الفصل الثاني والعشرين... حديث برعاية الأمس
ولكنه لم يكتمل...
.....
"إني أُحبكَ رغم أنف قبيلتي ومدينتي وسلاسل العادات، لكني أخشى إذا بِعتُ الجميعَ تبيعَني فأعودُ بالخيبات"...... " محمود درويش"كلمات درات في العقل، عندما نظرت شكران للسماء وتذكرت خطيبها المفقود الغائب الحاضر، عيون معلقة على ذكريات قليلة ولكنها ثمنية ، يرغم حاله علي أشياء لا يرتضياها جلست، وعزمت الأمر للذهاب لوالدها، فدخلت مكتبه بهدؤء : فاضي نتكلم يا بابا
ابتسم أشار لها بالجلوس، وجلست برهة، ليعلم ان بها خطب ما، فيغلق أوراقه ويقول : حبيبة بأبا مالها
اخفضت وجهها ومالت خصلات شعرها السوداء، فرفعتها قائلة : محتاجة اتكلم معاك...
تفهم وقال بشيء من الفراسة لملامح وجهها ونظراتها على خاتم الخطبة : في حاجة مع خطبيك
ترددت، فربت على يدها وضمها قائلا : قولي
قالت بهدؤء وشيء من الحزن : هو كويس ومحترم وكل حاجة بس مش ليا، هو اي حاجة جميلة بس معايا
ضاقت عيناه وقال : عاملك وحش
هزت رأسها بالنفي، فقال : قول بصراحة... كل حاجة محتاج افهمك اكتر... عشان اخد قرار معاكي أو ضددك
نطقتها بقوة وكأنها تخرج أثقال من قلبها : مغصوب يابابا
غضبت ملامحه قائلا : اتاكدتي أن حد غصبه... فهمني
نفت قائلة : لا عائلته ناس محترمة، ومحدش غصبه عليا ولا هيغصبه على غيري، ولكن هو اللي غاصب نفسه، من اول يوم ونظرة انا حسيته تايه واديته فرصة واديت لنفسي، بس لو طولت هغرق، وانا حابة الشط، احنا بالنسبة ليه كلنا بنات او ستات حلوين أو وحشين، كلهم مجرد ناس، الا هي.. إلا سيرتها حتي لو بصغية غير مباشرة... هو لسا بيحبها يابابا، و غاصب نفسه علي الحياة كلها، وأنه قوى علي مشاعره، عارف لو لقي خيط واحد في المية، ان اللي حصل كدب وان في حقيقة تانية، هيمشي وراه وهينسي كل اللي اتقال وسمعه... وهيعيش عشانها حتي لو ماتت... انا مش جاية عشان اغيره لأن محدش بيغير البشر، ولا انافسها هي مش موجودة.. ومحدش ليه مكان غيرها، انا فعلا غيرت منها وحسيت أن محتاجة حد يحبني كدا حتي لو غلطت أو بعدت أو اذيته... أو غيره، بس مش هو ولا انا...تركها لبرهة، وفكر وهو يسبح بمحسبته ووقف قائلا : تحبي ابعت الدهب لأهله... أمتي
تقدمت أمامه قائلة برجاء : بستاذنك اقعد لآخر مرة، حابة الانفصال يكون بشكل هادي ومن غير اسالة...
قبل رأسها قائلا : خير خير ياحبيبتي...
........ هزت رأسها وقبلت يده شاكرة له..، وخرجت لغرفتها وأغلقت الغرفة، وشعرت برغبة بالانهيار، فالخطبة وعد وهو حطم أحلامها في كل لحظة وفي أول لقاء وحتي في الاحتفال بهذا الوعد......
....................................................
ألم تخللها، ألم مضاعف وبرد قارس دب في جسدها وبدأ في التزايد، اخذت تتلوى وتضم حالها ولكن الألم في تزايد، صرخت، وصراخ صراخها، وزاد معدل التعرق وحرارة جسدها، صراخ آخر متزايد، الخطب جلل، مع المزيادة، أكد الصغير بضرباته القاسية، انه ألم المخاض، سألت الدماء، وزدات، وزاد البكاء و التوجع، وضعت يدها أمام قلبها، تحاول التنفس غير قادرة غير مستطيعة، عيون تبكي وقلب يصرخ وصوت مضاعف من نهاية الأمر وبداية وصول الصغير الي هلاكهم ولسان " لا لا، يارب"... ومع زيادة الصوت الذي جاب القصر بأكمله، أبلغ الخدم والحراسة ابيها، قبيل النهاية وتضاعف الآلام سمح لهم بالدخول لمساعدتها وبعد دقائق، كان الصياح الأخير لها الما، وكان البكاء الأول للصفير مستقبلا الحياة......، وقبل أن تمس صغيرها، وتقترب منه بعد أشهر من العذاب والاتهام والقسو عليها، وأحيانا التعرض لها بالضرب، وتقيدها، أشهر في حجرة مظلمة باردة، بعيدة كل البعد عن الآدمية والحياة، ثياب أصبحت رثة متسخة، وجسد متهالك، نحيف فوق نحافته السابقة، ولكن قبل أن تستقبله خطف من يدها من قبله، قائلا : برضو مش هتقولي مين ابوه
بكت بكاء مرير، متذذل وقالت : والله العظيم ابوه تامر، والله العظيم هو ابوه...
اخذ الصغير، وخرج قائلا : اليوم نهايتكم يا رحيق، هاتوها....
ولحظات قبل ياخذها الحراس وهي تجر أرضا لعدم قدرتها على الحراك ؤمع تواسلات الأم ولكن لا فائدة، ورجاء الأخت لمنعه صارخة باكية، ولكن لا جدوي... فجلست الاثتنين تبكيان بمرارة... والاخري صامتة، تتنفس بتعب والدموع تنهمر منها.... بغزارة وقسوة تلؤم حالها، تطعن قلبها ندما بالحلم الوردي، سم فتك بهآ والم مزقها وزاد عليها، صحراء جرداء أبصرت، وحفرة حفرت، ورجال حولها، تنفس بطئ منها، عندما القها الرجال أرضا تحت أمره ونظره قائلا بتشفي : تحبي مين يموت الأول.. انتي ولا هو
نكسنت رأسها عند قدمه قائلة بتذلل : ابوس رجلك، سبيه يعيش اعملي اللي تعمله فيا، اقتلني، ادبحني بأي طريقة تعجبك... لكن إياك تاذيه، ابوس رجلك
رفض، وابعدها عنه بعنف، فجرح وجهها فنزف، وقال : زى ما قتلتني بالحيا، هقتلك بالحياة.
شعرت بالنبض يتوقف، ولكنه صرخت فزعة راجية عندما قال : حطوا الولد في الحفرة ارموه
فصرخت بلا، ولكن أكمل : وارموها وراه... يالا...
ضمت صغيرها رغم الألم ولكن تجمدت وكادت تهرع عندما وجدت التراب الساخن يلقي عليها وعلي صغيرها، شعرت بنهايتهم اقتربت وأصبحت في متن دقائق قليلة، دمعت عيونها وقالت بدعاء : يارب، انت عالم ولم تستطع الأكمال من فرط ما أصابها، فرددت متالمة وجسدها يرتعش وهي تنظر للصغير الباكي في خوف باكية : حسبي الله ونعم الوكيل.. حسبي الله ونعم الوكيل...
ومن سؤء الأقدار، شعرت بدماء تتدفق، كنزيف منها، أخذت أنفاسها بصعوبة بالغة، ولكن لم تستطيع، سقطت ومال رأسها بجوار طفلها الباكي وهم يكملوا عملهم.... تبدو كما تبدو، فالحياة لم تكن يوما لابرياء.......................................
..................
تعجب من عائلته، وحالة من السؤء والغضب، خوف مضاعف، خرج معافي، ويجدوه في حالة خطيرة في مشفي وحالته سيئة ضربات تخللت جسده، سببت له كسور وكدمات بلغية... حالته بعد السؤء أضحت مستقرة.... تنفست الأم بهدؤء عندما طمانهم الطبيب وسؤال دار بعقولهم، ماذا حدث واين كان ومن فعلها، فبرر حسين قائلا : ممكن حرامية، ولاد حرام
ردت عائشة بعفوية : حاجته كلها سليمة
نظر لها شرزا، وقال والدها : مراتك عندها حق، خير خير لما يفوق هنعرف فين.....
.... حضورها دائما مميز وغيابها كان مفجع، غادرت منذ سنوات وعادت فجأة، مازالت تحتفظ بكل البريق والجمال، مازال الشعر الأحمر الساطع التي تميزت به مشرفا، مازالت عيونها البنية قوية وذات مخلاب، هي صبلة لا تلين، لحظات جمعت آخر لقاء بينهم منذ أكثر من عشرين عاما، عيون نادمة ومتشاقة، افتقدت كانت هو، اما هي كانت قوية ذات باس، رغم الصمت هناك احتراق وفقد.... مافرقهم الأمس، جمعهم اليوم، صهيب خليق قصة حكم عليها بالفشل، ذاق مرارة فقدهم دفعة واحدة، ولم يقبل ولن يقبل برجوع أحدهم، شعور النبذ والرفض كان قاسي، هذا الحطام الذي تكون منهم، لا يغفر ولا ينسي....
نظرات تحولت للعتاب، خروج حسان من أحد الأركان مهزوما اقلقها، حتي اقتربت وقالت : حسان اي اللي حصل وصهيب فين.... ابني فين...
نظرت ياس وحزن خيمت علي وجهه، وهو يهزا راسه مقهور، يكاد الدمع يغلبه : معرفش...
.........، جلوس أشبه بالسقوط على أقرب مقعد بألم........ تذكرت وهي تنظر ليدها وتري الاسورة الأخيرة منه، ومن حينها لم يدوم لهم لقاء ولم يأتي وقته، في عيد ميلادها استقيظ باكرا، وهيئ زئه... وارتدها وجعل نفسه أنيق، واحضر الهدية في جيب بنطاله، وخرج وهو ينوى أن يصنع لها مفاجأة، فهو يعلم أنها حزينة من والده وأنه لن يأتي اليوم حتي لو طلب منه، وطلب من الخدم بتجهيز مكان معه في الحديقة بالورود.... والإضاءة الجذابة، وصعد لغرفتها يلهو حتي مقترب الغروب، فقام بلعب لعبة الاختفاء معها وركض الي الحديقة وهي خلفه تضحك باسمة، قائلة إنها سوف تجده.... وخدعها وتوقفت أمام مفاجته، وابتسمت بسعادة، وتعالت دقات قلبها، ونظرت خلفها لتجده واقفا مبتسماً ويقدم لها هديته بشكل كلاسيكي مثل الكبار، بانحناء وابتسامة، وفتحها والتقطاتها بسعادة وساعدها في ارتدائها، وضمت إليها بحبور وحب قائلة بحب : الراجل الصغنن بتاعي.....
ابتسم قائلا : يعني عجبتك....
اومات له بحب نهي تمسح وجهه بحب وسعادة وقال بعفوية : هنفضل مع بعض حتي لو بابا مش معنا
قالت ولم تصدق : وعد هنفضل دائما...
واليوم تبقوا جميعآ الا هو، هو من بقي وحيدا، هو من تعذب من استوحش الحياة هو من كره الهواء، وخنقته الذكريات، كبلته المعاناة واحرقه الفراق، واحاط به الشوك....
................................
غادرت قمر وسافرت الي قبرص... ومازالت تراسل وليد من كل فترة أخري، وحتي في الرسائل، أصبح يشرب طباعها، وأثر وفاة والدته اختفي تدريجياً، اما هو لم يحزن كثيرا، هي ستغادر وتعود، هي من اردات هذا، اردات الرحيل، ان ترمم بقايا قمر، ان تزيد من القوة أو تضع لها حدا... يعلم جيدا فكرة ان قوتان شبيهتان لا يستقيما علي خط ولا علي نهج، ان كانت حياتهم بالاتفاق، سوف تكون مع الوقت مملة، لا يوجد مشاعر، وفهو غير معترف بشيء مثل هذا، وحتي أن بلغ ما بلغ بينهم من حياة وقدر وقيمة وأيام وذكريات سوف يظل كما هو جامدا، لا تعتمد تصرفاته وأحكامه على جزء يقع في اقصي اليسار، عيون تتلقي علي طفله المولع بركوب الخيل، الذي يركض بفرسه بسرعة تبدو عالية، ويتذكر الغائبة وهي رعيان شبابها تقيم السباق وتركض في الأجواء والصحراء والواديان... ربما لم يحن يوما اللقاء ولكن له وقت، تضع فيه كل الكلمات وجودها... يتذكر بعض الذكريات السابقة، يتذكر الحلفة التي أقيمت وثقتها بنفسها بين المدعوين، رغم وجود أخري بجوارها لم تننظره لترافقه، ولا حتي تبادل معه نظرة استياء مع المزاح والحديث الدائر معها ومعه وبين الآخرين، جلوس هادي ونشرةب بارد، وحديث مع المدعوين، ولا التفات لهم.... حتي حاولت زوجته السابقة أن تتحدث لها بسخرية قائلة : وانتي قاعدة لوحدك لي يا قمر مش ، معاكي حد يعني
إبتسمت الأخري بثقة قائلة : انا من صحاب الحلقة ، يعني كل دول قاعدين معايا، انتي بقي قاعد معاكي مين
إبتسمت قائلة باستهزاء : جوزى وابني، متجي تقعدي معنا. تنورى اوى
ردت بهدؤء وهي تشرب مشروبها البارد : لا متشكرة، عارفة جدي كان بيقول علي الحركات دي حركات عاهرة، عشان الناس دول متعودين يكون دائما طفليات في الأوساط النضيفة ويحبوا يخلقوا لنفسهم فرص من العدم، المهم يكون في قرب من أشخاص مهمين ومش مهم ازاى وبأي مسمي...
حاولت الأخري أن تدواي الموقف : براحتك...
فردت الأخري بثقة : براحتك انتي يا حبيتي، إكرام الضيف واجب برضو...
وفي تلك اللحظة، دخل وليد متبسما، يجلس بجوار قمر التي وعدته بهدية ما في نهاية الحفل، وكانت هذا الجواد الذي ينطاطيه ويجوب به تلك الأرض، بثقة ومغامرة... صنعتها به.........
..............................
مرة أخرى....
في عبارات الحب والشوق الاختيارات، كتب محمود درويش اسمي العبارات وادقها في وصف الحب واختياراته... "إني أحبك رغم أنف قبيلتي ومدينتي وسلاسل العادات ,لكني أخشى اذا بعت الجميع تبيعني فأعود بالخيبات.......
" محمود درويش"
وهي باعت القبيلة والحياة وسلاسل العادات وتري اليوم خبية وخزئ يسقيها مر الألم، فكرتها في الهروب غير مكتملة غير واضحة ولكنها ستحدث، ولكن هل بالهروب الحياة بعيدا ستعود زمرد، ام ما مضي انهي علي البقايا المتهالكة من الخيبات .......
.....................................................
..... منذ عدة أيام والصبي يذهب إليه، ويظل بجواره ويستمع لحديثه مع هذا وذاك، ويتحدث معه، وأجبرت والدته علي الموافقة بذالك، أدهم، طفلها الصغير يتعلق برجل آخر، ويود أن يبقي معه ويفضل التعب في الحركة وكثرة التنقل عن اللعب مع رفاقه في الأحياء، حتي كافاه الأخري، في نهاية اليوم... بنزهة صغيرة علي شاطئ البحر مع بعض المثلجات، وبعد إنهاء والدته لقاء عملها، لحقت بهم، فرات الصغير يلهو مع حسنية على الشاطئ وهو يجلس، فقالت : اتاخرت عليكم....
ابتسم قائلا : لا ابدا اقعدي، خليه يلعب شوية الموج هادي والجو خلو... تاكلي جيلاتي ولا هتقرفي تاكلي معايا.. كلي لحد ما حد يعدي وهجبلنا تاني
التقطته وأخذت معلقة قائلة : شكرا، اتفضل كمله... نظر لها وصمت، فظل في يد التي تراجعت، فسأل قائلا : طعمه حلو صح.
ردت بحبور : ايووه عليه، طمعه حلو ومتلج...
انزوت ابتسامة في قوله : بالهنا والشفا..
..... نظرات للبحر والشاطئ، وبوراد حديث يود ان يسأله بقوله : بحاول افهم جوزاك من المرحوم وعلاقة أهله بيكي......
.... ............
.... علي بقايا الأمل وفتاته، أبلغت للشرطة بعودته ورجوعه ولكن علي سيبل الصدمة، حالته خطيرة وغير مستقرة... وأمر الحياة والروح غير موكل ولكنه محدد.... فالفاجعة بليغة والسعادة قصيرة الأجل، لتبقي فرحة عودته غير مكتملة، وتبقي والدته في انتظار لقاء يجمعها بصغيرها بعد سنوات عديدة، لقاء صعب ومقلق ومتعب وناري غير محدد الأهداف ولا المشاعر لقائها به، لقاء والدته وهو، لقاء العشرون عام وزيادة ، لقاء حورية وصهيب..........
............. عادت إلى الزنزانة بعد عدة أيام في المشفي، حسد متهالك تتحرك بصعوبة والم قدم متزايد، عاونتها نجاة الي أقرب فراش وضمتها لتخفف رعشة جسدها المتالم في حزن وتدرك أن وراء كل الصمت الموجود معها منذ بقائها، لك يكن من فراغ، مسح خفيف على جسدها ودثر جيدا بالغطاء.... كان كافيا بالنسبة لاخري الصامتة التي اوجعها الألم حد الهلاك ولكن في صمت، تتذكر ما فعله، وتخشي من القادم، لا مانع عندها بالموت ولكن ليس بطريقة تدريجية بل في لحظة واحدة... تغادر هذه القسوة وترحل لكل من رحل للعالم الآخر، حيث الأمان الذي فقد عند وفاة والدتها ووفاتها هي كرقية قصرا وموت أخيها، الذي احرق لمام احلام الأمس وحديث.........
.. ويسكن كل شيء ويكفي القول الصاعد من المذياع " لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا"
..... يتبع
أنت تقرأ
أوراق الخطيئة
Ngẫu nhiênنولد ونحيي ونظلم ونبرر أفعالنا باسم الأخطاء ولكنها باسم الشيطان، اذا أخطأت يوماً، فقد انتصرت شيطانك واذا ضللت الطريق فقد أصبحت تابع ، وكلانا لم يستطيع التوقف عند حد معين وكلانا من نسل ادم ولكن من اتباع الشيطان وكلانا ذاق مرارة تفاحة الجنة وسكنت فيه...