...هيدسون تعتبر مركز المدينة النابض حينما يأتي الأمر للأعمال، مكتظة بثلاثة أضعاف ما تعود أليكساندر عليه في عالمه المنغلق،هنا أقل من 10% من الناس فعلاً تنظر إلى أين تسير، الأغلبية كانت تطالع في الهواتف، الجرائد، الإعلانات وكل ما يعني الشغل والمال، باختصار كانت فوضى منظمة.
بعد تخطي بضعة شوارع من المحطة بأتجاه الجنوب كان هناك مجمع أخير يتلي منتزه عمومي، مؤلف من أربع بنايات متصلة مع بعضها بجسور معلقة زجاجية في غاية الروع، شكلت مع بعضها فندق (فولن بارادايس) الذي يحتوي في أجزاء من هذه البنايات ملحقات ممتدة من جسم البناء الرئيسي فيها مسابح مفتوحة أو حدائق معلقة (حرفياً)، ومن بعض المسابح تنهال المياه إلى بعض الحدائق مشكلتاً شلالات في السماء، المشهد الذي جعل البناء بالمجمل فتنة في عين الناظر.
وهذا المجمع كله ليس الفكرة وحدها، فعندما وصل الشابان إلى الفندق لم يمر مارك على طاولة الاستقبال حتى، بل استمر في السير إلى قلب المجمع حيث توجد حديقة في منتصف الكتل الأربع يتوسط تلك الحديقة كوخ يبدو كأنه عانى في حياته السابقة من ضربات إعصار لا ترحم، كما غزته الطحالب وتمكن العفن والنمل الأبيض من خشبه و يظهر للشخص الطبيعي أن هذا الكوخ لا يلائم ما يحيط به من التحف العمرانية "أرى أنك لا تسأل عن شيء من الشذوذ الذي أمامنا يا آل، هل العباقرة من أمثالكم يفهمون بعضهم؟" سأل مارك بينما يقطعان نصف الطريق إلى الكوخ، "في الواقع يا صديقي ما ألتقط أنتباهي هو عمله الذي يلفنا هنا، فأنا مؤمن بأن إنجازات الإنسان تتحدث عنه وتعرفك به قبل حتى أن تقابله شخصياً، هل أنتبهت إلى أننا قد مسحنا بعشر طرق مختلفة منذ دخولنا؟.... ولهذا لم يوقفنا أحد من الوصول للمهندس نهائياً" قال أليكس وهو ينظر لعامل الاستقبال عند الباب خلفهما الذي خرج ليتأكد من الجهاز على يد أليكساندر،"لماذا لم يفحصوا جهازك إذا فهو مريب ولا يبدو مألوفاً؟ " أكمل مارك بينا يصعدان الدرج الصغير إلى الباب الأمامي" لأنه طلب منهم ذلك! " رد أليكس بثقة بينما طرق صاحبه باب الكوخ الصغير.
"تفضلا! إنه مفتوح." جاء الصوت من خلف الباب فدخل الشابان وأغلق أليكس الباب وراءه، استقبلتهما غرفة ضيوف بغيمة كثيفة من الدخان الأبيض حتى إن المرء لم يكن لير أصابع يده ختى لو وضعها أمامه.... وبصعوبة تمكنا من إدراك ظل شاب يقف في نهاية الغرفة عند النافذة المقابلة، والتي فتحها هذا الأخير سامحاً لكل الدخان بالهروب من الغرفة "جهاز رائع ذلك الذي تحمله على ساعدك سيد بلياكوف، أنت بالفعل أكثر من مهندس إلكترونيات" قال الشاب في نهاية الغرفة وقد اتضحت معالمه بعد إنقشاع الضباب، كان طويل القامة أشقر الشعر مسرحاً حليق الذقن يرتدي لباس إنكليزياً يليق بأكبر عائلة برجوازية في مملكة الألبيون، تدلت سلسلتين من صداره الرمادي المقلم بطريقة فيچرو، إحداهما حملت ساعة جيب وأتجهت لليسار أما الأخرى فحملت عدسة مكبرة أتجهت لليمين، "أنت بالفعل أكثر من مهندس معماري سيد سيباستيان" رد أليكساندر وهو يشير إلى الباب خلفه، تقدم منهما الشاب الأشقر وهو يطالع في أليكساندر كمن يحاول التفرس في وجه البوكر الخاص بالناسك "إذا أنت متفق معي في أن الجمال لا يكمن في الانطباعات الأولى... بل في الجوهر" قال المهندس وهو يمسك بعلبة سجائر فاخرة فيمررها واحدة لأليكس" سيجارة؟" عرض الشاب الأشقر وقبل الناسك عرضه مفكراً بسوليداد - المظهر والجوهر - "صدقني يا سيد سيباستيان لن يتفق معك أحد أكثر مني علام قلته، ويصعب إعطاء الأمثلة من طرفي" قال أليكس وهو يقلب السجارة بين أصابعه قبل أن يشعلها له المهندس، "أنها صبية في حالتك، أرى ذلك كما أرى حديد التسليح في أساس المبنى.... وعليّ القول أنها محظوظة" استأنف المهندس الكلام ومارك مبتسم على حقيقة أنه من المفروض له أن يعرّف الطرفين ببعضهما، أو يعرفهما أكثر مما يعرف أحدهما الآخر، "هل هذه سيفن ميلد؟!" قال أليكس في إشارة إلى علامة التبغ المميزة وهو ينفخ الدخان" أفضل الأفضل يا سيدي" قال المهندس" يوم سيتوقفون عن إنتاجها سأقلع عن التدخين".
جلس الثلاثة بعدها وتقاذفوا الأحاديث التي ستسبق العمل الأساسي لهذه الليلة "وددت أن أخدمك في إنشاء جديد يا سيد بلياكوف، ولو أنه سيكون عتيق الطراز بالفعل لكن على الأقل جديد الأساسات" قال المهندس لأليكس "أنت محق يا سيد سيباستيان وقريباً سأطلب منك شيء يذهلني بالفعل يرقى لما قلته من مواصفات على أنني مجبر على التمسك برغبتي الحالية أولاً" رد أليكساندر" أذهلك؟ أنا؟ لا يا سيدي.. أنا أثق بفني هذا لكنه غير كاف لإرضاء أمثالك.... أترى؟ أنا أعشق التفاصيل وأتعارك معها كما يتعارك الصياد مع السمكة، فلا يبقى على الورق فعلاً إلا نتائج ذلك العراك" تابع المهندس قوله ما جعل مارك يزم شفتيه مجدداً في علامة على التفاجئ"كل هذا؟! "قال مقاطعاً للمهندس" نعم يا عزيزي، وطلب السيد بلياكوف هنا سيفتح ذلك الباب عليّ بكامل مصراعيه، لا حدود مع ذلك للخيارات المتاحة" أكمل كلامه لأليكس الذي أنهى السيجارة لتوه، سيد سيباستيان أعهد لك بإعادة بناء البيت رقم 7 شارع هارتلي.... غداً سيكون البيت مطوّباً باسمي وعليه أرجو أن تقوم بما يجب" رد أليكساندر هاماً بالوقوف "لا تقلق ولا توصي، الموضوع منتهي بالفعل وسنتحرك في القريب العاجل" قال له المهندس بينما يسيرون ناحية المخرج فيفتح مارك الباب" بالمناسبة ما السعر الذي تطلبه؟ لم أود أزعاجك خلال الحديث المهم" تذكر أليكساندر" لا شيء.... " رد المهندس وطالع الشابان في بعضهما ثم عاد أليكس بنظره إلى الشاب الأشقر" لا يجوز هذا، فأنا طلبت أفضل مهندس لكني لم أطلب أفضل كلفة" تابع أليكس والمهندس يهز رأسه مقهقهاً" من ذكر أنها أفضل تكلفة؟ اسمع!.... أنت قادم على عملية بدرجة عالية من التهور، وكل ما أريده في مقابل إصلاح البيت هو أن أكون طرفاً فيها" همس المهندس بوجه الثعلب المكار والناسك شارد فيه، لكن ذلك دل على أن كلا الطرفين يخفي الكثير ويعرف الكثير عن الآخر "لك ذلك سيد سيباستيان، يسعدني وجود شخص مثلك في طرفي إذما حدث الأسوء" أجاب أليكساندر طلب المهندس وولج مع مارك خارج الكوخ" أرجوك نادني نيسان يا أليكس" ودع المهندس الشابين بتلك العبارة والأيدي تتبادل التلويح.
....
"حسناً أنغريد، هل أنت جاهزة؟" لبس هيرو معطفه ودس مسدساً في جيب حامل داخلي" جاهزة! " ردت إنغريد وهي ترتدي ثياب النزهة وتلبس حقيبة إلى الخصر فيها بعض المفاجأت لهذه الليلة، "إلى أين الآن يا دكتور؟" سأل العميل، "إلى ونترفيل سيد فاسيلي، لقد وصلني خبر إحدى العربات الهاربة من خزينة الوكالة وقد أنفجرت مساء أمس" قال هيرو المتجه نحو المصعد مع إنغريد" ما المميز فيها من بين كل العربات التي تشحن خارج خزينة الوكالة، هل هي منشقة؟، لا لا، حتى لو كانت.... أتظنها متآمرة مع الركن الرابع؟ " دخل العميل معهما فأغلق المصعد الذي صعد إلى الطابق الأول نحو غرفة المعيشة" لا ليس كذلك يبدو أن هناك من تلاعب بهم وجعلها تخرج إلى وجهة خاطئة مما دفع الوكالة لاستخدام مرتزقة رخيصين لتفجيرها" قال العالم وهو يفتح باب المخبأ ويسعى إلى النفق في قلب الجبل" من وراء ذلك؟.... الدكتور ستيرن؟" سأل العميل بعدم أقتناع "لا يا فاسيا، شخص آخر لا أحد في الوكالة يعلم حقيقته، يتصيد مواقع معينة وأشخاص معينين دون معرفة الهدف الحقيقي على أنني متأكد أنه ملم بفرع المختبرات التي عملت على مشروع السلاح وليس على مشروع الجنود" أجاب هيرو" أي أنه يعرف البايو معرفة جيدة لكنه لا يدرك الكثير عن سلسلة X... إنه لم يأتي كل المسافة من الشمال كي يلعب لعبة القط والفأر مع الوكالة" تمتم العميل الكلمات الأخيرة وهو يلحق الأثنين إلى الخارج، كانت إنغريد طوال الوقت تمسك بيد هيرو كأنهما فعلاً ذاهبين في موعد، وأنتبه العالم إلى العميل خلفه فأبتسم وقال" لا أعتقد أن الموضوع لعبة قط وفأر يا سيد فاسيلي، إنه يفعل ذلك بغرض إيجاد البايو 34 المميز، ولأصبح الأمر واضحاً عليك كلما تابعت النمط لفترة أطول" "لما هنا، الوكالة نقلت أغلب البايو الذي جمع بعد الثورة إلى خزائن الصقيع في الشمال وما ظل هنا هو بقايا منشآتها المهجورة" استفسر العميل" البايوهات ذات الأرقام التي تتجاوز 30 غير شرعية؛ الوكالة لم تصدر الإيعاز بتصنيع هكذا ترهات - حسب زعمها - فمن سيكمل تصميمها وتخبأتها هم الركن الرابع فقط والتي تتواجد مخابئهم في الجنوب فقط" تابع الدكتور هيرو عندما طلع الثلاثة من الكهف لينيرهم نور القمر الظاهر بآخر مراحل البدر بين الغيوم، نزلو على هذا الضوء إلى سفح الجبل حيث خُبِئ مخزن في قاعدته،" ولما سيحتاج شخص من الشمال هذا الصنف من البايو؟ لديهم أشياء مخيفة أكثر هناك" أكمل العميل سؤاله مساعداً هيرو على فتح حظيرة المخزن حيث ركنت شاحنة صغيرة تحت غطاء أبيض كبير أزآله الثلاثة عنها ثم جاء هيرو بالوقود ليملأ خزانها "لو كنت تعتني بأركانية ستفهم.... تلك كانت رسالتنا من الصفر، فالبايو التي لم تسمح بها الوكالة كانت تعنى بالمواصفات الجسدية والنفسية التي لم تصب في مصلحة السلاح البيولوجي الذي كنا نطوره" رد العالم على العميل قبل أن يفرغ من تعبئة الخزان وتفقد البطارية والزيت للمحرك" ووووو... تقصد القول بأنه يمتلك إحدى مواضيع الأختبار الهاربة؟.... يا ألاهي ذلك يبدو منطقي الآن! " هتف العميل بدهشة مما توصل له ذهنه وكان هيروتوشي يأخذ بيد إنغرد لتصعد إلى الشاحنة وتتغطى جيداً حتى لا تبرد ولا يراها أحد "الموضوع المتبقي غالباً هي X-109 وحقيقة أنني أرغب في التواصل معه هي لأني أمتلك كمية أوفر من المعلومات عنه من تلك التي أعرفها عن الشخص الذي أخذ X-118 على أن الآخير خير من الأول، يدعونه الغاباتي.... يبدو أنه أحتطب قسماً جيداً من الوكالة في الشمال وهذا ما يجعله حليفاً محتملاً لنا" شغل هيروتوشي المحرك و لحسن حظه أقلع دون أن يتعبه كثيراً" هيه هيرو!... أليس لأخواتي أسماء؟ " سألت إنغريد في الخلف بينما صعد العميل إلى جانب هيرو" بالطبع يا غاليتي، لكنها رهن بمن يعتني بهن فقط فحتى نعرف ما تمت تسميتهن به علينا الإشارة لهن بالأرقام الممنوحة من قبل الوكالة" رد العالم عليها وأيقظ المحرك "لكم يبغضني استخدام تلك الأكواد اللعينة لكن مجبراً أخاك لا بطل" أكمل كلامه وهو يقود السيارة خارج المخزن ويستلم الطريق السريع نحو غابة السيدة فيكتوريا.
بالعودة للجامعة دعا أليكس مارك للقدوم مع كريستين إلى السقيفة في الليل، فأيام العطلة طاقم المهجع الإداري يسافرون للريف لقضاء نهاية الأسبوع، ويبقى البواب العجوز ليمنع دخول البنات، المخدرات، والحيوانات الأليفة لداخل السكن الشبابي للذكور، كان على مارك فقط تمرير كريس وجلب حاجيات السهرة، بينما يتولى أليكساندر الطهو.
على ذلك الاتفاق افترق الشابين فعاد مارك إلى المهجع واتجه أليكس نحو بيت التلة ليعاين نتائج هجوم الوكالة، لم يستخدم الطريق الترابي للوصول إلى البناء بل تحرك بين الأشجار المحيطة وتسلق السور الحجري للحديقة الخلفية ثم نزل في باب الملجئ المفتوح خلف المخزن القريب من السور مما جعله في ثلاثة خطوات داخل الممر المؤدي من الملجئ إلى قبو البيت، وكانت أرضية الممر ترابية قد لفتت نظر أليكس إلى وجود آثار حذاء خفيفة لم يلاحظها أول الأمر، بدت أنها نسائية بقياس صغير وهي متجه بثبات إلى القبو "لم يكن هناك كاميرات في الملجئ لتغطية هذه الناحية" همس لنفسه بينما يتقدم بحذر نحو القبو فيجد باب المختبر مفتوح وفي النفق جثتان أكدتا مخاوف أليكساندر من تورطه مع الوكالة التي تسعى على الأغلب لأخذ سوليداد منه وتدمير بيت السيدة يانوف.
بما أن الميتين شابين ولا حضور لجثة إمرأة، ديق أليكس عينيه اللتين اتجهتا نحو باب المختبر الرئيسي شبه المفتوح، واستخدم مساعده المحمول لجمع الخادمات وجعلهن يشكلن قوس يحيط بالباب، ثم فتحه ودخل متفحصاً المختبر الذي كان على حاله عدا بعض الفوضى من جهة طاولة التقطير في الجناح الأيسر جذبت اهتمامه، فتقدم مع الخادمات من الطاولة ولاحظ بذلك الأدوات التي كان من المفترض أن تكون في خزانة العدة مسطرة بعناية أسفل الطاولة، رفع نظره إلى الخزانة بابتسامة خفيفة "ما بالكم مع الخزائن، هل هذا نوع من الفولكلور؟" قال أليكساندر في نفسه بينما يتلقف سكينة حادة تستخدم في قص فروع النبات الميتة من على الطاولة ويعود أدراجه ماشياً ببطئ "هل أعتقدتم أن السيدة أيفون سنكر سترتب المختبر بهذا الشكل الرائع خلال أندلاع ااثورة؟" سأل أليكساندر بصوت عالٍ متعمداً وقوبل بالصمت من جهة الخزانة، "إن كانت منظمتكم تظن أنها قادرة على تدمير معارضيها ومخابئهم فلربما كانت محقة، لكن إن سولت لكم نفسكم الأقتراب من الفتاة التي كنتم تنون قتلها اليوم، فأقسم أنني سأقوض منظمتكم تلك على رؤوسكم المغالية في الظن" تابع أليكس رافعاً صوته أيضاً وساد جو من الهدوء لبضع ثوان قبل أن تخرج من خلف الطاولة الحارسة كاتنيس وتطلق رصاصة إلى رأسه فتفاداها الشاب إلى خلف إحدى الخادمات ورمى السكين التي كانت في يده بجانب رأسها.
أخطأت السكين الرأس ببضعة سنتمترات واستقرت على الحائط خلفها "لن تخطئ يدي في المرة القادمة أعدك بذلك" قال أليكس وهو يظهر من وراء الخادمة متجهاً نحو الشابة بكل ثقة بينما ردة هي ديك المسدس في علامة على التحدي مسددتاً بكل وضوح نحو جبهته، خطف أليكس نظرة فاحصة عليها وحاول استنباط أي معلومة مفيدة عنها وعن الوكالة، وأول ما شد تركيزه الساعة الذكية في يدها اليسرى إضافة لخاتم ذهبي رفيع في بنصرها الأيمن، "لم أكن أدري أن الوكالة تسمح لكم بالعلاقات الرومانسية؟" قال أليكس مشيراً لها بأصابعه أن تلتفت يميناً وبتردد فعلت الحارسة لتفاجئ بخادمة أطلقت النار على السلاح الذي تحمله، فطار تاركاً يد كاتنس للرجفان والألم "لقد رأيت سجلات السيدة سينكر وكانت تخفي أي علاقة لها بالعالم هيروتوشي، كما لو أنهم سيعدمونها لو فكرت بشيء كذلك...." "وبماذا يعنيك هذا؟ من أنت أصلا حتى تتمكن من عبور كل هذا لتواجه ما لا يمكنك الوقوف في وجهه؟" ردت كاتنس بالسؤال فأمر أليكساندر إحدى الخادمات بإحضار غرض كان متروكاً في زاوية الجناح، ورأته الحارسة جيداً حين عاد الروبوت به فقد كانت الكبسولة التي نقلت سوليداد إلى هذا المختبر" أنا راعي المشاكل، فوهرر الأحزان والأسى....... أليكساندر روديا بلياكوف يا آنستي" أجابها وهو يتسلم الكبسولة من الروبوت ويرمي بها نحو كاتنس التي ألتقطتها برد فعل عفوي، "هل أنتهيتي من التسجيل؟" أشار للساعة في يدها "إن إنتهيتي أطلبي الطيارة المستطلعة الصغيرة... تلك التي كانت تحلق حول المختبر قبل قليل، أطفأت مشوش الإشارة لذا يجب أن تتمكني من الاتصال بها" أضاف أليكساندر وهو يلتف متجهاً نحو الحاسب بينما حملت إحدى الخامات كاتنس مع الكبسولة وأخرجتها مع الخدمتين الأخريين من المختبر.
تبعهم أليكس إلى الباحة أمام المنزل حيث ألقت الخادمة بالحارسة كاتنيس أرضاً تحت عين الطائرة المراقبة على بعد 50 متراً من التلة، كانت الحارسة تحتضن الكبسولة كأنها لعبة محشوة وملامحها المذعورة تظهر إنها تعرف ما سيحدث لها عندما تعود فأستدارت نحو أليكس بعيني متّسعتين لأقصى مدى وحاولت بكل ما أوتيت من شجاعة أن تستجديه، لكن خانتها شفتاها الراجفتين، "لا شيء يمكنني عمله لك، هذا خطأ رؤسائك وليس خطأي" قال الشاب وقد فهم ما أرادته الحارسة المذعورة، ثم أطلقت إحدى الخادمات الرصاص على الطائرة التي كانت تحاول تصوير وجه أليكس دون جدوى ففجرتها مباشرتاً، "أنت في خطر!...." قالت الحارسة بعيون دامعة مغلقة "والأركانية التي تحمل الرقم X-118، إنها أكثر مواضيع الأختبارات أهمية.... الوكالة لن تتوقف عن محاولت قتلكما حتى تحقق ذلك"، اقترب منها أليكس وأنحنى على ركبة واحدة هامساً "لا تقلقي عليّ أنا يبدو أنك الإنسانة المناسبة في المكان غير المناسب، كهدية وداع وشكر على التحذير سأقول لك...... لا تفتحي أنت هذه الكبسولة" تركها الشاب ودخل مع الخادمات إلى بيت التلة مغلقاً الباب خلفه.
من الطرف الآخر كان ربان الطائرة التي إنفجرة في غرفة تحكم ضعيفة الإنارة يريح ظهره إلى الخلف بعد أن فقد الإشارة ومن وراءه رجلين لا تظهر ملامحهما جيداً قال أحدهما للآخر وكان يرتدي بدلة تدل على أنه عميل لكن من ذوي الشأن الرفيع "هل وجب عليك الحضور شخصياً يا جناب الرخ؟ لا أجد في هذا الشاب أي شيء مميز" رد الآخر وهو يداعب ذقنه بخنصر يده اليسرى "لقد تحقق أسوء احتمال ممكن أيها الماركيز، ضع كافة إمكاناتنا في ضاحية الجامعة هذا الشاب..... مطلوب حياً أو ميتاً" جاء صوته هادئاً وهو يفتح الباب ليخرج،" لكن سيدي ماذا عن الغاباتي؟" سأل الماركيز بشكل ممنهج" هذا الساحر سيشكل خطر أكبر من ذلك الروبن هود، وإن لن نتعامل معه عاجلاً لن يبقى لدينا ما نتعامل به مع الغاباتي" أجاب الرخ ثم أغلق الباب خلفه تاركاً الربان والماركيز ليتبادلو نظرات الاستغراب، فالأخير لم يكن ليقتنع إلا أن الأوامر تبقى أوامر، التقط عندها جهاز نداء من نوع خاص كان على طاولة قريبة وبث باستخدامه تعليمات الرخ لكامل وحدة عمليات الوكالة في المنطقة" انتباه إلى كل العملاء بغض النظر عن رتبكم ومواقعكم، بالرجاء التوجه إلى مفرزاتكم في ضاحية الجامعة لتلقي تعليمات جديدة، أكرر توجهوا لمفرزاتكم ضمن ضاحية الجامعة لتلقي تعليمات جديدة" أقفل بعدها الخط و شرد في كلام الرخ ساكباً أياه مع التسجيل والتصوير الذي وصلهم من بيت التلة في وعاء عقله لالواعي، ثم لمعت أمام شاشة ذهنه لقطة عابرة لمعصم الشاب في التسجيل وتمكنت الصدمة منه، أدرك فقط بعد قليل فقط من الشرود حجم التهديد الذي سيمثله أليكساندر بلياكوف في المستقبل القريب، أعاد اللقطات الأخيرة التي صورتها الطائرة قبيل تدميرها بعيون مدهوشة وكان الجهاز المساعد على ذراع الشاب يظهر كتابة عالية التباين ذات سطر واحد كبير (عبار نكر)....
.....
في المهجع عاد أليكساندر إلى السقيفة حاملاً كيس من البطاطا واللحم المفروم إضافة إلى قنينة من النبيذ الأحمر، فتح الباب بعد طرقه طرقة تحذيرية و استقبلته سوليداد بدفئ جعله يذوب كالسمن البلدي في حضن مقلاة من التيفال، عناقها كان كمطر المطهر يغسل ذنوبه وهمومه فيخرج نظيفاً مرتاحاً منفوش،"أليكس هل تذكر الأسبوع الماضي قبل أن تأتي أختك لرؤيتك؟" سألت سوليداد "نعم.... كنا نشرب الشاي وقتها، وظهرت كريستين من العدم... كنت تريدين قول شيء وقتها عندما أعطيتك الثوب لكن حضورها قاطعك" قال أليكس تاركاً الأغراض على الأرض كي لا يضر للابتعاد عنها لكن هذه توقفت عن ضمه و مالت ناحية السرير فأخرجت من تحته نفس العلبة التي قدم لها أليكس الثوب فيها، "سولي كانت تريد إعطائك هدية أيضاً لأنك دائماً تعتني بها... " قالت بوجل وهي تفتح العلبة لتريه وشاح طويل أبيض يبدو بوضوح أنها حاكته من حريرها الخاص" أنا آسفة لا أستطيع تغير لون الحرير لكن حاولت العمل على تصميم يعجبك" تابعت سوليداد القول لولا أن أليكس خطف الوشاح من العلبة وارتداه ليتفحصه أمام المرآة" نعم يا سيدي من هذا الفتى الوسيم؟..... إنه مثير وساخن، فليستدعي أحدكم المطافئ سوف تحترق الغرفة من السخونة" تمتم لنفسه بينما يتفحص كل شبر من الوشاح، وراحت سوليداد تطالع فيه ضاحكتاً لسعادتها التي صارت تكبر مع كل ثانية تمر بقرب هذا الشاب.
بعد خمس دقائق من التباهي تمكنت سوليداد من أبعاده عن المرآة بمعجزة واحتاجت واحدة أخرى لتبعده عنها هي " لا أصدق أنك حكت هذا كله من أجلي.... لقد تمرنت كثيراً أليس كذلك؟" قال لها وهو يربت على رأسها "لقد أنهيته الأسبوع الفائت ولم تسمح لي الفرصة لإعطائك أياه... كنت مشغولاً بالحاسب والهاتف والأوراق الملونة.." همست كهرة مغمضة العيون تحت تأثير التربيت، "آسف يا عزيزتي، لكن عليّ تأمين بيت لنا حيث لن أضر للخوف عليك من أغلب الأشياء ولن تضطري للاختباء داخل قفص كهذا" قال أليكس وهو يتنحى نحو المشتريات ليبدء بتجهيز العشاء" أنت تنمين بسرعة يا سوليداد تحتاجين مساحتك المريحة على هذا العنبر الصغير ولديك الحق في الخروج ورؤية العالم أبعد من حدود شاشة الحاسب.... ""تقصد أن سولي سمينة؟ " قاطعته وهي على شفير البكاء" بئساً لقد دست على لغم أرضي، كان علي أختيار الكلمات بعناية أكثر" فكر أليكس وانطلق لسانه ليصلح الموقف ويفسر لها أنه يريدها أن تتجول بحرية أكبر فقط لا غير، وسرعان ما تمكن من مراضاتها لكي يعودا للتجهيزات، حيث أخرجت سوليداد بعد ذلك بعض اللوازم إلى السطح عبر النافذة وعادت لتساعد أليكس في الطبخ عندما فطنت لفكرة أرادت فيها أن تريحه قليلاً " لكن أليكس سولي يمكنها أن تعيش حيث يعيش أليكس، أنت تعلم سولي يمكنها حماية أليكس..... أنا قوية كفاية.... أنت تعلم...... سولي ولدت هنا في البداية على أي حال... " قالت بكل براءة وهي تعطيه حبات البطاطا ليغسلها ويغطسها في الماء كي يسلقها لاحقاً "لا يا عزيزتي أنا من عليه الأعتناء بك فهناك أناس سيئون لم ولن يتقبلو وجودك في هذا العالم، وعلينا الابتعاد عنهم لنعيش بدون مشاكل" رد أليكس وهو يقلي اللحم المفروم مع التوابل والبصل ثم وضعها جانباً بعد أن نضجت لكي يغلي الجبن فيتخلص من ملوحة تخزينه "لاحظي معي جيداً يا سوليداد عليكي إضافة الملح للبطاطا قبل سلقها، سيجعلها ذلك تنضج بشكل أسرع، وعندما تنضج قومي بنقعها في الماء البارد لدقيقتين، ذلك سيمكن اللب الساخن والقشر البارد من الانزلاق بسهولة عن بعضهما فتقشّر حبات البطاطس بشكل أفضل" أضاف قائلاً لمتدربته الأركانية.
سرعان ما فرغا من الإعداد للسهرة وبقي على وصول الضيفين أقل من عشر دقائق، كانت خلالها سوليداد تكثر من حك معصميها مما أثار اهتمام أليكساندر فأقترب وأمسك يديها لتفحصهما، اربكها هذا في البداية لكنها استرخت قليلاً سامحتاً لأليكس بمعاينة مغزلي المعصم على بطن رسغها "إنهما يتفتحان، قريباً ستتمكنين من غزل الشباك من هذين المغزلين.... سيكون هذا رائع للغاية..... تتحملي قليلاً بعد هذه الحكة المزعجة يا سولي" قال لها آتياً بمرهم مخفف للحكة "أطفال البشر يمرون بمرحلة بروز الأسنان المؤلمة وعليكي أن تعوضي أمتياز تخطيك لهذه المرحلة بالحكة لحظة بروز مغزليكي الإضافيين" تابع قائلاً، وسوليداد تبدي ملامحها المنزعجة الطفولية كأنها تعرف كم تبدو ظريفة وتصطنع تلك الملامح قاصدة أن توقع الناسك في شراكها عميقاً.
خلال هذه اللحظات الوردية قاطعهما طرق على الباب" من هناك؟ " نادى أليكس بينما توارت سوليداد" هذا أنا مارك، أنا لوحدي ستلحقني كريس قريباً، إنها تشتري بعض الحلويات" "أدخل يا صاح!" قال أليكس وهو يجلس إلى طاولته، فدخل مارك متفحصاً الغرفة بعيون الصقر حتى أستقرت على صديقه "هل سمعت صوت فتاة للتو.... وأنا لا أرى حاسوبك شغال حتى فما القصة يا صاح، قل لي ماذا يجري معك في عالمك" قال مارك وهو يتقدم من أليكس مغلقاً الباب خلفه" هل وقعت في حب ليزابيتا؟.... لا تقلق لن أخبر أحداً، يمكن علاج ذلك فلا داء لا علاج له هذه الأيام...." تابع مارك الهجوم الساخر مع احتفاظ أليكساندر بوجهه البارد" لقد جمحت بخيالك بعيداً هذه المرة يا لاكوت، لو أن ذلك ما يجب أن تفعله، ولا تخشى شيء أنا أثق بك لكن فأسي يبقى مستعد..... السؤال هو: هل أنت كذلك؟ " قاطع أليكس استجواب صديقه مشيراً للمساعد في يده ليجعل مارك يدرك أن الحوار سيتخذ منحى أخر تماماً الآن فعاد الشاب لإتزانه " طوال العشر أعوام السابقة لم تفشل ولو مرة واحدة في مفاجأتي، يقول لي حدسي أنك بصدد شيء يرقى لمستوى جديد من الخرافة...... ومع ذلك ستأتيني غداً أو بعد غد أو حتى الأسبوع القادم بشيء أكبر.... حسناً لقد تعودت، سأعدك أنني سأندهش لكن لا تجعل قلبي يتوقف رجائاً فكريس ما زالت تحتاجه، كما..... أنه سيلزمني عندما تريد أطلاعي على مزيد من مفاجآتك" قال مارك وهو يستند إلى الحائط جوار الباب.
هنا ابتسم أليكس ونهض ليقترب خطوة من صديقه الذي يحاول التماسك على وضعه عند الباب" مرحباً بك يا مارك لعالم القصص الخرافية.... " همس أليكس بصوت راوي الحكايات الهادف لتحميس جمهور المسرح ثم فرقع بإصبعه لتنزل سوليداد متدلية من السقف وتحط بجانب أليكساندرعلى قوائمها الثمان، كانت تختبئ خلفه كأنها فتاة في التاسعة من العمر هاربة من عقاب لابد قادم، ورفعت بيدها طرف ثوبها مخفضة الرأس حانية القوائم الأمامية قليلاً "سررت بلقائك سيد مارك لاكوت، أليكس يتحدث عنك كثيراً.... رأيتك ثلاث مرات سابقاً لكن هذه أول مرة تراني فيها.... أنا أخشى لقاء الأشخاص الجدد لأنهم قد لا يحبون مظهري لذا آسفة على التقديم المتأخر، سأكون برعايتك الآن" قالت سوليداد ثم عادت بأدب لوقفتها الطبيعية شابكتاً يديها تحت البطن.
وظهورها من العدم بهيئتها الفريدة صعق مارك الشاب في المقام الأول إلا أن قدرتها على الكلام وهذه اللباقة واللطافة صعته مجدداً معيدة له القدرة على التفكير المحدود لدقائق فقط، فاستجمع حصافته لثوان معدودة و تقدم خطوتين منها ثم استقام واقفاً كأنه جندي حرب في حضرة الضابط المسؤول عنه وقال لسوليداد....؟Written By Max Suager p1. ch 5
أنت تقرأ
الركن الرابع
Ciencia Ficciónالرواية تحكي قصة الشاب أليكساندر بلياكوف (19 عاماً) الملقب بالناسك والذي يجره الفضول ليغوص في عمق مختبرات ومنشآت سرية تابعة لوكالة غامضة تعنى بتصنيع السلاح البيولوجي، ولكن ذلك لن يكون أعتى مشاكله حيث يقع في حب أركانية (فتاة عنكبوت) ويحاول تحريرها من...