وهكذا تمت خطبتي لكريم، الرجل الذي سيحميني من غدر الزمن ، علمت أنه الولد الوحيد لوالديه وله أربع اخوات بنات، درس العلوم الدينية في مسجد المدينة، وعين كمدرس وواعظ للبنات في الدار مقابل منحة يستعين بها على قضاء حوائجه، ومرت ايام نحضر فيها لزواجنا وسفرنا، على الاغلب سأنتقل للعيش مع أسرته إلا أن يحين موعد الرحيل.
لطالما كان كريم يردد أنت فتاة طيبة فجر..انت تستحقين أن تطمحي للاستقرار في حياتك.
-وإلى ماذا تطمح أنت؟ أجبته
- أنا لا أطمح لشيئ أنا أرضا بما يقدره الله لي.
- كلنا راضين لكن كيف ترى مستقبلك بعد سنوات؟
-اااه ..سوف نستغل المال الذي تركه عمك، لا بد من ادارته جيدا، سأعمل في التجارة، سأكون تاجرا هاما وناجحا، ربما سأعمل في الاستيراد أيضا. سنرى أين يوصلنا القدر..سيكون لنا بيت كبير...انت لن تضطري للعمل في التعليم حينها، وإن كان التعليم مهنة ملائمة للمرأة، لكننا سنرتاح ماديا ولن تضطري ابدا للتعب والعمل.
..سأكون ..سأكون..سأكون طموحات فردية لا صورة لي فيها، قلتها في سري وتذكرت أميرة، في كل مرة أسألها عن طموحاتها كانت تجيب "أن نكون أسرة سعيدة معا أنا وانت وايمي ..فقط مجتمعين معا ولا يعكر صفونا شيئ..لا يهم أين .ولا يهم كيف..فقط مجتمعين"..أتساءل كيف أضحت الآن ..هل تعيش مرتاحة ..لابد أنها تحيا قصة حب جديدة.
استفقت من غياهب ذاكرتي لألاحظ شريك حياتي المرتقب، يرتب أوراقه بسرعة، مسرع في كل شيء في عمله،في كلامه في حركته، وكأنه انسان آلي، لطالما علمت أنني لن أحب يوما رجلا، لم يسبق أن دق قلبي لرجل ولا حتى استهويته، لكني لا أمقت الرجال، لا أحقد عليهم، أنا فقط لا أشعر اتجاههم بأي شيء.
- مالأمر..لمذا تنظرين إلي بهذا الشكل.
- كنت اتساءل عن عائلة آل نعمان، هل وجدوا مربية جديدة للصغيرة يا ترى ؟
- اه تسألين عنهم.. في حين أنهم طردوك بلا أي رحمة.
-كلا لم أطرد ..لقد تخليت عن العمل بإرادتي لأسباب خاصة.
-أردت ان تقولي أنك توقفت عن عمل براتب جيد في قصر فخم مقابل العودة لدار الرعاية بإرادتك.. وضحك باستهزاء.
-لمذا تأخد الأمور بهذه السطحية؟
-أنا لست سطحي أنا فقط أتكلم بوعي لا احب تلوين الحقائق..أنا رجل عنيد واحب الصراحة.
- وانا متعبة قليلا وأريد العودة لغرفتي.
-لا بأس، سأغادر على كل حال ..
كنت أنتظر اعتدارا،... لكنه بارد مثل الثلج، بليد وسطحي، شعرت بالاختناق، خرجت من مكتب المدرسة، ورحت لأتمشى قليلا فأنا لم أكن متعبة بقدر ما كنت مرهقة القلب والتفكير، وإن كنت واثقة أني لن أحبه منذ البداية، لكن أضحيت الآن أشك في قدرتي على احتماله، على الأرجح لن أتمكن من الكذب على نفسي أكثر.
وبينما أنا غارقة في التفكير، صادفت صوفيا على جانب الطريق.
- أهلا آنسة فجر كيف حالك؟..لم أكن اعلم انك تقيمين هنا.
- بخير ...كيف حالك؟.
-لقد انتقلت أخيرا للعمل هنا بقصر عائلة السيد فاضل، مرت مدة طويلة وانا انتقل من بيت إلى بيت، فلم يكن الراتب مجديا في كل مرة، منذ انتقالنا من قصر آل نعمان لم نجد راحتنا في أي مكان آخر.
...انتقلتم..؟
- السيدة أميرة أمرت بتسريحنا كلنا،... أوووو ..حسنا فعلتي فجر إذ غادرتي قبل وقوع الفاجعة بأيام قليلة، لقد حماك الله إذ اخرجك بسلام، فنحن لم يعد لنا عمل هناك منذ وفاة السيدة ملك، ومغادرة الصغيرة لبيت خالتها.
-....وفاة من ..انت.. ماذا تقولين؟
- ألم تسمعي الخبر، تناقلته الألسن في كل مكان، حتى الجرائد كتبت عن الخبر..اوووف عزيزتي كانت ليلة عصيبة علينا، قمت بإخراج ملك لتتمشى في القصر ككل ليلة، فالسيدة تأمرني أن اعطيها بعض الحرية أذا ما كانت حالتها تسمح بذلك، كانت تسير بهدوء وفجأة عادت لنوبة اضطرابها، لم نتمكن من كبح جماحها، جن جنونها بالكامل أصبحت كثور هائج، تملصت من ذراعي السيدة أميرة وفي لحظت واحدة ..رمت نفسها من الشباك.
-يا إلهي...وأميرة...
- لقد تعرضت السيدة لصدمة قوية، أمرتنا بالمغادرة جميعا وأرسلت الصغيرة لبيت خالتها، لم تتكلم من يومها..يقال أنها أصبحت خرساء، أعتقد ان روح ملك لبستها، ستجن مثلها لا محالة،..اعتذر صغيرتي يجب ان أعود لعملي لقد تأخرت.
يا إلهي ..حبيبتي أميرة ...
...يتبع
![](https://img.wattpad.com/cover/243637310-288-k131882.jpg)