الفصل الثامن عشر.... لنترك ثأر لأيام...
...... وعندها يكون مستعضف جبار عاصف، تهابه الأرض، يخسف بنا وباحلامنا الرايات، يعلن وبكل قوة التدمير ولا يغشي في الحزن قلباً، وان حكم كان صاحب المحكمة حكما وعلما ورائيا مظلمة هو صاحبها وصاحب مظلامها..... فإذا تركت ثار لأيام، تذكرت ألم من تركت له ثارا، لأنك سوف تتجرعه أضعاف............... جذبته بأطراف حديثها، اقتنص منه روحه، رمت فاصابت وأطلقت فقتلت وأكملت، فشفيت واكمتلت : اي صدمتك، ماهو مستحيل غيري ياخد اللي انا استحقه، فاكر جوازنا فاكر ابننا جدك قتله، فاكر اي ازاى كنت عبده لما رماني و طردني، عشان بنت الجنايني فاكر كل دا، يومها خرجت من البيت وحلفت لتدوقوا وانت بالذات نفس الألم، فاكر وصية ابوك اللي مات في الحرب انك تحافظ على اخوك ومن بعدها جدك اللي طلع رهيف ومات بسرعة، فاكرهم بقي، انت كسرتها.
صمت، ثم قال : جاية تنكشي في المستور
ضحكت مجددا قائلة : المستور دا انا اللي رسمته، فعلا جنة كانت بتحب علي وهو كمان حبها، بس عمر الحب دا ما اتعدي ضلوعهم، ولكن انا لعبت لعبة صغيرة اوى، اولهم جمدت اتنين الخدامة اللي حكت اللي امرتها بيه، وان جنة وعلي ناموا مع بعض وحملت منه والمفاجاة حتي لما الدادة عرفت، انا اللي نميتهم جنب بعض اللي خدرتهم، ولكن مزداش كدا، خطئية غير كاملة، وكانت علي فرشتك عشان تشوفها دائما، وقتها لما الدادة عرفت انهارت، وبعدها الخدامة فتنت ليك بس ناقص خطوة الحمل، ازاى، هقول انا، الدكتور اللي كشف عليها وتابع الحمل مسالتش نفسك اختفي سنين عمره كدا، سافر فين، وقالت بكل سعادة : الدكتور كان بكناية مزورة وسافر برا مصر من سنين، غير كدا وكدا سر الحمل لما كشف عليها قالها انها في الشهر الثاني وهي كانت في الرابع يعني الولد كان منذ لأنك الوحيد اصلا اللي كنت جوزها، وساعدنا في دا أن أعراض الحمل ظهرت متأخر وكمان بطن جنة دائما بتظهر متأخر... وشهرها السابع كان التاسع، قولتلي بقي قتلهم ازاى، اقول انا جبتهم على مركب وواجهتم ووجعتهم وسحبت ابنك من ايدها غصب وضربتها بالرصاص هي واخوك صفيتهم وولعت فيهم المركب وخرجت، عذبت ابنك سنين عذاب والم، سنين وجع ضرب وإهانة وفراق وحرمته من حبيبته، خليته يحفر في الماضي اللي خبيته عنه حقيقته، والي انا اتعمدت اخليك تعرف عشان تمنعه، مشيت فوق الممتاز، وابنك وبنتك ماتوا لما عرفوا الحقيقة، كل الناس عارفة قد اي اخوها الصغير كان بيحبها وهي كمان، بالنسبة لحفيدك فبالبقاء لله
تركته ثوان، فاعادت نظارتها على عينها وقالت : البقاء لله، اشوف وشك بخير....
ووضعت قبعتها وخرجت، وكلمة اللقاء، معناه بقايا انتقام، اما الجبل الراسخ انهار، ساقطا، فلا مقام يظل مقام لابد......
......................................
محل ذهب وعروس خجولة، وعائلة واختيار هدية العروس وخروج للعروسين
لتقول عائشة وهي تشير لاحدي المشغولات : اي رائك في دي يا شكران....
إبتسمت الصغيرة وقالت وهي تمسك العقد : فعلا جميلة، ونظرت له بابتسامة وهي خجولة، قانية الخد : اي رايك فيها
بدون تعابير قال : عاجبك...
ترددت قليلا وقالت بشيء من الحرج : اه جميل، هاخد
سحبه ووضعه أمام الصائغ قائلا : ضبط دا....
وأخرج من جيبه عبلة السيجار وأخذ يدخن خارجا، ابتسمت الأخت بحرج وهي تواسيها : هي مكسوف، مالوش في الحوارات دي اوى بس، بس والله هتحبيه وهتلاقيه طيب وحنين
وسائلت بتعجب : هو من أمتي بيشرب سجاير
نظرت لهم والدة شكران : بيشرب سجائر
أجابت امهما قائلة : دي حاجات خفيفة، وبعدين دي حاجة مش تعبيه...
لوت ام شكران فمها باستنكار : مقالناش حاجة ، بس اللي اعرفه.... انه مش بيدخن
بررت أمه قائلة : حاله حال كل الشباب وبعد دي حاجة خفافي، ايام ضغط الشغل، اصل شكران اسم الله حراسها وشها حلو عليهم، الشغل عمال يرف عليهم حتي مش عارف يفضي دماغه ليها... ولا اي يا عائشة...
اومات الأخري قائلة : حصل، حتي حسين جوزى، كان هينسي سنوية عمي الله يرحمه.......
مر الموقف ووقف الآخر بعيدا، عن الآباء وعم العروس والباقين، وقف أمام البحر بموجه الاشبه بحاله، عيونه تغيب وتأتي بلا هدف، تنفس بصعوبة بالغة كالعادة، ألقي بقايا السيجار ودعسه بقدمه، اخرج من جيبه حقل دعوة خطبته، رأي وقراه جيداً، منح حاله الحق في الإيذاء، مثلما تم قتله، ولكن هل سوف يجدي فيها، ام هو فقط من تضرر.....
.... التفت لهم وجدهم علي وشك البحث، فتقدم بهم وهو يصبر حاله ويمن عليهآ، ويقارن ويقنع.....
..... وأثناء الرحيل، نظر حسين لعائشة بعتاب : مش كفاية كدا يا عائشة...
صمتت و توقف، وتوقفت لتكون في مواجهته ليقول : رغم كل الموجود، وحشتني كفاية
كادت تدمع، فمسحت عيناها : لو فضلنا مع بعض مش هيكون ليك ابن يشيل اسمك
هتف بلا تردد : مش عايزاه، كفاية علينا وجع، وكفاية عليا انتي، انتي غالية اوى اوى عندي، هاه بيتك مش وحشك.
إبتسمت وقالت بحب : وانت كمان وحشتني
ضمها إليه مشتاقا : وحشتني...
خجلت وقالت : حسين بابا لو شافنا
ضحك ووضع يده على كتفها وسارا معا : مراتي ومن حقي الله....
فضحكت قائلة : فاكر لما قفشنا واحنا خارجين مع بعض...
ضحكت وأكملت الحديث قائلة : صعيدي بقي نعمل ايه
فضحك وقال : برئ يا بيه....
..........................................................
..........
في عزلتها، تدخلت نجاة وقالت وهي تضع الظرف أمامها قائلة : دا جالك يا حلوة
بمساعدة العكاز، اعتدلت في جلستها سريعاً، أمسكت الظرف، كان جميلاً مزين، منقوش بنقوش ذهبية، ألوان زاهية، ذا عطر خلاب، فتحته وجدته دعوة لحفل خطبيته، ادمعت عيناها، وسقط الظرف من يدها المرتعش، وضعت يدها على فمها تكتم النحيب، وجسدها يهتز بها فرطا من الألم، يد تكتم الشهيق ويد تضعها على قبلها تصبره وتعينه، تخبره انها تمنت ذاك منذ حين، عليه أن يحيي عن البقايا والحطام، هي سوف تقتل هنا، سوف تنسي، عليه أن يحيي، ويعيش اسمه ورورحه بعيدآ، ولكن فرط العشق آدمي بها، فمالت على جنبها تزيد من بكائها، كانت تتمني الحياة للابد بجواره، كانت تريد أن تحي في سبام، تغادر من امان لوطن، عصفورة سلام ظلت في أراضي الحرب، فاسرت في عش لكونها نادرة، فحرمت الحرية وربحت الإحتلال......، ربتت عليها نجاة تعي تفهم مافيها ولكن فشلت، ظلت تحاول فهم حالها ولكن لم يطول بها العهد، فسقطت مغشيا عليهآ، فقدت الحول والقوة وكل منها بيده هو العلي الكريم
...........................
افاقة من جسد منهك، كل ما تتذكره ألم المخاض الذي اتي قبل موعده، كل ما تذكره صراخها الذي تفجر في منتصف الفجر يشق الأجواء، تحسست مكان صغيرها، وجدته خاوية، فمالت على جسدها في رعب، واستندت بضعف عليه، بتحاول الوقوف، لتمنعها امها قائلة بخوف : جلنار، يابنتي اهدي صحتك
نظرت لها برجاء وهي تمسك بيدها بضعف ولهفة قالت : ا ب... ابب... اببني فين، ابني فين ياماما
صمتت الأم، فصرخت بها وهي تضع يدها على قلبها وصوت مختلج بالبكاء، خانه الدمع : ابني فين، هزتها بغضب ام : ابني فين... ردي
تدخل الأب للتو، ليبتر كل الأمل : ابنك مات يا جلنار، ابنك نزل ميت وانا دفنته....
وقفت وجذعها غير مستقيم وهي تضع يدها على معدتها ويد أخري علي ظهرها المتالم : انت كداب، ابني كويس، انت بتعاقبني، وانحنت قائلة : ابوس رجلك، اعمل فيا اللي انت عايزاه، بس هو لا، ياعلي الحقيني ابني ضاع، يارررب، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل... وضربت الأرض صارخة، فرفعها أخيها، فصرخت معترضة صارخة مطالبة بطفلها، فنهارت وكسرت، تحطمت، كأوراق الخريف بدون موعد وبدون سبب، المسألة كلها مسألة وقت.... وكان المشهد يعزى الجبل المحطم، ظلم، فظلم فتحطم، فقتل اولا اخيرا... عيون بكت وقلوب اهزت ولكن فات الأوان....
............................
اما في مكان آخر... ابتسمت وقالت : انا مبسوطة اوى يا مجدي...
فقال : زى القمر مش كدا... اهو ابن لينا ربنا يعوضنا بيه عن قلة خلفتنا...
فقالت : اخيرا سمعت كلامنا...
فقال موضحا : لولا أن أهله ماتوا في حادثة بتاعت الأتوبيس واتاكدت بنفسي انه مش لفيط عمري ما كنت اتبينه... كان ممكن اتكفل بيه أو اساعده...
ضحكت وقبلت الطفل النائم : المهم بقي لينا، ربنا يبارك فيها...
فابتسم قائلا : الله يرحمك يا علي، مولود في نفس يوم عيد ميلاده...
ايمنت قائلة : الله يرحمه، يالا نتغدي الاكل زمانه جاهز
اذعن لرغبتها قائلا: يالا....
.............................................
لقاء الجبابرة، متي التقي حلت اللعنة، تقف هي علي شاطئ البحيرة وتخطو بخطوات يأتيها من التيه قدر كافي ومن الثبات قدر متناقص، والصغير يلعب والمياه تصعد للشاطئ، وهو يراقب، لتغزو عنيه وتحيك حيلة ويهمس لأحد حراسه بأمر، ومن شأنه نفذ الآخر وأخذ الصغير قائلا : وليد تعالي نجيب الحصان ونركبه مع بعض
ضحك الصغير واخيرا بعد فترة وقال : بس انا اللي هختاره، ونظر لها، فنظرت له مبتسمة تمنحه الأذن، ليرحل سعيدا ويلحق الحارس، وتذكمر بكائه عدة أيام مضت ولكن اخيرا الجروح تندمل وسيأتي يومآ يصدق فيه علي مقتلها، فالصغير يتجرع منها كأس القوى والبآس بخطوات ثابتة، عيون تلمع وخطوات تخطوها، لتشعر به خلفها وتستدير لتجده خلفها وبيده سلاحه الخاص، موجه بكل قوة وفي وضع الإطلاق عليهآ قائلا : لازم نحط نقطة ومن اول السطر... ونختم الحكاية طولت
لك تهتز ولم ترمش وقفت بثبات وقالت : وانت بتحب الغدر
ليتهكم :متعملة منكم..
صمتت وتجولت عيناها بالمكان قائلة : لو فاكر اني ههرب تبقي غلطان، ولو طمعان في حاجة خدها، ولو عايزة تقتل اقتل، عشان لو طلعت حية من الرصاصة، انا اللي هقتلك يا عمار
اخفض السلاح قائلا : لسا بتهددي
لترفع السلاح قائلا : وانا بقولك نفذ خليك قد كلامك
لتلمع عيناها : دي رغبة قمر من سنين ولقيت ضحية تنفع في دور الجاني يحققلها السلام، لكن برغم القوة، شكل المتعذب، هتعبره كاس خمري وقوتي...
وادخل سلاحه وابتعد وأدار ظهره، لتجيب عليه قائلة : طلقني يا عمار....
نظر وصمت ثم أجاب بعدما تقاربت المسافة بينهم مرة أخرى : بالسهولة دي
لم تجيب، فقال : هتحرمي...
لتقاطعه قائلة : هسافر، وكفاية ... وخلعت خاتمه والقته أرضا، فقال بكل هدؤء : انت طالق يا قمر، طالق بالتلاتة....
...... تركته واسرعت الخزي أشبه الركض بشيء من السعادة والحزن... راحت تجوب المكان بالف شعور وذكري، ولكن علي الاقل بحرية من كل القيود والمصدمات الدائمة بينهم.... تتذكر اهانته لها يوم زفافهم بإعلان زواجه من أخري، تتذكر حياتها الفارغة لسنوات، لتفقد كل البراءة لتبدل لطغيان وتجبر، قوة من بعد قوة، بلوغ القمة بعد القمة، كان الأمس قوى ولأن أصبح متحبر، ولا عزاء لأيام....
وأما وقف بخسارة، انه لم يحسن يوما إدراك كل شيء، بعد نهاية الخلاف والقضاء على أطراف العبث وبعد المطابقة والهدؤء أمره وعمله، وبعد حيرة كل الأجهزة والاتهامات، عدم كشف كذبته وخدعته وقدرته على الكتابة بكتلي يده وكل منهم بطريقة مختلفة.... بعدما قضي على زوجته وعلي كل من كان يعاونها، بعدما ثبت جذروه بكل هدوء وأعلن الولاء، بعدما نجحت خطة الإصابة المدبرة من قبلهم، وإصابته لتخفي وقتها الشكوك حول مقتل زوجته، فمن قتلها كان يريد قتلها وتلك مهمة السلطات إيجاد الدلائل المقتولة مع الجثة التي دفنت في عزاء مهيب، عيون التقت في إباء وصموت وشموخ سكن، وخوف ظل حولها هي، هالة من الخوف أحاطت بها، وهالة من الاحترام أحاطت، رغم أن الفعل واحد ولكن التصويب مختلف، اليوم يرحل جزء من القوة لا تدري هارباً ام مبتعدا، ولكن بكل الاحوال فالعودة لابد منها... لابد من الرجوع والمكوث، فرغم التضاد سكن كل معني خفي.....
...
.... يتبع
أنت تقرأ
أوراق الخطيئة
Diversosنولد ونحيي ونظلم ونبرر أفعالنا باسم الأخطاء ولكنها باسم الشيطان، اذا أخطأت يوماً، فقد انتصرت شيطانك واذا ضللت الطريق فقد أصبحت تابع ، وكلانا لم يستطيع التوقف عند حد معين وكلانا من نسل ادم ولكن من اتباع الشيطان وكلانا ذاق مرارة تفاحة الجنة وسكنت فيه...