|١| بِداية

3.2K 144 86
                                    


في شطرِ الخريفِ وحيثُ أوراقُ الأشجارِ المُصفرّة تفترِشُ الأرصِفة،مُكسيةً إياها ثوباً ذا فتنةٍ لم يزِدها سِوى حُسنٍ وهيبة،بينما هيئةٌ أُنثوِيةٌ لفتاةٍ في مُقتبلِ العُمر يُزيّن جسدها فستانٌ قُماشيّ مُزخرفٌ بسيط ويصلُ إلى نهايةِ رُكبتِها،تعتلِي رأسها قُبعةٌ صيفيّة وتعتنقُ يداها حقيبةً جِلديةً مُتوسّطةً نسبياً،مُنتصِبةٌ مُقابلَ بوابةٍ حديديّةٍ سوداءِ اللّونِ والتي يقبعُ خلفها قصرٌ عتيقٌ يضِجّ بالفخامةِ والهيكلِ الفاخرِ المُكتظّ بالتفاصِيل،كانَ معزُولاً عن رُوما يتوسّط أرضاً خضراء تُغلّفها الحشائشُ والأشجار العالِيات،هبّت نسماتُ الهواءِ تُداعِبها لِتتمسّك بقُبّعتِها وتلتفِت لإتجاهِ هُبوبِ الرّياح بقهقهةٍ تنبضُ بالحياةِ،ليُقاطعَ شرودَها قولٌ يصدحُ من جهازِ بثّ الصوتِ أعلى البوابةِ مُستفهِماً

«مُربّيةُ السيّد الصّغيرِ الجديدة؟»

«نعم،أنا كذلِك.»

تفرّق شطرا البوابةِ بِبطئٍ حتى فُتِحت على مِصرعيها،سامِحةً للأُخرى بالدّلوفِ وحِذاؤها مُتوسّط الكعبِ يطرقُ على الأرضيّةِ بوتيرةٍ مُنتظِمةٍ قاتِلاً للصمتِ المقيتِ الذي يغزو الأرجاءَ،وبعد أن دَلفت داخِلَ القصرِ استقبلتها سيّدةٌ ذات مَلامِحٍ طغى عليها الهِرم ووجهٌ يعلوهُ الصّرامة بجانِبها خادِمةٌ مُنكسة الرّأس،باشرتِ المُربّيةُ بإتباعِ العجوزِ وخادِمتِها بعد أن طلَبت مِنها تبادُل أطرافِ الحديثِ في غُرفةِ المَعيشةِ،لتستقِرّا أخيراً على أريكةٍ جلديّة كُل مِنهما مُقابِلةٌ للأُخرى،فتحمحمتِ العجوزُ قائلةً

«بالطبعِ تعلمينَ مِقدارِ أجر وظيفتكِ،وكذلكَ جهّزنا لكِ مُسبقاً غُرفةً لتمكثي فيها حتى إنقضاءِ فترةِ عملِك.»

أومأتِ الآنسةُ بتفّهم وعادِت الذكرياتُ تزورُ عقلها،حيثُ كانت تُؤدي رُوتينها العمليّ كالعادةِ في رِياضِ الأطفالِ برفقةِ زميلاتِها،وبعد إنتهاءِ الدّوامِ خرجنَ للسّير سوياً وحينئذٍ أبصرنَ إعلانَ هذه الوظيفةِ،تعجّبت كثيراً أنهُن لم يتهافتنَ عليهِ رغمَ بحثِهنّ طويلاً عن وظيفةٍ مُجزية!،لم تُولّي للموضوعِ إهتماماً كبيراً واعتراها الحماسُ ثم أخبرتهُنّ بأنها ستحجِزُ الوظيفة؛لتُبصرَ ملامِحهُنّ المذعورةَ ونهرهُنّ لها بشدّة لسبب جَهِلته،لكنها ألقتْ بحديثِهنّ عُرض الحائطِ وها هي هُنا الآن.

نزَعت قُبّعتها ووضعتها جانِباً لِتُهذّب خُصلاتِها البُنيّةِ المُبعثرة،وضعت الخادِمةُ أمامها كوباً من الشاي الأخضرِ لترفعَ المُربيةُ رأسها مُبتسِمةً بإمتنانٍ فانحنتِ الخادمة رادّةً الإبتسامة لها،تناولت الأُخرى الفِنجانَ بين أنامِلها سعيدةً لما يُمدّها به من دفءٍ.

«في الواقعِ لقد طفحَ كيلُنا معه!،ولكي أُدلي لكِ بجميعِ ما يحدثُ بصراحةٍ فقد أحضرنا ثلاثَ مُربّياتٍ قبلكِ،ولكنهُ كسرَ إحدى ساقيّ الأولى وذِراعها وأدخلَ الثانيةَ في غيبوبةٍ،وأصاب الأخيرة بإرتجاجٍ في الدّماغ،لكِ حُريةُ إستكمالِ الوظيفةِ أو الإنسحابِ،ولكن إن قبلتِ الإستمرار فلن يكون هُناك رجعة.»

هذا يُفسّرُ الكثيرَ...رُبما أكون الرابعةَ التي تخرجُ من هذا القصرِ مُقتلعةَ الرّأس أو مُمزقةَ الأطراف بسببِ طفلٍ في الرّوضة،لكن الأجرَ لا يُستهانُ بهِ إضافةً لأنني أعشقُ التحدّي وأمقتُ الهزيمة،على كلّ حالٍ ستكون تجرِبةً جديدةً في حياتي الرّوتينيّة،لذا...

«سأقبلُ الوظيفة.»

انفرجت أساريرُ وجهها بإرتياحٍ مُتنهّدةً لتقِفَ مُصافِحةً إيّاي بإمتنانٍ يتربّع على وجهها،جلَسنا قليلاً نتبادلُ التعارُف بينما نرتشِف الشاي،وبعدما إنتهت كِلتانا نهضَت السيدة تقودُني إلى غُرفة الطّفل للتّعرّف عليهِ،وفي الواقعِ شعرتُ حينها أنني خروفةٌ تُساق إلى مذبحِها!،سلبتُ نفساً ضخماً من الهواءِ الذي يُحاوطُني وزفرتهُ ببطئٍ عسى أن يخرُج مُصطحِباً معه توتُّري،وإذا بالبابِ يُعلن عن إنفتاحهِ كاشِفاً للجُدرانِ البيضاءِ خلفهِ،تحسّستُ كفاً يُربّت على كتفِي كما لو كان يُواسيني،وجسدٌ غادرني راحِلاً،فضممتُ أصابعي على المقبضِ وبسطتُ البابَ للداخلِ بينما أدلفُ للغُرفةِ،رفعتُ بصرِي عن الأرضِ لأُلقي التّحيّة ببشاشةٍ

«مَرحَ-»

اقتطعت تحيّتي واستُكمِلت بفاهٍ مفروغٍ وبصرٍ مجحوظ،لِأتسمّر مكاني وأُحدّق بالشابّ ذي البُنيةِ البالِغةِ أمامي،ببنطالٍ أسود قُطنيّ وكنزةٍ زرقاءَ مُتموضعٌ أعلى سريرهِ وإحدى ساقاهُ تتدلّيانِ إلى الأسفلِ يُطالعنِي بصمتٍ رافِعاً إحدى حاجبيهِ

لوهلةٍ ظننتُهم يُمازِحونني!

يُريدونَ مني أن أُجالِس شاباً بالِغاً؟!






•••

أهلاً (:

ماآراؤكم حول البِداية؟

أنا حقاً أأسفُ لما سيحِلّ بتلك المُربّية😂

ماذا تتوقعون حولَ ردّ فعلِ الشاب؟

٥٥٠ كَلمة

ودُمتم

حتى

لِقاءٍ

آخر

💙

أيُّها الهارِبون من براثِن رُوما حيث تعيش القصص. اكتشف الآن