( وادي الموتى )

1 1 0
                                    



سماء الليل ملبدة بالغيوم
لا يمكنك أن ترى القمر أو النجوم
الهواء بارد و حركة الهواء سريعة
تحدثا بينما كانا يجلسان عند البئر في وسط القرية
قال هارو مبتسماً :
إذاً ستغادرون غداً؟!
رد فان بسخرية :
نعم !! أخيراً سأتخلص منك !!
امتعض هارو وقال بينما يكتم غضبه :
وااه بحقك !! أنا أكثر سعادة منك لأنني سأزيل ثقلاً عن كاهلي !!
تحولت نظرات فان إلى نظراتٍ خبيثة :
آه هكذا إذاً !! كان وجود سيدي ثقيلاً على قلبك !!
تلعثم هارو و أخذ ينفي بشدة بينما يحرك يده بسرعة :
ل.. لا لا لم أكن أقصد السيد النبيل ... كنت اقصدك أنت !!!
ضحك فان ضحكة النصر و قال في موقفه الرابح :
هاهاها انت أحمق فعلاً !!جيد أنني سأغادر قبل أن تعديني بغبائك!!
غضب هارو لكنه كتم غيضه و حافظ على وقاره ثم تحمحم و قال :
حسناً حسناً لنوقف هذا الآن !!
أستمر فان بالضحك لفترة حتى
انقشعت الغيوم فظهر القمر بدراً
نوره توجه مباشرةً نحو فان
أوقف الضحك فجأة 
و تحرك كالدمية نحو السرداب
حاول هارو إيقافه لكن تعويذات فان حالت بينهما
نزل السلالم ثم فتح الباب و توجه نحو ادراج المكتب مباشرة
كان هناك ضوء يعمي الأبصار ينبعث من إحداها
فتح الدرج و أخرج ما فيه
فتح عينيه بعد لحظة ليجد نفسه غارقاً في الظلمة رشح جبينه بعرق بارد و ابتلع ريقه مهدئاً نفسه حاول تدارك الأمر و فهم الوضع لكن الصوت الذي تردد في المكان أنساه هدوئه تماماً !!
بدأ الصوت يخاطبه بعجرفة :
اووه مازلت بليداً كما تركتك أيها الساحر !!
رنة هذا الصوت مألوفة في دماغه
انسيابه الهادئ بين طيات الأذن و حركته الناعمة التي تجعل الجسد يقشعر
بين اللطف و الخوف هذا أدق وصف له
أدرك بعد ثواني هوية من يخاطبه فقال بثقة :
لقد مر وقتٌ طويل أ م ي !!
أطلقت ضحكة غبية
ثم انجلى الظلام بعدها لتتوضح معالم المكان
إنها تلةٌ عشبية على قمتها تجلس شجرةٌ ضخمة جذوعها ملتفة و متألقة
قديمة و كأنها تحكي قصة مئات العقود
أوراقها الخضراء تلمع ندية
و الهواء يعبث بها يأخذها جيئة و ذهاباً
و بجانبها كانت امرأة جمالها أخاذ تجلس
قوامها رشيق و بشرتها ناصعة شعرها طويل لامع و حتى رائحتها كانت لطيفة كرائحة الأزهار
لا أثر للزمن على جسدها !! لكن يبدو أنه لا مفر من تأثيرات الزمن حتى لو هربت بجسدك فهو سيعكر مزاجك !!
قالت بعنجهية :
حسناً يبدو أن الأحمق مات مصراً على رأيه !!
قاطع فان ساخراً :
لما جلبتني إلى هنا !! في الأساس لا يفترض بالموتى مغادرة قبورهم ناهيك عن اختطاف الناس !!
ردت بعنف :
أخرس و لا تقاطعني مجدداً !!
تعرق متوتراً ثم أومأ لها - أن أكملي -
أكملت كلامها بلهجة حادة متكتفه مغمضة عينيها :
حسناً !! لقد عارض كروس أن يكون وريثي لذلك احتجت إلى وريث آخر كأحتياط و في نفس الوقت كان علي ترك مواريثي في مكان يمكن أن يدركه كروس في حال غير رأيه !!
تحولت نظرة فان إلى نظرة شخص خائب الأمل
فكر في نفسه قائلاً :
آه إذاً حتى بعد كل ما عانيته كنت مجرد احتياط!!!
صاحت به :
هاي أنت لا تشرد بينما أحدثك
رد بتلعثم :
آه ح حسناً أكملي من فضلك ..!
عادت لتتحدث بأسلوبها الجاف :
إذاً في النهاية هو لن يأتي !! و يبدو أنك من سترثني الآن !!
رفعت يديها و بينهما كان هناك حجر أسود كتب عليه رموز عبرانية باللون القرمزي يطفو
فتت الحجر بطاقتها ثم قادت الفتات إلى صدر فان
اخترق الفتات جسده و استقر في جوفه
شعر بوخزٍ خفيف داخله ثم اختفى ذلك الشعور سريعاً
قالت بعد أن وضعت يدها على هامة رأسه :
يجب أن تقصد وادي الموتى و هناك عليك أن تتعلم إستخدام تعويذة مستحضر الأرواح
رفعت يدها ثم دفعته عن التلة بينما كانت تقول :
انقلع الآن !! و لا تقلق روحي ستحرسك حتى في الجحيم !!
كان يهوي بهدوء بينما كانت صورتها تتلاشى من بين ناظريه ....
استفاق مرعوباً ليجد نفسه في فوتون وثير و بجانبه يستلقي ماث على الأرض غافياً
حركة تيارات الهواء التي أطلقها استيقاظه المرتعب جعلت ماث يستفيق
اعتدل في جلسته بينما كان يفرك عينه اليمنى بيده و يغطي فمه بيده الأخرى بينما يتثائب
استبق فان سيده بالحديث قائلاً :
أعذرني لقد قطعت عليك نومك !!
رد ماث بلطف :
الحمد لله لقد استيقظت !!
أبتسم فان ثم ربت على رأس ماث و قال بلطف :
شكراً لك لبقائك إلى جانبي ...
سيدي يجب أن أذهب إلى مكان ما ...
قاطعه ماث :
سنذهب معاً ...
وضع فان إصبعه على فم ماث فأوقف عن الكلام و قال و قد اعتلت وجهه نظرة مشفقة :
آسف سيدي لكن هذا شيءٌ يجب أن أقوم به وحدي !!
أبعد ماث يد فان عن وجهه و قال :
حسناً ... متى ستعود ؟!
أجاب فان مرتبكاً :
في الحقيقة لا أعلم لكنني سأعود حتماً !!
عندها فتحت بوابة أرجوانية في الغرفة التي كانا يجلسان فيها
سخر فان قائلاً :
يبدو أن سيارتي قد وصلت ...
إلى اللقاء سيدي ...
أومأ ماث - نعم - ثم عبر فان البوابة فأغلقت !!
نقلته البوابة إلى وادٍ عميق
في الواقع عميق جداً
إنه مكان واسع إذا نظرت إليه عن كثب
الرمال التي تغطي الأرض شاحبة و الأشجار يابسة الصخور مبعثرة في كل مكان بأحجامها الضخمة لا يوجد أي أثر للحياة
قرر فان أن يستكشف المكان حوله فبدأ بالمشي في الإرجاء لساعاتٍ طويلة
نظر فان إلى ساعته الفضية فأدرك شيئاً مباشرة
" يبدو أنه حتى الوقت ميت هنا "
" لا يوجد أي أثر للحياة "
" الطقس بارد و سرعة الرياح متوسطة "
" لا يوجد نهار هنا "
لفت انتباهه كهف في نهاية الوادي
مدخل الكهف كبيرٌ للغاية و الظلام دامس داخله
حاول فان استحضار تعويذة النار لكنه فشل ثم حاول مجدداً و مجدداً لكنه كان يفشل في كل مرة
ثم حاول استدعاء تعويذة أخرى و أخرى لكنه كان يفشل أيضاً
" هل يجب أن استسلم ؟! إنها صفقةٌ خاسرة "
" سأدخل !! لقد فتشت مسبقاً كامل المكان "
" كم مر من الوقت و أنا هنا ؟! "
وضع أول خطواته في الكهف فبدأت أحجار كريمة تشع بخفوت على جانبي الكهف
هو بالكاد يرى ما تطأه قدمه
يكمل سيره على غير هدى
و بعد بضعة دقائق بدأ يسمع صوت موسيقى حزينة هادئة
توجه بسرعة نحو مصدر الصوت
ثم وقف متأملاً
إنه نفس الحجر الذي أدخلته الساحرة إلى جسده
أقترب بخطواتٍ حذرة
فهو دون دفاع بعد اختفاء سحره
استجمع شجاعته ثم قرب يده من الحجر الطافي يبن جدران المكان
لامست يده الحجر فأنقش أول حجاب عن عينيه كساحر
اختفى الحجر من بين ناظريه و بدأ يسمع ترنيمة يتردد صوتها في عقله
و من دون وعي بدأ يرددها
" أيها الموتى 
إلى ما بعد الحياة
اخرجوا بأجسادكم المتهادية
و أرواحكم العارية
شققوا الأرض
و وسعوا الصدع
إلى السطح هلموا
و لا تتوقفوا
حقدكم حزنكم المكم
وجهوها نحوي و تغذوا على مكنون نفسي
و بأمري تحركوا
كلامي لكم سيد
لا جدال و لا اعتراض
انقياد أعمى لسيدك
للملك "
المنظر كان مهولاً
بدأ الموتى يخرجون من باطن الأرض
اجسادهم المتفسخة كانت تشق التربة الرطبة الناعمة و تأخذ طريقها إلى السطح
و استوى أمامه جيش محتشد من الموتى
كلهم يريد قتلة لتناول لحمه ....

النبيل الأخير حيث تعيش القصص. اكتشف الآن