يستفيق الشاب أليكساندر في غرفته المتواضعة، التي هي سقيفة صغيرة ملحقة في الطابق الأخير بمهجع الذكور للجامعة، وضمن هذه المساحة التي لا تتجاوز الخمس عشرة متراً مربعاً يقطن العبقري المنعزل، نافذة واحدة عريضة مائلة تواجه الباب وسرير معلق في الجدار بجانبه يدوي الصنع، طاولة متعددة الملحقات وكمية مرعبة من الكتب بمواضيع متنوعة مسطرة في كومات متناثرة حول الغرفة، أدوات معنية بالأعمال الميكانيكية والكهربائية، بعض النامذج الأولية هنا وهناك ويمكن للمرئ بصعوبة رؤية عدة تقطير كيميائية وبعض الأعشاب في زاوية مخفيه ببعض كتب علم السياسة والاجتماع.
أليكساندر يستعد لأول يوم له في الجامعة فقد ألتحق بكلية الهندسة الألكتروميكانيكية (ميكاترونيك) منذ أسبوع بمنحة مشرفة لكن إجبارية من رابطة العلوم التي عجزت عن إقناعه بالاستفادة من موهبته بأسلوب متحضر ليلجؤوا إلى الضغط عليه كي يدخل أي كلية تطبيقية فهو بمنتهى البلادة عندما يتعلق الأمر بأيجاد الحوافز لأفعاله كأنما واقع تحت تأثير لعنة حفظ الطاقة الأبدية.
يرتدي ثيابه، يتفقد شبكته من الملاحظات اللاصقة المنتشرة مع بعض الرسومات والخرائط في كل الغرفة، يسحب درج طاولته الأول من جهة اليسار ويقلب مجموعة من البطاقات ليختار أحداها عشوائياً فيدسها في جيبه، ولهذه البطاقات حكاية جهنمية ستتضح لاحقاً، يتابع غسل وجه ويتمضمض ثم يسرح شعره وينطلق خارج الغرفة متفقداً ساعة الجيب خاصته، تقابله عند نزوله السيدة ليزابيتا مديرة المهجع في الطابق الأول، هي سيدة طيبة في العقد الرابع من العمر تقضي يومها في أعمال الترتيب والتنظيف وتمضي وقت فراغها بشرب الشاي وقراءة الروايات الرومانسية الخفيفة، يحيها أليكس وينصرف باتجاه الحرم الجامعي.
يقضي يومه كما كان يقضيه في الثانوية، شبه نائم في الدرج الأخير عند انتهاء الدوام الرسمي يلتقي صاحبه الوحيد مارك لاكوت في الكافيتيريا قبل العودة للمهجع وقياساً بشخصية أليكس لا أحد يعرف حقيقتاً كيف تمكن مارك من اختراق منطقة الصداقة لديه فأليكس ليس جيداً نهائياً في العلاقات العامة رغم إحاطته بها، فالشاب عانى من التوحد في طفولته الذي أدي لنبذه عن زملائه غير أن مساعدته المستمرة لكل محتاج طالما أنه يحتاج أسدل مسحة من الغموض تجاه تناقضه، وكون ذلك قد قيل ظل محافطاً على مسافة بينه وبين الآخرين حتى ظهر لاكوت وتمسك بموقعه كأول وأفضل صديق لأليكس ناهيك عن كونه الوحيد حالياً.
وبينما هما يتمشيان إلي باب الجامعة الرئيسي سأل مارك "بالمناسبة يا صاح.... كيف أنني لم أجدك في المهجع أنت مسجل في الغرفة 207 وعرجت عليك صباحاً لأصطحبك، لكنني لم أجدك"، يبتسم أليكس ويرد "ظننتك قبعت بجانبي فترة كافيه لتكتشف نمط أفكاري يا مارك...خيبت ظني يا صاح"، عندها فقط بدى مارك كمن فطن لأمر ما "السقيفة؟!...لكن كيف سمح لك بالسكن فيها"،" السيدة ليزابيتا سيدة طيبة كل ما عليك فعله هو أصلاح بعض الأشياء لها والتي تتلكئ لجنة الصيانة الرسمية في إصلاحها، الأستماع لأحاديثها في المساء مع كأس من الشاي وإعطائها بعض الروايات الرومانسية، عندها سيكون طلب السكن في الملحق تافهاً يا صديقي، عقد مارك شفتيه في علامة على التعجب وشرع يطالع في الحرم وكلياته، فيما أخرج أليكساند البطاقة التي سحبها صباحاً وقراءها "البيت على المرتفع نهاية الشارع".
مزق أليكس البطاقة قطعاً صغيرة ورماها في أقرب سلة مهملات مر بها "أسبقني إلى المهجع.... سوف أتأخر قليلاً" قال أليكس وهو يلتف نحو الطريق العام "إلى أين يا رجل؟"، "أريد تفقد البيت عند نهاية شارع هارتلي"، "ها أنت ذا مجدداً، يوماً ما ستنتهي بصورة سيئة يا ألكساندر..." قال مارك وهو يتبعه".. هذا البيت مهجور وقديم، هناك حالات أختفاء لمراهقين حدثت أخرها منذ أقل من شهر ستباشر البلدية بهدمه قريباً"، استدار أليكس قليلاً" هذا ما يدفعني للتعجيل فقد حاز هذا المنزل على اهتمامي مذ وصلت لهذه المدينة بقصد الدراسة، سأندم على عدم زيارته أكثر من ندمي على زيارته" قال وهو يتابع السير في سبيله، بينما هز مارك رأسه ووضع يديه في جيبيه ثم أتجه هو الآخر نحو المهجع" لا أعلم... لقد تعبت من هذا الشاب الطائش.. " قال في نفسه.
لقد كان البيت في نهاية الشارع أو بيت التلة وحيداً منعزلاً على مرتفع من الأرض، يبدو هذا المبنى كأنه خرج من العصر الفكتوري بطوابقه الثلاثة وطوب سقفه الأسود الذي خسر جزءاً جيداً منه، فهو عتيق ورائع التصميم لكن الزمن تمكن منه أخيراً فيبدو خشبه الأبيض الشاحب متشقق كفاية لجعله غير صالحاً للسكنى وزجاج أغلب نوفاذه المحطم يرسل رسالة تهديد بالانهيار شديدة اللهجه لكل من تسوغ له نفسه الدخول.
يتصل بيت التلة مع شارع هارتلي بطريق ترابية واحدة بالكاد تسمح لسيارة بالعبور، فأشجار الزان والصنوبر تحرص على أن يبق عرض الطريق كما هو عليه، رغم امتلاك البيت لكراج صغير ملحق يوحي باستخدام السيارة كأيقاع يومي.
يقطع أليس مكتبة صغيرة اعتاد زيارتها عند وصوله للمدينة ينتهي معها الشارع فتلمحه ناتاشا التي تعمل في المكتبة خلال هذه الفترة وهي شابة في الثانوية تساعد جدتها (صاحبة المكتبة) في العمل مساءاً بعد المدرسة والتي تعرف أليكس لكثرة تردده ومساعدته المستمرة لهما، فتخرج هاتفتاً باسمه، يلتفت إليها أليكس "ناتالي؟ ، خير إن شاء الله؟".
"إلى أين العزم، لا تقل أنك تفكر في زيارة بيت التلة بعد شهور من موت صاحبته؟" قالتها بضحكة مرحة، فتوقف أليكس وطالع بها "إذاً أنت تعرفين صاحبته... لما لم تخبريني بذلك عندما سألتك عنه؟" قال وعلامات الانزعاج تعلو محياه.
اختفت البسمة عن وجه ناتاشا وأصبحت تبدو كأنها طفلة ارتكبت فعلاً طائشاً" لم أردك أن تذهب، لذا لم أخبرك بالكثير، أترى... هذا البيت ملعون، يختفي الشبان فيه عندما يأتون لتحدي جرئة التلة يوم الجمعة... "،" لحظة، تحدي التلة؟! " قاطع أليكس،"نعم.... يشترط عليك البقاء حتى صبيحة يوم السبت وتسجيل فيديو لمدة 8 ساعات يثبت أنك كنت داخل المنزل....على الحكومة هدمه، والله أعلم لما لم يفعلوا حتى الآن، إنه قديم ومتداعٍ وقد يسقط على رأس أولائك المراهقين الخرقا عندما يقررون اللعب فيه مجدداً"، كان أليكس نزعجاً من عدم أخبار ناتاشا له بهذه المعلومات" سأعاتبك عندما أمر لاحقاً يا ناتالي....أما الآن عودي للعمل" قال وهو يستدير متابعاً سيره نحو بيت التلة، أمسكت ناتاشا يسراها بيمناها وقد تمكن الحزن منها" هل ستأتي اليوم؟ " قالت بصوت عالي،" بالطبع! "رد أليكس.
خمسون متراً فقط هي التي تفصل البيت عن الشارع الرئيسي قطعها أليكس لتظهر أمامه واجهة البيت بكامل هيبتها، بعلو ثلاثة عشر متراً وتصميم يسلب العقل ينتصب بيت السيدة يانوف المحتفط بطلته التي وشحها الغموض وزادها العتق نكهة لعين الناظر، لكن ذلك لم يدم فأليكس رغم ابهاره وعشقه لفن العمارة ميال لمسح محيطه الجديد أولاً.
كان أول ما وقعت عينيه عليه هو ثلاث منشورات لشابين وفتاة بلغ باختفإهم في المنزل معلقة على الباب الرئيسي، تظهر المنشورات صوراً واضحة لوجوههم وبحسب التواريخ اختفى الشاب والفتاة قبل ثمان أسابيع والمراهق الأخير اختفى فقط منذ ثلاث أسابيع، هذا ليس جديداً على أليكس فقد قرأ سابقاً في مكتبة الزاوية التي تعمل بها ناتاشا إحدى الإصدارات السابقة للجريدة المحلية وفيها مقال عن اختفاء الشاب الثالث يوم الجمعة منذ شهر، لكن ما لفت انتباهه بيان قسم الشرطة بتفتيش البيت وعدم إيجاد جثث "لم يفترضون موتهم؟!" قال في نفسه بينما يعيد الجريدة لمكانها.
بالعودة إلي الوقت الحاضر يتقدم أليكس من الباب الرئيسي ويقرعه ثم ينتظر قليلاً ويفتح الباب ليلفحه هواء بارد هرب من الداخل وتستقبله عتمة موحشة، رغم أن الوقت لا يناهز منتصف العصر لكن النوافذ المغلقة تمكنت من حجب أغلب الضوء الوارد للداخل، تعودت عيناه على مستوى الضوء الجديد كما أخرج مصباح الجيب وبدأ بتفقد البيت.
كانت غرفة استقبال ومعيشة كلاسيكية أول ما تبع باب المدخل بأثاث قديم الطراز من خشب الكرز ومدفئة من الطوب، عمت الفوضى المكان وفشل ذلك في منع أليكساند من تفحص كل ما وقعت عينيه عليه، جولته تركت القبو للنهاية فهو دائماً الطبق الرئيسي عندما يأتي الأمر للغموض، لذا توجه للطابق الثاني وكان هذا مخصصاً لغرف النوم والتخزين بحمام خاص وشرفة داخلية مطلة على الطابق الأول وأخرى خارجية مطلة على الحديقة الخلفية، أشتم رآئحة خفيفة لجيفة عند مروره بإحدى خزائن الطابق الثاني، أقترب وفتحها ففاجأته جثة شبه متحللة تماماً سقطت عليه لكنه تفاداها، وكانت على ما يبدو مستندة سابقاً إلى الباب من الداخل.
تملكته الدهشة لوقت قصير فقد ميز ملابس الشاب الثالث المختفي لكن كيف انتهى به الأمر هكذا "كيف لم تلحظ الشرطة ذلك؟!... هنالك بعض الشذوذ في مسار الأحداث هذا.... لكني لست محققاً، انه الفضول فقط" قال في نفسه، وعاد بنظره إلى الخزانة متفحصاً بمصباح الجيب الزوايا جيداً ولم يعثر فوراً على شيء يذكر، "حسناً، الخشب قديم ولن يتحمل أن يتم كسره بالقوة، لذا هو لم يختبئ ويعلق في الخزانة، كما بالحكم على أستنادها فهي لم تحمل وتخفى هنا... لكن ماذا لو كان قد أختبئ ولسبب ما لم يستطع كسر الباب، إذاً... " حدث نفسه وهو يتقدم ويدخل الخزانة، عاين المنطقة المقابلة للباب في الأسف وكان هناك أختلاف في لون لعدم وجود غبار فيها يبدو أنها ستسمح بأنزلاق اللوح المواجه للباب بحالة ما، طرق أليكساندر على الخشب وكان قاسياً كالحجر،" هناك خزنة من نوع ما خلف هذا الحاجز... لسبب من الأسباب كانت مفتوحة عندما دخل الشاب وأغلق باب الخزانة عليه، لكنها عادت وأغلقت لسبب أخر والأرجح أنه مات مختنقاً في محاولة يائسة لكسر الحاجز دون جدوى، يبدو أنها فتحت حديثاً مما سبب انزلاق الجثة وارتطامها بباب الخزانة من الداخل دون أن يكون وزنها كافياً لفتحه".
نهض أليكس ونظر حوله فإن كان ظنه صحيحاً يجب أن تكون آلية فتح الحاجز مخفية بالقرب من الخزانة وكان هناك الكثير من الأغراض الممكنة كالمصابيح وحاملات الستائر لكن أكثر ما جذب انتابه كانت صورة لعلماء مجتمعين لأخذ صورة تذكارية يظهر خلفهم ما يشبه المشتل أو الدفيئة، في الصورة أمرأة شابة وحيدة ذات وجه جميل وشعر شديد السواد تتوسط المجموعة خمن أليكس أنها السيدة يانوف، سكن للحظة ثم تقدم ورفع اللوحة عن مكانها فسمع صوت (نقرة) كذلك الناتج عن قفل الباب المغناطيسي وتلاه صوت حزام سيار يتحرك، مؤدي لانزلاق اللوح الذي في ظهر الخزانة كاشفاً عن إضافة داخلية مخبأة، فيبدو أن مسمار تعليق اللوحة كان زناد القادح لآلية الحاجز.
كانت الخزانة المخبأة تحوي على أبحاث متعددة في علم النبات ومراجع أخرى تابعة لها، "يبدو أنها كانت مهتمة بعزل صفات معينة في النبات الهدف، بغرض تحصيل الجينة المسؤولة عنها،....لكان ماندلف سيفخر بها" قال أليكس في نفسه، كما جذب اهتمامه أنبولة حجمها أصغر بقليل من راحة يده تبدو معدة كخرطوش ليتم حقنها مباشرتاً، تلقفها وعاينها.
وضعت على الأنبولة بطاقة معدنية محفور عليها " BIO-32" وتحتها تماماً عبارة "Prototype" التي تعلم كونها نسخة تجريبية، أعاد أليكس الخرطوشة مكانها وفقط عندها انتبه لوجود أداة تخزين صغيرة تبدو غريبة عن المشهد يبدو أنه كانت مختفية أسفل الأوراق التي حركها أليكس مسبقاً، تناول الأداة وتفحصها لم تكن ملفتة بما يكفي لكنه دسها في جيبه للتأكد ثم خرج من الخزانة وأعاد الصورة مكانها فأغلق الحاجز.
ترك أليكس باب الخزانة مفتوحاً ومسح مقابضها، ثم كشط قليل من التراب المتكوم أسفل نافذة قريبة، ونفخه على المقبض، بعدها تابع البحث في البيت وكان ما تبقى من الغرف طبيعياً نوعاً ما فقادته قدماه نحو القبو حيث لم يبدو للوهلة الأولى أن هناك شيء مريب، لكن بعد التجول فيه لاحظ أليكس مولد طاقة احتياطي في غرفة صغيرة معزولة وكان ذا استطاعة عالية قياساً بحاجة منزل واحد كما أنه لم يرى حتى كمية نموذجية من التجهيزات الكهربائية أساساً، لذا اقترب من غرفة المولد التي كانت مظلمة تماماً، و على ضوء مصباح الجيب صعق أليكس بما وقعت عيانه عليه.
خلف المولد استقلى حطام رجل آلي (روبوت) بدى وكأن الدهر أكل عليه وشرب اقترب وتفحصه بعناية مبالغ بها، على صدره كانت الرموز "M.A.I.D - 03" مطبوعة ،وبالحكم على مفاصله المعقدة ومحركاته الثابتة فقد كانت حركته سلسة شديدة الكياسة في أيامه الفضلى.، أيضا لاحظ أليكس أن الساعد الأيمن متكشف بعدة صفائح كصندوق مفتوح يظهر من تحتها (مكان العظم في اليد البشرية) آلية إطلاق مقذوفات مشابهة لتلك المستخدمة في المسدسات من عيار 9mm نوع شديد الانفجار HP. تبين أليكساندر أن سبب تعطله ناتج عن رصاصة في رأسه أدت إلى اتلاف الشريحة المركزية وفشل النظام "كان عليكِ زيادة سماكة التصفيح يا سيدة" قال أليكس في نفسه وهو ينظر للأرضية الخشبية ليجد أثري خدش كبيرين عليها "لقد سحب إلى هنا وخبئ بعد أن تعطل" قال وهو ينهض ويهم بالخروج، عندها فقط لمح الشاب لوحة مفاتيح صغيرة كتلك المستخدمة مع الخزنات لا زالت تتسلم تغذية كهربائية من مكان ما، لم يرها مسبقا لأنها كانت بجانب الباب عند دخوله وبشاشة كريستالية 8-digits تظهر بلون أخضر مشع عبارة "Disengaged" أي أن الرمز - أياً كان ما يفعله - أدخل مسبقاً والقفل مفتوح، تقدم أليكس وضغط مفتاح مرسوماً عليه شكل باب يسار الرقم 0 ففاجأه صوت قفل معدني بدى كأنه يزن طناً، ومال جزء من الجدار المواجه لسلم القبو خارجاً بعرض متر ونص وارتفاع مترين أسفل مصباح عادي.
خرج أليكس من غرفة المولد وتحسس القسم المتحرك من الجدار "نعم!... خفيف ككالريشة" دفعه بسهولة وكشف ضوء مصباحه ثالث مشهد مفزع ليلته هذه، فوراء الباب على الأرض بعيداً عن قدمي أليكس بمترين تقريباً تمدد هيكلان عظميان بشريان على وجههما، يظهر في كل منهما جزء مهشم وباقي الهيكل سليم.
طالع أليكس في الممر ذي الأربع أمتار طولاً فانتبه أنه قفل هوائي، يقوم بتطهير وحماية الغرفة التالية من أي شيء أو شخص ليس عليه أن يكون هناك، حيث أن الباب في نهايته قابل للقفل والفتح من الداخل فقط، وحوله ثقوب لضخ وسحب غاز يرجح أنه للأعصاب، واستخدام الضوء الكاشف يمكن ملاحظة خطوط في السقف تعلّم صفائح تخفي أسلحة للحماية يغلب أنها ما سبب تهشم العظام لدى الهيكلين في الممر، كان أليكس يبتسم بسخرية، لم كل هذا؟، لم يبدو أن هناك منشأة عسكرية مصغرة على بعد خمسين متراً من شوارع المدينة؟.
تابع أليكساند نحو الباب الثاني المعدني، والذي كان مشقوقاً قليلاً فحاول فتحه ونجح بعد عدة محاولات في تحريك جزئيه مسافة كافية تسمح لجسده بالمرور، عندما انتهى من نفض ثيابه من الغبار رفع بصره إلى ما وراء الباب. "لابد أن سحراً يغشي عيني....لقد سلب بصري ولا شك في هذا" ذلك ما دار في خلد أليكساندر الشاب حينما عانقت عينيه مختبر السيدة يانوف، وراحت تلتهم كل التفاصيل.
إن وسع للكاتب وصف المختبر كما يسع لفنان تصويره في لوحة لما كان فصل كامل بكافٍ عليه، فأول ما يقابله الداخل هي طرفية حاسب خارق بشاشة عريضة من قياس 24 بوصة و أربعة أخرى صغيرة بربع القياس تحمل البث الحي لثمان كمرات موزعة ضمن وحول البناء على يسار الشاشة المركزية، وواحدة أخرى مركبة بشكل عمودي تظهر بارمترات المكان كله من حرارة وضغط ونقاوة المياه إلى الكهرباء، أمام الحاسب كرسي متحرك على سكة داخلية حيث يمكن للجالس التجوال المختبر دون الوقوف، في جناح أخر على يسار الباب كانت هناك ثلاث طاولات عليها الكثير من المعدات المعنية بالكيمياء كالمقطرات والمبخرات والدوارق والأرلينات، مع بعض أنابيب الأنتاش هنا إلى ما بدا أنه أنابيب لاستنساخ الأجنة هناك.
والقسم الأيمن والأخير كان يحوي جهاز كبير أسود اللون كذلك المستخدم في فحص الرنين المغناطيسي لكن بضعف الحجم يستقر بين جناحين من رفوف الكتب يظهر فيه مقعد غريب الشكل ونبوب صغير يتسع لرأس أدمي، بينما كانت الكتب المحيطة بالجهاز مراجع علمية مختلفة اغلبها في علم الأحياء والنبات والهندسة الوراثية وطب الأنسجة، ما شذ عن ذلك هو كتب تكنولوجيا المعلومات وبنيان المعطيات، لكن انتباه أليكس صوب نحو باب قناة لإرسال الكبسولات بقطر 30cm تعمل بضغط الهواء العالي، استقرت أمامها منصة عليها كبسولة، وقد نسفت القناة بحيث أصبحت عديمة النفع.
تقدم أليكس من الحاسب وعلى الكرسي المقابل له استقر هيكل عظمي لا يزال معطف المختبر يلفه، عرف أنها بقايا مالكة البيت من ثيابها تحت المعطف، أخفض أليكس نظره تحت الكرسي وكان هناك محقن فارغ "انتحار؟؟ ....من المرجح أنها فقدت الأمل في ذوقها بانتقاء الملابس،.. وعلا ما يبدو أن فضول المراهقين قد قتلهما هنا....نهايات حزينة هاه؟!" قال وهو يضع يديه في جيبه بينما يحول بصره للشاشة الحالة وكانت تظهر عليها العبارة "سجل Log" تقدم أليكس من لوحة المفاتيح المخصصة للسجل وضغط زر الإدخال Enter فظهر جدول زمني يحتوي بيانات ما نفذه النظام من تعليمات وبروتوكولات مؤخراً، كان أخرها منذ ثلالثة أسابيع تقريباً كالتالي
"Security Protocol NUM #7 went OFF, Maids are to be back in beds! 17:05"
كما يظهر في قسم الملاحظات المرافق رسالة خطأ تظهر عدم قدرة النظام على إغلاق الباب الرئيسي للمختبر وأخرى تفيد بغياب الخادمة الثالثة عن سريرها مع وجوب التأكد اليدوي من الحالة، "حسناً يبدو أنها أخذت قيلولة أبدية في مكان أخر." قال أليكس في نفسه وهو يشيح نظره نحو باب المختبر مبتسماً.
لكن أليكساندر لم يفهم ما الذي نشط بروتوكول الآمان أصلاً فرجع بالسجل شهرين للوراء واكتشف أن المراهقين الشاب والفتاة التي ترقد هياكلهما عند الباب قد تمكنا أثناء القيام بتحدي" بيت التلة" المشهور من الوصول إلى المختبر بينما هما يستطلعان المنزل وقد لمسا شيء لم يكن عليهما لمسه، ذلك ما فعل منظومة الأمان لكن الأخيرة لم تعلن زوال التهديد حتى وصول الشاب الثالث (الذي هرب وأختبئ في الخزانة) عندها فقط أنتقل النظام من البروتوكول 5 إلى 7 ومن ثم أنطفئ نهائياً معلناً زوال التهديد.
لسوء حظ الشاب الثالث البروتوكول 5 كان يتضمن إغلاق الأبواب وإطلاق الخادمات (الروبوتات المسلحات بمسدسات 9mm) لكنس التهديدات، كان ذلك ما حجز المراهق الثالث والذي مر بالخزانة عندما كانت الصورة قد سقطت لسبب ما فوجد الخزنة واختبئ فيها بينما أعادتها إحدى الخادمات لموقعها عند انتهاء البروتوكول مقفلتاً الخزنة عليه.
نظر أليكس لساعته وكانت تشير إلى الخامسة والنصف، لم تكفي المدة لإشباع فضوله لكن عليه للعودة فالمهجع سيغلق أبوابه في نصف ساعة، وكان يجول في خاطره شي يدفعه لتفقد القناة "البطاقة اليوم كانت مدسمة" ومن كان ليتوقع مغامرة كهذه من بيت مهجور على التلة، ياله من تاريخ مأساوي لهذا البيت لكن هل هذا كل شيء فعلاً.
"إن كان ظني صحيحاً فما فعله الشابان وقدح نظام الآمان..." قال أليكس وهو يتجه ناحية القناة البريدية في الجناح الأيمن، وصل للمنصة ووجد فيها جهاز كبسولة أسطوانية الشكل منارة بمصباح فلونست أحمر، أقترب منها وعاينها فكانت مرفوعة عن القاعدة قليلاً وهي على شفير السقوط، إن شكه كان في محله فقد حاول الشاب والفتاة رفع الكبسولة بادئين بذلك سلسلة الحوادث المأساوية
والآن هو في صراع بين الفضول والمنطق لكن الكلمة الأخيرة لم تكن لكليهما، ذلك لأن أليكس عندما دقق النظر جيداً في محتوى الكبسولة رأى بيضة منخيوط حريرية يظهر أنها في وضعية تجميد وعلى نور الكبسولة الأحمر أبصر هيئة المخلوق داخلها، وكانت.......... عنكبوتاً!!
تراجع أليكساندر بلياكوف ذي التسعة عشر ربيعاً وكانت هذه فعلاً القشة التي قسمة ظهره في نشرة صواعق اليوم، ظل كذلك لفترة غير مصدق لكنه قرر إعادة النظر وكان فعلاً ما يشبه العنكبوت خيالاً يظهر في رحم البيضة.
يجدر هنا الإشارة أن أليكساندر يعشق ثلاث لا رابع لها فن العمران/الأليات الميكانيكية والدارات الكهربائية/ والعناكب، فخلال لحظات ذاب قلبه وصعد الدم لرأسه من الحماس فأمسك بمقبض الكبسولة ورفعها عن المنصة غير آبه بما سيحدث تفحصها جيداً مرة أخيرة ثم دسها في حقيبة رياضية مهترئة عثر عليها بجانب القناة ولحسن حظه لم ينشط النظام فأستغل الفرصة وخرج من المنزل بأسرع ما أمكنه.
رغم حماسه وتشوقه لم ينسى الشاب أن يعرج على ناتاشا ليشتري رواية جديدة للسيدة لليزابيتا، وبمواجهة سيل الأسئلة الذي وجهته ناتاشا إليه حول زيارته للسيدة يانوف وعدها أن يحكي لها لاحقاً ما جرى هناك وكانت عاملة المكتبة ترمي أليكس وحقيبته التي ظهرت من العدم بكثير من النظرات المشككة لكنه تحجج بأنه مستعجل وقد لا يلحق باب المهجع.
وضع أليكس الرواية في الحقيبة وعاد باتجاه مهجع الذكور، هناك حيث تلقته السيدة المدير بشخصية المفتش ليستراد "أليكساندر الشاب، هل تواعد فتاة في هذه الأيام..." تخطف نظرة للحقيبة وتعود إليه"أم أنك أحضرت بعض المجلات الخليعة؟" قالت مبتسمة بخبث، "أوكد لك يا ليزا العزيزة أنها مجموعة من كتب الكمبيوتر والروبوتات...." قالها مارك وهو ينزل عن الدرج بمنشفة وثياب مطوية".. هذا فقط ما يثير قارض الكتب هذا" تابع وهو يضحك، تقدم أليكس من مكتب ليزابيتا وأعطاها الرواية" تفضلي هذه... من الأدب الأسباني... ستحبينها" واتجه نحو الدرج" ألن نلعب الروليت الليلة" قال مارك ملتفتاً نحو أليكس، "ليس اليوم يا صاح أعدك بإصبعين من الكرميل كتعويض جزائي غداً" قال أليكس متابعاً الصعود، بيننا اتجه مارك إلى الحمام متمتماً "يا رجل حتى حبيبتي السابقة عاملتني بشكل ألطف"، وبعدها بثوان هتفت ليزابيتا"زافون كاركاس، يا مسهّل.... إن هذا كلاسيكي جداً يا سيد بلياكوف".
أما غرفته خلع إلكساندر السترة والحقيبة على السرير ونحا بيمناه كل ما كان على الطاولة ثم أخرج الكبسولة ووضعها أمامه عليها بادئاً بتفحص كل شبر فيها، فكانت هناك كتابة محفورة على رأس الكبسولة "AX-BW-118" وفوقها - تحت المقبض باشرتاً شاشة كريستالية تظهر عبارة "STEADY HIBERNATE STATE".
أنت تقرأ
الركن الرابع
Ciencia Ficciónالرواية تحكي قصة الشاب أليكساندر بلياكوف (19 عاماً) الملقب بالناسك والذي يجره الفضول ليغوص في عمق مختبرات ومنشآت سرية تابعة لوكالة غامضة تعنى بتصنيع السلاح البيولوجي، ولكن ذلك لن يكون أعتى مشاكله حيث يقع في حب أركانية (فتاة عنكبوت) ويحاول تحريرها من...