحداث وحكايات كثيرة عاشتها وكأنها عاشت قرن من الزمان،
في حين أني كنت أظن طيلة عمري أني المثلية الوحيدة في هذا البلد، بلا تجارب ولا خبرة..ولا أية قصص وحكايا...كل قصص عشقي عشتها في مخيلتي..منذ حبي الطفولي هناء، دائما من طرف واحد ، ولا أجرؤ أبدا على اتخاذ أية خطوة.
أصبحت أميرة كثير المكوث بالقصر ولا تسافر للعاصمة إلا للضرورة ولا تضل أطول من ثلاثة أيام، إلى أن حدث وتلقت اتصالا من الشركة..هناك بعض المشاكل في العمل، غريمتها لبنى قد عقدت صفقات مشبوهة قد تؤدي لنتائج كارثية،
- هيا بسرعة فجر ،قالت، يجب أن نسافر ..كنت أعرف أن تلك الحقيرة ستفسد كل شيئ...قد يطول سفري لابد أن تكوني معي..
انتقلت رفقتها إلى العاصمة..كانت تقيم في منزل كبير تتقاسمه مع نسرين وسهى، اضطررت لتحمل وقاحتها منذ أول يوم..أميرة أحضرت معك المربية ؟ لمذا ؟..وأين إيميلي؟
- فجر لم تعد مربية، نسرين ..إنها حبيبتي أرجو أن تعامليها على هذا الأساس.
ضحكت بسخرية...ونظرت لهيئتي البسيطة من أعلى إلى أسفل.
كنت أحاول تفاديها طيلة إقامتي، فعموما لم أكن أراها إلا في المساء، ليعود الوسواس إلى قلبي، نظراتها لأميرة، حركاتها المستفزة، أحيانا ألاحظ أنهما يتهامسان .. يتشاجران.. ما أثلج صدري أن رأيتها وسهى في أوضاع حميمة ..لكن الشك ينخر دماغي.
رأيتها وسهى في أوضاع حميمة ..لكن الشك يأكل دماغي.
خرجنا للسهر ككل ليلة أربعتنا، كنا نتناول طعام العشاء، عندما لمحنا لبنى تجلس مع مجموعة فتيات في الجانب الآخر، ..توترت أميرة وقالت أووف تلك الحقيرة لن تهنأ حتى توصلنا للإفلاس..إنها تفسد كل شيئ.
ردت نسرين كان عليك أن تنهي شراكتنا معها بمجرد انتهاء علاقتكما ..يجب أن ننقد أسهمنا منها ونشتريها بأي ثمن..
- أنت و لبنى كانت بينكما علاقة؟ لم تخبريني بذلك حبيبي.
-اوو انها قصة قديمة ....لم تدم طويلا لم تكن تجربة تستحق الذكر . ..لقد تعرفت عليها بعد شراءها لأسهم في شركتنا ..الآن نحن مجبرين على تحملها إلى أن تقبل البيع...
لم أشأ الرد، لاسيما أمام تلك الحقيرة لذلك تحججت بالحمام لأستعيد البعض من هدوئي، لكن ذلك لم يحدث.
فوجها لوجه تصادفت مع لبنى في المدخل...بادرتني الكلام بكل جرأة، مرحبا إذن أنت عشيقتها الجديدة؟ ...أصبحت تجمعكن كالجواري حولها الآن؟
- ماذا تقصدين؟
- أنت ونسرين ...ألم تحضر عشيقتها السرية من القصر أيضا؟..لا أظن أنك لا لم تتعرفي عليها ..تقيمان منذ أشهر معا على ما أظن.
كعمود انارة قطع عنه التيار ..تركتني واقفة وانصرفت...خرجت مباشرة من النادي ..لم أكن أدري ما أفعل ..أردت الابتعاد فحسب..ماهذا العالم الذي تورطت فيه.
في المنعرج قبل أن أستقل سيارة أجرة أمسكت ذراعي بقوة ..ماذا أنت فاعلة..كيف تغادرين بهذه الطريقة؟
ولأول مرة منذ زمن انفجرت الدموع من عيناي...لم أستطع الكلام كنت أبكي بحرقة...وكأني أبكي على كل ما فات..على وفاة والداي..على قهر زوجة خالي..على وفاة هناء..على معاناتي في الدار...لم أكن أبكي عليها ..كنت أبكي على نفسي.
غمرتني في حضنها..أرجوكي لا تفعلي هذا...نسرين تهذي..سأنسرين تهذي .هي كانت مجرد خطأ بالنسبة لي .كنت ثملة وهي استغلت الوضع هذا كل شي .هي مرتبطة الآن لكن صدقيني تغار منك ولا تريد لنا العيش بفرح..صدقيني فجر أنا أعاني كثيرا ..أنا لست كما تظنين ...يجب أن تثقي بي...تعالي سنعود للقصر.
لم نتفوه بكلمة ..طيلة الطريق كنت في حالة من الهذيان ..أريد فقط أن أستفيق من الكابوس الذي أعيش فيه..ليلة عصيبة لم يؤذن فيها للفجر أن ينبزغ.
عندما لاح لي القصر من بعيد ..عدت للبكاء من جديد لم أستطع التوقف...ثارت أعصابها .لمذا لا تصدقيني ..لمذا لا تثقين بي؟
-أثق بمذا ..لم ترحمي قلبي البريء الذي أحبك بعمق.. خائنة كاذبة ..علاقتك مع نسرين انفضحت..ثم من تخفين في القصر ..أية عشيقة تتسترين عليها هنا؟ من تكون ؟
امتقع وجهها واصفر كمن رأى شبحا..صرخت ...تريدين معرفة من تكون ..حسنا سأريك من تكون، أوقفت السيارة وشدتني من يدي حتى خلت أنها ستقتلع..صعدت الدرج تضرب الأرض بقدميها بقوة، وكمن دخل في نوبة جنون كانت تردد متشابهون ككلكم..لا ترون إلا القشور...تريدين رؤيتها سترينها هنا.
توقفت في أعلى القصر عند باب غرفة مغلقة، وبدأت تصرخ منادية الخادمة..صوفيا ..صوفيااا أحضري المفتاح.. افتحي الباب.
أسرعت صوفيا قادمة من غرفة قريبة.. لكن سيدتي..
-افتحي...
فتحت صوفيا الباب وهي تقول أرجو أن تكونا حذرتين..تكون مضطربة في هذا الوقت ويصعب تهدئتها.
فتح الباب ليكشف عن فتاة ..تتكور على نفسها بجانب النافدة..شعرها طويل ومفرود...وجهها شاحب ..تدمدم ابني ابني ابني ابني.
هاهي عشيقتي ...هل رأيتها الآن ؟
لتنتبه المرأة على صوتها...اسرعت لاحتضانها ..حبيبي حبيبي. حبيبي.....ليعلو صوتها ويتحول لصراخ..ابنييي سأقتلك ابنييي.لااا....
كانت تنشب أظافرها في صدر أميرة وتضربها بقوة، لم تتمكن من السيطرة عليها إلا بمساعدة الخادمة ليغلق الباب عليها من جديد. وتنفجر أميرة بالبكاء..لم يسبق لي قط أن رأيت لها دمعة ...لطالما عرفت كيف تخفي حزنها الدفين وضعفها ومرارة عيشها خلف شخصية صلبة واستفزازية..لم تقبل يوما ان تبدو ضعيفة امام أحد.
حسنا فجر هذه هي ملك...هذه هي وجع قلبي....تعرفت عليها مند عشر سنوات ..عشنا قصة حب جميلة وعميقة...لم يعكر صفوها شيئ .. اضطرت بعدها للزواج، إرضاء لمجتمع لم يفكر يوما أن يرضينا، لم نقوى على الابتعاد كنا نلتقي سرا لنأخذ بعض الجرعات من الحب..لكن القدر لم ينصفنا..زوجها كان يشك أنها على علاقة برجل آخر، ظل يراقبنا إلى أن اكتشف كل شيئ..كانت فضيحة كبيرة بالأسرة..تنكر لها الجميع.....طلقت وأخد ابنها الوحيد..حتى أسرتها لم تحتوي ضعفها..طردت بفضيحة كبيرة لم تقوى على تحملها، أدمنت المهدئات إلى أن أتلفت أعصابها...لم أقبل بمكوثها في المستشفى، هناك كانت تعذب كثيرا ..كان يربطونها و يستعملون العنف في الأغلب لكبح جماحها..انها خطيرة جدا كما رأيت..تدخل في نوبات هستيريا ..تحطم كل شيئ وترغب في اضرام النار في الجميع، لقد حاولت الانتحار أكثر من مرة..أخرجتها من المستشفى مند خمس سنوات...هنا تتلقى العلاج والرعاية..لكن لا أمل من شفائها ..أتعذب كثيرا لرؤيتها هكذا ...أنا أعاني كثيرا كل شيئ ضدي في هذه الحياة ..ألا يريد القدر انصافي أبدا ......ألا يحق لقلبي أن يدق من جديد.
لم يغمض لي جفن طيلة الليل...لم يعد عقلي قادر على استيعاب الأمور، مع بزوغ الفجر ..حملت حقيبتي ورحلت...
...يتبع